يعتمد "تفيد أبو خير" في مادته على المعلومة الدقيقة، ويجذبه تاريخ "سورية" وحضارتها وثقافتها الملّونة، حيث عبر عن ذلك من خلال أفلامه الوثائقية وبرامجه التي أعدها لصالح قناتي "دنيا"، و"الإخبارية السورية"، مضيئاً على الثقافات السورية وتعدد جوانبها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الإعلامي "تفيد أبو خير" بتاريخ 13 كانون الأول 2019 بمكان عمله في "المزة"، وبدأ حديثه عن البدايات قائلاً: «الصحافة لم تكن هاجساً لدي في بداية حياتي أثناء سنوات الدراسة المبكرة، لأنني كنت أسعى إلى تحقيق شهادة علمية متقدمة كوني كنت مميزاً في الفيزياء والرياضيات، في نهاية المرحلة الثانوية انجرفت إلى الأدب والإعلام بشكل لا قدرة لي على توصيفها وفهم أسبابها، فقد قرأت معظم الروايات العربية والعالمية الشهيرة في القرن العشرين، وأصبحت مولعاً بالإبداع الفني والأدبي والاطلاع على رموزهما وأشهر الفنانين والأدباء، ووصلت بي الحالة إلى مطاردة صانعي القواميس والمعاجم اللغوية، وهنا اطلعت على منتجات الصحافة العربية والأجنبية من ملاحق تخدم قراءة التاريخ العالمي من مختلف الأوجه، وبدأت بإرسال قصص قصيرة إلى الصحف المحلية، ثم توجهت إلى مبنى صحيفة "البعث" وقدمت لهم مقالات ثقافية وسياسية تم نشرها، وهكذا دخلت هذا العالم الواسع الذي يوشك أن يكون قائداً لحركة الحضارة المعاصرة».

الإعلامي "تفيد أبو خير" من الإعلاميين المهمين الذين يتميزون بالثقافة العالية والذوق الرفيع، وبما يخص الموسيقا تعاملت معه بتسجيل حلقة بإحدى برامجه وكنت سعيداً جداً بالمواضيع التي طرحها بثقافته العالية واعتنائه بالتفاصيل الدقيقة، يهتم كثيراً بعمله، وهو من الأشخاص الذين يفتخر المرء بالتعامل والعمل معهم في إعلامنا السوري

عمل في الصحافة الورقية والمرئية، ولكن يجد نفسه في العمل المرئي، حين يقول: «الصحافة الورقية ممتعة جداً وفيها الأفق الكبير والمجال المفتوح لإثبات الذات، لكن تطور وسائل الاتصال يحارب وجودها بقوة، وقد يحولها كلها إلى صحافة إلكترونية تحمل صفة الآنية وتلغي الورق نهائياُ، وقد كنت أشعر بسرور عميق عندما أتلقى التغذية الراجعة ورد فعل الناس على مادة كتبتها إن كانت في الثقافة أو السياسة. وبعد أن عملت في التلفزيون والأخبار وجدت نفسي فعلاً في البرامج التي تستطيع حمل القضية التي أعمل فيها منذ أن قررت دراسة التاريخ السياسي المعاصر لـ"سورية" والدول العربية وعدد من الدول المهمة بالنسبة لنا، لذلك فالعمل التلفزيوني كان أقدر على إيصال الرسالة».

عدنان فتح الله

كتب عشرات المقالات في الصحف المحلية والعربية، وحاور العديد من الشخصيات المهمة، وبين المقالة والحوار، يتابع: «على أهمية الحوار الصحفي فإنني أميل إلى كتابة المقال، وخصوصاً بعد أن يبلغ المرء من العمر عتياً في الإعلام، إضافة إلى ذلك فإن الحوارات الصحفية في بلادنا مطوقة بحدود معينة، وفيها جدول طويل من المراعاة والمتابعة والمراقبة، مع أنها اليوم أصبحت أكثر سلاسة وأكثر حرية في الطرح واختيار الشخصيات إلى حد ما، فنحن مطوقون بعدة اصطلاحات وبنود تحدد عملنا، وتشذب كلماتنا مهما ادعينا أننا تحررنا منها، ولهذا فإن الحوار فيه مواجهة مشتركة يتقاسمها الضيف والصحفي مع الواقع والأزمات والقضايا العامة إن كان في الثقافة أو السياسة أو الاقتصاد أو أي مجال، ولذلك فإن المقال أخف وزناً وأسهل كتابة علي، لكن هذا لا يمنعني من الإعجاب بزملاء نجحوا في صياغة حوارات أثارت قضايا هامة، ودفعت الرأي العام إلى مناقشتها والعمل على حلها».

حول مدى تأثير الناس بالإعلام، يقول: «الناس هم صانعو الإعلام، وهم الأب والأم للعملية الإعلامية، الشارع هو الخصم والحكم، والناس هم (ترمومتر) الإعلام، ولذلك فإنني عندما أضع المايك أمام أي ضيف في أي برنامج أو استطلاع رأي أو مقابلة أول كلمة أقولها هذه المحطة لك، قل ما ترغب بقوله، وليس ذلك فقط في عملي الرسمي كون المحطات الرسمية هي ملك الناس أولاً وأخيراً، ولكن كنت أقوم بذلك منذ أن كنت في قناة "الدنيا" في الفترة ما بين 2007 و2010، حتى يشعر الإنسان أن الإعلام هو صوته وكلمته ومقولته أولاً وأخيراً، لذلك فعلى المؤسسة الإعلامية أن تكون صدى الناس ومنبرهم، وليس فقط موجهاً للرأي العام حسب ما تقتضي المصلحة العامة، لأن حاجات الناس هي في الحقيقة المصلحة العامة».

تصوير مع التشكيلي علي الكفري

برنامج "حبر وحضارة" الذي يعده لصالح "الإخبارية السورية" من البرامج المميزة، حيث طرح من خلاله أفكاراً مهمة، وحوله يقول: «بعد تمدد حالة الاستقرار في "سورية" إلى معظم المناطق، وانحسار موجة الإرهاب عن أغلب المدن والقرى، وانتشار فكرة المصالحة الوطنية، بحثت عن فكرة تعيد لم الشمل بين العقول، وإعادة توحيد أهل البيت الواحد، وأعني الناس الذين هم الغالبية العظمى من السوريين، وهم الذين يهمهم وحدة "سورية" وتراثها وتاريخها وتنوعها الذي يعتبر مصدر قوتها، فكان برنامج "حبر وحضارة" فكرة توحيدية يستهدف كل إنسان مبدع أو مؤسسة أو هيكل تنظيمي له رسالة حضارية مستمرة باسم السوريين جميعهم، وأكثر الحلقات التي أفخر بها هي الحلقات التي نجحت في تقديمها بصورة إخراجية جيدة ساعدتني فيها الظروف، لكني أفخر بأني حاولت تقديم معظم مكونات الشعب السوري على حقيقتها، وما زلت في أول الطريق، هناك ثقافة محلية رائعة جداً في "سورية"، في كل قرية وكل حارة وكل مدينة وما علينا إلا أن نستثمر هذا التنوع لنستعيد وحدتنا وقوتنا».

يحدثنا "أبو خير" عن أفلامه الوثائقية قائلاً: «معظم الأفلام الوثائقية التي قمت بإعدادها كانت لها صبغة سياسية، والمشكلة عندي أنني بعد أن اطلعت على التاريخ السياسي لـ"سورية" والعالم، أصبحت السياسة تحشر أنفها في كل عمل، وهذا ما انعكس على برامجي بشكل غير مباشر، أحاول دائماً ان أواريه تحت الكلمات والصور، فاليوم برنامجي المستمر هو بالحقيقة مجموعة من الأفلام القصيرة كلها تحت عنوان "بروتوكول"، يتحدث عن أهم المعاهدات والاتفاقيات العالمية، وأعتبر نفسي نجحت في إعداد أفلام عن القضية الفلسطينية ومذابح "الأرمن والسريان"، وعن "روسيا"، وعن شخصيات راحلة عربية ومحلية».

"عدنان فتح الله" عميد المعهد العالي للموسيقا قال: «الإعلامي "تفيد أبو خير" من الإعلاميين المهمين الذين يتميزون بالثقافة العالية والذوق الرفيع، وبما يخص الموسيقا تعاملت معه بتسجيل حلقة بإحدى برامجه وكنت سعيداً جداً بالمواضيع التي طرحها بثقافته العالية واعتنائه بالتفاصيل الدقيقة، يهتم كثيراً بعمله، وهو من الأشخاص الذين يفتخر المرء بالتعامل والعمل معهم في إعلامنا السوري».

"سعيد النعيم" من متابعي "تفيد أبو خير" قال: «يعرض "أبو خير" في أعماله بشكل عام تاريخنا المشرّف وأضاء على بعض الثقافات السورية القديمة التي كانت غائبة عنا جميعاً مثل الثقافة "السريانية والآشورية والكردية والأرمنية والشركسية والمردلية"، كما تطرق إلى حياة شخصيات لهم بصمة في المسيرة السورية الثقافية والاجتماعية والسياسية، وكذلك فضح بعض الاتفاقيات والمعاهدات التي حيكت ضد بلدنا والمنطقة».

"تفيد أبو خير" من مواليد "رخلة" في "ريف دمشق" عام 1972.