أديب وباحث له الفضل الكبير في إزالة الغبار عن كنوز مخطوطاتنا النادرة، ليسبر أغوارها ويخرج لنا الدّر الكامن في أعماقها، وأغنى مكتبتنا العربية بالعديد من الدراسات والأبحاث والمؤلفات، لينال مكانة عمادها العلم والبحث.

إنه الباحث والأديب "محمد باسل عيون السود"، الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 آذار 2018، وحدثنا عن بدايته، فقال: «ولدت في "دمشق" عام 1962، وترعرت في كنف أسرة بسيطة لا وجود فيها للكتاب، إذ كان لدي حلم أن أقتنيه، لأنني كنت من هواة المطالعة، ولم أجد من يوجهني لقراءة كتاب ما، حتى بدأت علاقتي مع القراءة والمطالعة من خلال مجلة "أسامة" للأطفال التي كانت تصدر أسبوعياً، وبقراءتها زاد حبّ المطالعة أكثر، فبدأت في المرحلة الإعدادية الاهتمام أكثر، وكنت أقرأ في مكتبة المدرسة، وأول كتاب وقع نظري عليه هو "النظرات والعبرات" لـ"المنفلوطي"، وأذكر أنني في نهاية هذه المرحلة اشتريت ديواناً للشاعر الكبير "نزار قباني"، بعنوان: "أحلى قصائدي"، وكان لي بعض المحاولات الشعرية التي تعبّر عما يجيش في النفس، وفي عام 1981، التحقت بجامعة "دمشق" لدراسة اللغة العربية وآدابها، وكان لإعداد حلقات البحث دور بارز في التوجه إلى كتب التراث والغوص فيه، وهمت في هذا العالم الساحر، الذي كانت تحتضنه المكتبة "الظاهرية" بـ"دمشق"، وفيها اجتمع سحر المكان وسحر التراث، ومن خلال تلك الكتب التراثية والمخطوطات التي تضمنتها المكتبة تعمق عشقي للتراث بما فيه من كنوز، وصرت أبحث عن مخطوط أحققه لأزيل عنه غبار المكتبات».

عرفت "باسل" منذ زمن بعيد، وكان مثالاً للأخوة الصادقة والعلم النضيد، فهو وإن غلب عليه مجال تحقيق المخطوطات والبحث في أرجاء التراث العربي، إلا أنه عالم فذّ فاق معاصريه بدقة أبحاثه ومناظرته، فخلف عينيه كلمات يلتمسها من عاش معه ورافقه، فكنت إذا سألته سؤالاً أجاب غير متردد، وكان الجواب في ذهنه، وهو رجل كريم لا يردّ سائلاً، له العديد من الكتب التي أفاد الجميع بها، ودرسوها وقاموا بتدريسها، وعملت الكثير من وكالات النشر على نشرها وتوزيعها، كتبه التي عمل بها كانت مثالاً للدقة والتدقيق، الذي ما كان ليتركه لأي سبب كان، تشكّرته الشبكة العنكبوتية التي تعرض مخطوطات كاملة لعدة مكتبات من العالم وغيرها في "مصر" و"لبنان" لما قدم

وعن رحلته في عالم المخطوطات، أضاف: «حين يغوص الشخص في عالم التراث المخطوط والمطبوع يتمنى لو أنه اجتمع بهؤلاء العلماء الأفذاذ وعاش في عصرهم، فهم من بنوا حضارتنا الفكرية والعلمية والثقافية، ففي دراستي الجامعية أعددت حلقة بحث عن "عروة بن الحزام" وأخرى عن "علية بنت المهدي"، وراودتني فكرة البحث عن ديوان لكل منهما، وظفرت بثلاثة مخطوطات لديوان "عروة"، لكنني لم أجد لـ"علية بنت المهدي" ديوانها المخطوط الذي ذكره "ابن النديم" في فهرسه، فقلبت معظم كتب التراث، وجمعت أشعارها، لكن كيف السبيل إلى خوض أول تجربة في النشر.

ديوان علية بنت المهدي

وعندما سافرت إلى "بيروت" لنيل درجة الماجستير تعرّفت إلى زميلة في الدارسات العليا، "غريد الشيخ محمد"، وقد أخبرتني حينئذ أنها قد ألفت بعض الكتب التي تتحدث عن بعض أعلام الأدب العربي، وشجعتني للذهاب معها إلى دار النشر التي تنشر فيه، وكانت هناك بداية ولوجي في عالم النشر، إذ عرض علي صاحب الدار آنذاك تحقيق كتاب "عمدة الحفاظ" لـ"السمين الحلبي"، وطبع الكتاب في أربعة أجزاء عام 1996.

واستهواني العمل في تحقيق المخطوطات، فغصت في عالمه، ومازلت حتى الآن، على الرغم من الصعوبات التي تعترض مسيري، ومنها صعوبة قراءة المخطوط لسوء خط الناسخ، ولا سيما إذا كان المخطوط يتيماً وفريداً، وأيضاً عدم التمكن من تأمين بعض نسخ المخطوط للكتاب الواحد، والصعوبة الأكبر تكمن في البحث عن دار نشر يتبنى ما يتم تحقيقه».

شرح ابن الناظم لألفية ابن مالك

وعن أهم أعماله في التحقيق، قال: «كان لي في التحقيق مجالات متنوعة في رحاب علوم اللغة العربية وآدابها؛ ففي مجال النحو حققت شرح "ابن الناظم" لـ"ألفية ابن مالك"، وشرح التصريح لـ"خالد الأزهري"، و"المقاصد النحوية" لـ"بدر الدين العيني"، وغيرها. أما في مجال اللغة، فهناك "الفروق اللغوية" لـ"أبي هلال العسكري"، الذي أعيدت طباعته 12 مرة، و"الاقتضاب" لـ"ابن السيد البطليوسي"، و"أساس البلاغة" لـ"الزمخشري". وفي مجال الشعر، ديوان "عبلة بنت المهدي والحلاج ومنجك باشا"، وفي مجال تفسير القرآن حققت "عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ" لـ"السمين الحلبي"، وتفسير "التستري"، وغيرهما.

وهناك عدة أعمال قيد التحقيق تدور في خلدي وتنتظر النور والنشر، ومنها مخطوط ديوان "محمد أمين المحبي"، أحد أعلام القرن الحادي عشر الهجري ومؤلف كتاب "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر"، الذي اعتمدت في إنجازه على ثلاث نسخ خطية، إحداها في مكتبة "الأسد" بـ"دمشق"، والثانية في مكتبة "تيمور" في "القاهرة"، والثالثة في مكتبة "برلين الوطنية"، والمخطوط الثاني هو شرح "الكافية" لـ"العصام الإسفرائيني" من علماء القرن العاشر الهجري، وهذا المخطوط أحققه بمشاركة الدكتور "عبد الهادي منصور"، الذي حققت أيضاً بمشاركته كتاب "موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب"، وسينشر قريباً».

عنه قال الدكتور "عبد الهادي منصور": «عرفت "باسل" منذ زمن بعيد، وكان مثالاً للأخوة الصادقة والعلم النضيد، فهو وإن غلب عليه مجال تحقيق المخطوطات والبحث في أرجاء التراث العربي، إلا أنه عالم فذّ فاق معاصريه بدقة أبحاثه ومناظرته، فخلف عينيه كلمات يلتمسها من عاش معه ورافقه، فكنت إذا سألته سؤالاً أجاب غير متردد، وكان الجواب في ذهنه، وهو رجل كريم لا يردّ سائلاً، له العديد من الكتب التي أفاد الجميع بها، ودرسوها وقاموا بتدريسها، وعملت الكثير من وكالات النشر على نشرها وتوزيعها، كتبه التي عمل بها كانت مثالاً للدقة والتدقيق، الذي ما كان ليتركه لأي سبب كان، تشكّرته الشبكة العنكبوتية التي تعرض مخطوطات كاملة لعدة مكتبات من العالم وغيرها في "مصر" و"لبنان" لما قدم».

الجدير بالذكر، أن المحقق "محمد باسل عيون السود" من مواليد "دمشق" عام 1962، وهو محاضر لمادة اللغة العربية في كليتي التربية والشريعة بجامعة "دمشق".