بالإرادة والصبر استطاع المدرّس "خليل العاني" أن يتجاوز الصعوبات، ومنها عدم قدرته على الرؤية، وفقدانه جزءاً من السمع، ليكون أول مدرّس مكفوف يعيّن من قبل وزارة التربية لتعليم المبصرين، متغلباً على ظلام البصر، ببصيرة ملأى بنور العلم والعمل، ويستمر في التدريس لأكثر من ثلاثين عاماً.

مدونة وطن "eSyria" التقته في منزله بتاريخ 20 نيسان 2019، وعن مسيرته التعليمية يقول: «عام 1974 بدأت العمل كمدرّس في مدرسة "الميدان الأولى"، وتتابع عملي في عدة مدارس بـ"دمشق" وريفها، منها: "عزة الحصرية"، "اسماعيل الريس" في "حرستا"، "عبد الرحمن الكواكبي" في "الميدان"، "فايز منصور"، "عباس الحامض"، وشجعني الدكتور "مازن مبارك"، عضو مجمع اللغة العربية، الذي كان أستاذي في الجامعة، لدخول سلك التعليم، والتغلب على الصعوبات التي واجهتني، ومنها سخرية الطلاب، لكوني مدرّساً مكفوفاً، لكن بجهدي استطعت أن أنال احترامهم، على الرغم من أنني خلال سنوات عملي، فقدت جزءاً من سمعي؛ وهو ما زاد من صعوبة المهمة عليّ، ولأنني متمكن من اللغة العربية، استطعت ضبط الصف، من خلال بناء علاقة محبة وصداقة مع التلاميذ، وتمكنت من تشجيعهم على العلم، ولم تعد علاقتهم بي علاقة طالب بمدرّس، بل تحولت إلى علاقة أبوة».

عام 1974 بدأت العمل كمدرّس في مدرسة "الميدان الأولى"، وتتابع عملي في عدة مدارس بـ"دمشق" وريفها، منها: "عزة الحصرية"، "اسماعيل الريس" في "حرستا"، "عبد الرحمن الكواكبي" في "الميدان"، "فايز منصور"، "عباس الحامض"، وشجعني الدكتور "مازن مبارك"، عضو مجمع اللغة العربية، الذي كان أستاذي في الجامعة، لدخول سلك التعليم، والتغلب على الصعوبات التي واجهتني، ومنها سخرية الطلاب، لكوني مدرّساً مكفوفاً، لكن بجهدي استطعت أن أنال احترامهم، على الرغم من أنني خلال سنوات عملي، فقدت جزءاً من سمعي؛ وهو ما زاد من صعوبة المهمة عليّ، ولأنني متمكن من اللغة العربية، استطعت ضبط الصف، من خلال بناء علاقة محبة وصداقة مع التلاميذ، وتمكنت من تشجيعهم على العلم، ولم تعد علاقتهم بي علاقة طالب بمدرّس، بل تحولت إلى علاقة أبوة

وعن أسلوبه في التدريس وعشقه للكتب، يتابع حديثه قائلاً: «درَّست الصفوف الإعدادي، الثانوي، والثالث الثانوي بفرعيه الأدبي والعلمي، من خلال عرض المعلومات بطريقة شائقة، والاستعانة بملكة الحفظ، حيث كنت أحفظ الدرس، وألقيه غيباً على التلاميذ، وأعمل على تشويقهم من خلال الأسئلة والأجوبة، واعتماد أسلوب التحفيز المعنوي، تأثر أولادي وخاصة الكبير "مؤنس" والأوسط "مهند"، بما تمتعت به من إرادة وصبر على مصاعب الحياة، وكل من "محمد" مدرّس اللغة الإنكليزية، و"ميس" الصحفية؛ أحبّا اللغة العربية والأدب والكتابة، ونهلا العلم من الكتب الموجودة في مكتبتي الخاصة بالمنزل، التي تضم جميع ما ألّف في النحو من كتب قيمة، حيث كنت أحصل على الكتب بمشقة من مصروفي الشخصي، أجمع ثمنها بصعوبة لأقتنيها ضمن مكتبتي، كما كان الطلاب يقرؤون لي، فزادت حصيلتي اللغوية، وتمكنت من اللغة العربية أكثر، إضافةً إلى دعم زوجتي لي، وهي أكثر إنسانة أفتخر بها، هي هديتي القيمة من الله، كانت تشجعني على العمل، وتساعدني في مسيرة الحياة، ولا تشعر أحداً بأنني مكفوف، حملت معي هموم الأسرة والتعليم حتى استطعنا تكوين عائلة متآلفة، مكونة من أبناء ذوي خلق، ومستوى تعليمي رفيع».

مع مكتبته

من جهته الدكتور "جيرار قسومة" أحد طلابه، وطبيب في جراحة القلب، يقول: «كنت طالباً لدى المدرّس "خليل العاني" في مختلف المراحل الدراسية، وهو مدرّس لغة عربية قدير جداً، لديه عدة أساليب في إعطاء الدرس، من أهمها تبسيط المعلومة؛ وهو ما جعلنا نحب المادة، كنا نستغرب لكونه ضريراً، ونسمع من الطلاب الذين درّسهم قبلنا، أنه يمتلك ميزات لا يملكها غيره، وقد أثبت أن كل إنسان لديه إعاقة معينة، يتمتع بملكة، وحاسة ميزه الله بها، كان يعاملنا كمربٍّ، وأب، وأخ، لم أشعر يوماً بأنه غير قادر على الرؤية، كان يحفظ أين يجلس كل طالب منا، ويعرف من يشاغب من الطلاب، أو في حال بدلنا أماكن جلوسنا، وفي كل حصة إلى جانب مقرر اللغة العربية، كان يعطينا معلومات عن تجاربه في الحياة، مثلاً (أن يكون لدينا سند، نتمتع بالطموح)، حيث كان يبني علاقة جيدة مع أسر الطلاب، وأصبح بين عائلتنا وعائلته علاقة صداقة، لم يكن مادياً أبداً، ولا يتردد في الإجابة عن أي سؤال، كبرنا وحققنا ما حققناه في المجتمع بفضل ما بذله من جهد وتعب كبيرين، وحاول باستمرار أن يوجهنا إلى الأمور الإيجابية، سواء دينياً، أو اجتماعياً، أو تربوياً، ويعاملنا عند حصولنا على علامات متدنية بحزم شبيه بحزم الأب، والعكس يعاملنا بحنان عند حصولنا على علامات جيدة، ويكون سنداً لنا، يمكنني القول إنه ظاهرة لن تتكرر».

بدوره "إحسان تخين" موجه لغة فرنسية في ثانوية "المحسنية"، وزميله في التدريس سابقاً، يقول: «أعرفه منذ عام 1985، كنا ندرس في مدرسة "فايز منصور"، ثم انتقلنا معاً للتدريس في مدرسة "عباس الحامض" عام 1986، وأتذكر حادثة جرت معه في الماضي، عندما دخل الصف لإعطاء درس لطلاب الثالث الإعدادي، ارتبك الموجه، وأراد أن يشاركه حضور الحصة الدرسية، ليقدم له المساعدة، لكن المدرّس "خليل"، قال له: (سأعتمد على نفسي، وفي حال أردت يمكنك الانصراف)، في البداية بدأ الطلاب يتهامسون عن كيفية قدرته على التدريس وهو كفيف، لكنه تمكن بأسلوبه الراقي من ضبط الصف، ونال سمعة حسنة في المدرسة بين الطلاب والمدرسين، وأثبت جدارة في التدريس، إلى درجة أن الطلاب في الشعب الأخرى أرادوا أن يكون مدرّساً لهم، كان له أسلوب خاص نجح فيه طوال سنوات عمله، مدرّس متمكن، محب لعمله، مخلص لمهنته، يتمتع بأخلاقيات المهنة، لا تهمه المادة على الإطلاق، بل همه بالدرجة الأولى أن يستفيد الطالب منه قدر الإمكان، وبعد انتهاء الدوام كان يقيم مجموعات تقوية للطلاب الضعيفين في اللغة العربية بأجور رمزية جداً، ومجاناً للطلاب غير القادرين على دفع الأجور، فيه كل صفات المدرّس المثالي، وهذا هو الواقع، ولا أبالغ عندما أقول ذلك، هدفه الأول والأخير أن يحقق الفائدة التدريسية للطلاب، من دون أي هدف مادي، على عكس ما يجري اليوم في بعض المدارس».

في منزله

يذكر، أن المربي "خليل العاني" من مواليد "الميادين"، "دير الزور"، عام 1946، عاش ودرَس في "دمشق"، درس في معهد "التربية الخاصة لتأهيل المكفوفين" بـ"دمشق"، وحاز دبلوم دراسات عليا في "اللغة العربية" عام 1975، وماجستير في اللغة العربية، اختصاص "النحو" عام 1977، وإجازة في "اللغة العربية" من جامعة "دمشق"، فقد البصر وهو في السابعة من العمر، وتقاعد عام 2007، حائز على عدة شهادات تقدير من وزارة التربية.