عاش الفنان والأكاديمي المتعدد المواهب الراحل "محمد خالد حمودة" عمراً كاملاً بين الفنون مصوراً وطابعاً ومدقّقاً لغوياً مجدّاً، وإدارياً متميزاً يحرص على مقتنيات بلاده الأثرية ويرعاها، فكان الرجل الذي ترك غيابه فراغاً كبيراً لدى كل من عرفه.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 شباط 2019، التقت "سوزان جفال" أمينة مكتبة معهد الآثار والمتاحف، التي تحدثت عن طفولة ودراسة الراحل "محمَّد خالد حمُّودة"، فقالت: «ولد في حيّ "الصالحيَّة" عام 1956، ونشأ ضمن أسرةٍ كريمةٍ فرحت بمولده لكونه أوَّل ذكورها، حيث اختصرت والدته ذلك اليوم بتأكيدها أنها أنجبتُه عندما كانت في الرابعة عشرة من العمر، فكبرا معاً، فهو لم يكن مجرَّد ابن لها، بل كان أخاً وصديقاً. وفي السادسة من عمره دخل المدرسة الابتدائيَّة، حيث كان من المتميِّزين بين أقرانه، وهذا ما لاحظه مدرِّسوه. وبعد نيله الشَّهادة الابتدائيَّة حاول والده أن يحوِّل اهتمامه عن الدراسة إلى تعلُّم حرفته، لكن تخلُّفه عن المدرسة جعل مدرِّسيه يسألون عن سبب غيابه، ويصممون على عودته.

كانت حياتُه كفاحاً بطموح كبير ومتجدِّد، أحبَّ "دمشق" التي ولد فيها، وتغزَّل بياسمينها، فأحبَّه الجميع لدماثة خلقه وطيب معشره. ألقى العديد من المحاضرات والندوات الثقافيَّة في الجمعيَّة الجغرافيَّة، وكانت له برامج ولقاءاتٍ عدَّة على شاشة التلفزيون السوري يسلِّط بها الضوء على التراث الثقافي وأهميَّة الحفاظ عليه، وكانت آخر محاضراته عن رفيق دربه العالم الشهيد "خالد الأسعد" مدير آثار "تدمر"، في الجمعيَّة الجغرافيَّة عام 2016، ليمضي بعدها؛ تاركاً خلفه سيرة عطرة، يتذكَّره بها كل من عرفه عن قرب

كان "خالد حمُّودة" على الرغم من حداثة سنِّه يفضِّل التعلُّم على الحرفة، إلَّا أنَّه لم يخذل والده، فبات يذهب إلى المدرسة صباحاً، ويزاول الحرفة بعد الظهر، وفي نهاية المرحلة الإعداديَّة أحبَّ أن يتعلَّم فن الطباعة فتتلمذ على يد "حبيب عمراني" حتى أتقنه واحترفه في الجمعيَّة التعاونيَّة للطباعة، وأصبح مساهماً وعضواً فاعلاً في مطبعة الجمعيَّة، ليكون خرِّيج مطبعة "الترقِّي" المعروفة، ومطبعي من النوع الحرفي».

أصدقاؤه في أحد المعارض

وأكملت: «تابع دراسته الجامعيَّة، والتحق بكليَّة الآداب في جامعة "دمشق"، قسم اللغة العربيَّة، حيث كان حبُّه للغته الأم كبيراً؛ وهو ما جعله يعرف الكثير عن خباياها، وانتقل فيما بعد إلى التخصُّص في مرحلة الماجستير.

عمل في التدقيق اللغوي والإخراج الفنِّي في مركز "الباسل" للبحث العلمي والتدريب الأثري لكثيرٍ من الكتب الثقافيَّة والأدبيَّة والأثريَّة، كان أوَّلها كتاب "رسم اللقى الأثريَّة" عام 2008، وهو من تأليفي، حيث كانت تجربة ممتعة.

رجل يتأمل أعماله التصويرية

كتب في العديد من المجلَّات مقالات متنوِّعة المواضيع. وكان عاشقاً لمدينته مواطناً صالحاً ومكافحاً في سبيل رفعة الوطن. أحبَّه كلُّ من عرفه لكرمه وإغاثته للملهوف، وكان شعوره بالمواطنة قويَّاً، حيث ترجمه من خلال مساهماتٍ كثيرة في المناصب التي تبوَّأها، فكان مربِّياً فاضلاً، فدرَّس اللغة العربيَّة في كُلِّيَّتي الفنون الجميلة، والهندسة الكهربائيَّة، ومعهدَي الفنون التطبيقيَّة، والآثار والمتاحف.

تعلَّم المحاسبة فنبغ فيها، وعمل مفتِّشاً قديراً في المديريَّة العامَّة للآثار والمتاحف، وحرصه على المقتنيات الأثريَّة تسبَّبَ في إقالته من منصبه، ليكون مديراً للمعهد التقاني للآثار والمتاحف في قلعة "دمشق"، كما كان مصوِّراً وثائقيَّاً لكلِّ معلَم من معالم "سورية"».

وعن هوايته التي أكسبته لقب "ملك الياسمين"، أضافت "جفّال" بالقول: «تعلَّم حرفة التصوير الضوئي على يد معلمه المحترف "مروان مسلماني"، فعمل على تخليد اسمه بعد وفاته وفاءً له، بأن أقام له معرضاً في قلعة "دمشق"، ضمَّنهُ عدداً كبيراً من لوحاته، حيث افتتحته وزيرة الثقافة السابقة "لبانة مشوح"، وحضره الكثيرون من الفنَّانين والآثاريين، وممثلي سفارات أجنبيَّة عمل عدد كبير من مواطنيها في بعثات التنقيب الأثري في "سورية"، وخاصَّة في المنطقة الشماليَّة والوسطى.

وأسهم أيضاً في إصدار كتابٍ له بعنوان: "مروان مسلماني ملك الأبيض والأسود"، من مطبوعات المديريَّة العامَّة للآثار والمتاحف.

وكانت له نشاطات اجتماعيَّة ومشاركات كثيرة في مناسبات خاصَّة وعامَّة، وظهر مع مجموعة "المسك والعنبر" التي كان عضواً فيها، ومنها حمل لقب "ملك الياسمين"».

"مؤمن بدران" الموظف في المديرية العامة للآثار والمتاحف، قال: «كانت حياتُه كفاحاً بطموح كبير ومتجدِّد، أحبَّ "دمشق" التي ولد فيها، وتغزَّل بياسمينها، فأحبَّه الجميع لدماثة خلقه وطيب معشره.

ألقى العديد من المحاضرات والندوات الثقافيَّة في الجمعيَّة الجغرافيَّة، وكانت له برامج ولقاءاتٍ عدَّة على شاشة التلفزيون السوري يسلِّط بها الضوء على التراث الثقافي وأهميَّة الحفاظ عليه، وكانت آخر محاضراته عن رفيق دربه العالم الشهيد "خالد الأسعد" مدير آثار "تدمر"، في الجمعيَّة الجغرافيَّة عام 2016، ليمضي بعدها؛ تاركاً خلفه سيرة عطرة، يتذكَّره بها كل من عرفه عن قرب».

يذكر، أن المبدع والمتعدد المواهب الأكاديمي "محمَّد خالد حمودة" قد غادر الدنيا في الرابع من أيار عام 2016، ووري الثرى في مقبرة "السبيل" الثانية.