وضعت "فاتن سلهب" من ضمن أولوياتها في عملها الثقافي، تأهيلَ السجناء ورعايتهم لإعادة دمجهم في المجتمع قدر المستطاع، وعزّزت فكرة السجن الإصلاحي من موقعها في مدينة "عدرا" من خلال طرح الأنشطة الثقافية، ودعم قدرات المساجين في جميع جوانب الحياة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت مع "فاتن سلهب" رئيس المركز الثقافي في سجن "عدرا" بتاريخ 31 كانون الثاني 2020 لتتحدث عن بداياتها والدافع الذي جعلها تهتم بالشأن الثقافي فقالت: «منذ نشأتي كان لدي ميول للأدب عامة وللفن والموسيقا خاصة، كان والدي عند عودته من عمله يحضر لنا الجرائد اليومية، وما زلت أذكر أنّ أول ما أتصفحه الكتابات الشعرية التي تأثرت بها كثيراً خلال فترة الأزمة التي مرت بها "سورية"، وقتها استشهد والدي "محمد سلهب" بداية الأحداث في محافظة "إدلب" مع مجموعة من رفاق السلاح، وأيقنت حينها أن السبب الرئيسي لحدوث الحرب أننا لم نكن محصنين فكرياً كما يجب، وأدركت خطورة الغزو الثقافي على أي بلد.

قدمت عدة أمسيات شعرية ومحاضرات في سجني "عدرا"، و"دمشق" المركزي، و"فاتن سلهب" هي خير من تمثل المرأة السورية الذكية والمعطاءة، حيث تحدت كل الظروف لتهيئ كل الإمكانيات المتاحة لرفع معنويات كل نزيل سواء بسجن الرجال أو النساء، قدمت الكثير من الفعاليات الجيدة التي انعكست إيجاباً على وضع السجناء والسجينات من خلال دورات تعليم الكبار ومحو الأمية، وفعلاً هي مدعاة للفخر بأنها امرأة ساهمت بشكل كبير في بناء الإنسان على الرغم من اختلاف أوضاع السجناء. النشاطات التي أدخلتها إلى داخل السجن شملت كل هؤلاء النزلاء، ولولا التعاون بين وزارتي الثقافة والداخلية لما شهدنا هذا النجاح الكبير في رعاية السجناء اجتماعياً وثقافياً

ولأنني حاصلة على إجازة في اللغة العربية، ومهتمة بالمواضيع الأدبية، ساعدني هذا الاهتمام على التقرب أكثر من العمل الثقافي، ليتم تعييني بداية في قسم التخطيط في مديرية ثقافة "إدلب" بسبب إقامتي بها، ونظراً لخدمة أبي العسكرية فيها قبل استشهاده، لكن بعد عام 2012 غادرت المدينة مع العائلة، واتجهنا نحو "ريف دمشق".

في ثقافي ضاحية الأسد

في عام 2016 أصبحت رئيس المركز الثقافي في منطقة "ضاحية الأسد"، وعام 2018 تم افتتاح المركز الثقافي في سجن "دمشق" المركزي ليتم تعييني أيضاً رئيساً له إضافة لمركز "ضاحية الأسد"».

وحول رعاية السجناء وتقديم البرامج الثقافية وغيرها من الأنشطة التي تساهم في رفع اهتماماتهم المهنية أو الفنية ضمن المركز الثقافي، تابعت قائلة: «أول أيامي في ثقافي "عدرا" كان عندي تخوف بسيط لأنني كنت أتخيل أنّ السجن مكان مظلم، ولكن عندما زرته تفاجأت بأنه مختلف تماماً عن الصورة المرسومة في مخيلتنا جميعاً، وبالفعل هو مدينة متكاملة والسجناء يعملون به كخلية نحل، ما شجعني أكثر ودفعني لزيادة تفعيل النشاطات الثقافية والرياضية والمهنية، وزادني شجاعة حديثي الأول مع رئيس فرع سجن "دمشق" الذي أكد لي بأنه عندما يأتي النزيل نترك جرمه وصفته خارج أسوار السجن، ونتعامل معه كإنسان، وفعلاً بدأ النزلاء سواء كانوا رجالاً أم نساء يتوافدون بشكل لافت لارتياد المكتبات واتباع الدورات، وعرض الكثيرون منهم كتاباتهم الشعرية، وقدموا أعمالهم الفنية، ومن جهة أخرى تم تشكيل فريق تطوعي تابع للمركز الثقافي في "ضاحية الأسد" تحت اسم "بلادي إلي" يقوم شهرياً بالعديد من المبادرات التطوعية والمحاضرات التوعوية وتنفيذ عدة حملات بيئية ضمن المنطقة».

إحدى الدورات التدريبية مع النساء

وتضيف: «الهدف الأساسي هو تأهيل السجين أخلاقياً، اجتماعياً ونفسياً، لذلك نقدم بشكل شهري العديد من المحاضرات والأمسيات الشعرية والموسيقية وورشات عمل للأطفال في مركز "ضاحية الأسد"، وكذلك الأمر في ثقافي سجن "عدرا"، ومن خلال الاحتكاك المستمر مع النزلاء تأكدت أن الإنسان عندما يخطئ يجب التعامل معه بشكل طبيعي لأنه ربما ارتكب خطأ لظرف أو لسبب ما، والتعامل معه مباشرة يشبه إلى حد ما تعامل الطبيب مع مريضه، لهذا يتم العمل على مساعدتهم لإيجاد فرص تهيئهم للعمل من خلال تكثيف الدورات التدريبية والمهنية، وكذلك بهدف التركيز على إيجاد مورد مالي للنزلاء نقيم معارض دورية لأعمالهم.

أنا مع أن السجن مؤسسة للإصلاح والتهذيب، ويجب ألا يكون مكاناً مغلقاً، وبالتالي يكون السجين بمنأى عن الحركة الاجتماعية، بل لا بدّ من كسر حالة الانعزال الداخلي حتى ينتج ويتواصل بشكل مستمر مع المحيط الخارجي من خلال النشاطات والفعاليات الدورية».

مع جوقة الفرح خلال إحدى الفعاليات الثقافية

"عبير نادر" الكاتبة والأديبة، ورئيس المركز الثقافي في "جرمانا" تحدثت عن التعاون الذي جمعها مع "فاتن سلهب" في تقديم الفعاليات الثقافية المتنوعة للمساجين بالقول: «قدمت عدة أمسيات شعرية ومحاضرات في سجني "عدرا"، و"دمشق" المركزي، و"فاتن سلهب" هي خير من تمثل المرأة السورية الذكية والمعطاءة، حيث تحدت كل الظروف لتهيئ كل الإمكانيات المتاحة لرفع معنويات كل نزيل سواء بسجن الرجال أو النساء، قدمت الكثير من الفعاليات الجيدة التي انعكست إيجاباً على وضع السجناء والسجينات من خلال دورات تعليم الكبار ومحو الأمية، وفعلاً هي مدعاة للفخر بأنها امرأة ساهمت بشكل كبير في بناء الإنسان على الرغم من اختلاف أوضاع السجناء.

النشاطات التي أدخلتها إلى داخل السجن شملت كل هؤلاء النزلاء، ولولا التعاون بين وزارتي الثقافة والداخلية لما شهدنا هذا النجاح الكبير في رعاية السجناء اجتماعياً وثقافياً».

يذكر أنّ "فاتن سلهب" من مواليد "دمشق" 1987، خريجة جامعة "حلب" كلية اللغة العربية عام 2010.