تحمل أعمال الدكتور "سمير رحمة" رؤيته الفنية المبنية على أساس فكرة تحاكي الجانب الإنساني أو المعنوي؛ وفق فلسفة خاصة به يُحمّلها مضموناً إنسانياً بإطار طرح فني معاصر، معتمداً أسلوب السهل الممتنع في إنجاز منحوتاته.

الملخص: تحمل أعمال الدكتور "سمير رحمة" رؤيته الفنية المبنية على أساس فكرة تحاكي الجانب الإنساني أو المعنوي؛ وفق فلسفة خاصة به يُحمّلها مضموناً إنسانياً بإطار طرح فني معاصر، معتمداً أسلوب السهل الممتنع في إنجاز منحوتاته.

كانت البداية مذ كنت في المرحلة الابتدائية التي لم أكن أدركها، واتضح لي فيما بعد أن المناخ الاجتماعي والبيئي والعائلي مثَّل الحضن الدافئ لنمو بذرة الموهبة، والمحفز الأول لتجربتي بالنحت، حيث لعبت التشكيلات الطبيعية لمنطقة "يبرود" -حيث ولدت- بما تحويها من آثار وكهوف دوراً في غنى بصري وفني، وعلى ما يبدو أن الوقت الذي كنت أقضيه مع جدي وبعده والدي في مشغل النجارة كان حافزاً أيضاً في التحول إلى النحت، حيث كنت أتحين الفرصة للحصول على بعض أدوات الحفر سرّاً للنحت على القطع الحجرية في حديقة المنزل، وفي مرحلة لاحقة كان لأستاذ الرسم في المدرسة دور في تشجيعي، ودخولي كلية الفنون الجميلة بعد نيلي الشهادة الثانوية

"النحت فنّ معماري قائم بذاته ولذاته؛ يعتمد أسساً مدروسة وواعية؛ مخلوق متكامل بين الشكل والمضمون؛ انعكاس لتكامل العقل مع الإحساس". هكذا يُعرّف الدكتور "سمير رحمة" النحت لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 20 أيار 2017، وعن بدايته بفن النحت يقول: «كانت البداية مذ كنت في المرحلة الابتدائية التي لم أكن أدركها، واتضح لي فيما بعد أن المناخ الاجتماعي والبيئي والعائلي مثَّل الحضن الدافئ لنمو بذرة الموهبة، والمحفز الأول لتجربتي بالنحت، حيث لعبت التشكيلات الطبيعية لمنطقة "يبرود" -حيث ولدت- بما تحويها من آثار وكهوف دوراً في غنى بصري وفني، وعلى ما يبدو أن الوقت الذي كنت أقضيه مع جدي وبعده والدي في مشغل النجارة كان حافزاً أيضاً في التحول إلى النحت، حيث كنت أتحين الفرصة للحصول على بعض أدوات الحفر سرّاً للنحت على القطع الحجرية في حديقة المنزل، وفي مرحلة لاحقة كان لأستاذ الرسم في المدرسة دور في تشجيعي، ودخولي كلية الفنون الجميلة بعد نيلي الشهادة الثانوية».

"انبثاق" تمثال يتوسط حديقة تشرين؛ أحد أعماله النحتية

وعن مراحل تطور أسلوبه في النحت، وخصوصيته في التشكيل النحتي، يضيف: «اخترت دراسة النحت لما له من خصوصية، وتحديداً لاعتماده حاسة اللمس لتشكيل حالة ثلاثية الأبعاد في الفراغ، وأثناء دراستي في قسم النحت حصلت من أستاذي على الكثير من الرؤى والأفكار كانت السبب في تنشئتي بعض الشيء، ومحفزاً للبحث عن رؤية ومفهوم يخصني؛ وهذا ما سعيت إليه بعد التخرج، حيث نلت المرتبة الأولى، وعُيّنت معيداً في الكلية، وإثرها تمّ إيفادي لإكمال دراستي في "مصر"؛ وهذا سمح لي بالاطلاع على الكثير مما يخص فن النحت من الفرعوني إلى "محمود مختار"، ثم المصري الحديث، إلى الأوروبي المعاصر؛ وهو ما كوّن لي أرضية ومخزوناً انطلقت به للبحث عن الخصوصية والفردية المطلقة، وتجلى ذلك بتركيزي على النحت الخزفي الذي كان بحثي لنيل شهادة الدكتوراة، كما أنه من الطبيعي أن يكون لكل فنان طابعه الشخصي وأسلوبه الخاص؛ ففي أعمالي أبحث عن هوية شخصية تروقني تعكس الإرث الحضاري والثقافي والإنساني بإطار طرح معاصر، معتمداً أسلوب البناء المترابط والخطوط الصريحة والسطوح الواسعة؛ وهو أسلوب يمكن وصفه بالسهل الممتنع من أجل السماح للمضمون بالبوح والتعبير للوصول إلى المتذوق؛ وهو ما يتطلب تأملاً وحواراً بيني وبين العمل والمتلقي الذي أعدّه جزءاً من أي عمل فني أنجزه».

وعن أهم أعماله النحتية ومشروعه الخاص بالنحت، يتابع قائلاً: «لكل عمل حالته الإبداعية المميزة، وكل عمل هو تجربة جديدة من حيث التكوين كحالة وجدانية يعيشها الفنان، أسعى دوماً إلى الربط بين المنحوتة والبيئة، وهنا يطيب لي إلقاء الضوء على عمل نصبي نفذته عام 2015، وهو تمثال "سيدة السلام"؛ وهو موجود في كنيسة "السيدة" في "يبرود"، فقد استنهضت في هذه التجربة كامل إمكانياتي الفنية والابداعية لإنجازه، حيث بلغ ارتفاعه 7 أمتار من دون القاعدة، وصُنّف على أنه أضخم عمل في "سورية" وربما في المنطقة، كما أن لدي طموحاً كبيراً بالتوصل إلى صيغة بالتعبير النحتي تستطيع الوصول إلى جميع شرائح المجتمع، وفي الوقت نفسه تتمتع بالأصالة المعاصرة، وهذا المشروع يرتبط بمشروع آخر أكثر أهمية وشمولية يكمن ببناء جيل مثقف فنياً مستوياته الفنية عالية؛ وهذا ما أعمل عليه في قسم النحت بكلية الفنون الجميلة، إضافة إلى مشروع ثقافي بالتعاون مع الفنانة "أمل الزيات"، حيث بدأنا منذ عشر سنوات بتأسيس مرسم يهتم بالمواهب الفنية من مختلف الأعمار يعمل على تطوير موهبتهم بطريقة أكاديمية؛ لرفد كلية الفنون الجميلة بجيل متميز جاهز للدخول في عالم الخلق والإبداع».

تمثال السيدة في يبرود

بدوره الفنان التشكيلي "فؤاد دحدوح" يحدثنا عن تجربة "رحمة" النحتية قائلاً: «بحنكة ومعرفة تتناغم أعمال الدكتور "سمير" مع خصائص النحت المصري. ما اكتسبه من خبرة أثناء دراسته في "مصر"، جعله متمرداً بطريقة متقدمة في عملية الاختزال والتلخيص بأداء حاسم يعطي قراره في الكتلة والفراغ، فقد خاض تجارب عدة في النحت الميداني، وأظهر أسراره التعبيرية بمهارة فائقة في منحوتاته، ولا سيما في عمله "العذراء والطفل"، الذي جعل من مقامه التصوفي درجة أولى، مع خصوصية مطلقة في رزانة التكوين، معتمداً على التجانس بين الخامات وأنسجتها، تساوى ذلك مع ما قدمه في النحت الجداري والميدالية على وجه الخصوص؛ وهي أعمال لامست في مواضيعها الميثولوجيا والتاريخ، كعملة "زنوبيا" التي ضاهت ما تم تنفيذه في الأسواق العالمية».

يذكر أنّ الدكتور "سمير رحمة" من مواليد "يبرود" عام 1969، رئيس قسم النحت الميداني في كلية الفنون الجميلة، نائب عميد الكلية للشؤون العلمية، حاصل على الماجستير والدكتوراة من "مصر"، عضو في اتحاد الفنون الجميلة، مشارك دائم في معارض وزارة الثقافة، له العديد من المشاركات الفردية والجماعية في "مصر"، حائز على العديد من الجوائز وشهادات التقدير، قام بتنفيذ عدد من الميداليات؛ أهمها الأونصة الذهبية السورية التي تمّ اعتمادها في سوق الذهب.

ميدالية للشاعر نزار قباني من أعماله