لم تترك الصيدلانية "أسمهان حلواني" مجال عملها الإنساني يطغى على مواهبها في الفن والكتابة، فاعتبرت معرفة الذات أساساً للإبداع الإنساني، والموهبة وليدة الروح، حيث راحت توقظ عوالمها بإبداع وتمكّن، لتوازن بين الواقع العملي وهذيانات الإبداع الفني.

مدونة وطن "eSyria"، وبتاريخ 11 آذار 2017، التقت "أسمهان حلواني" لتتحدث عن بداياتها ومهنتها، وتقول: «أبصرت عيناي النور في "الكويت"، وتابعت فيها دراستي حتى المرحلة الثانوية، وبدأت مشاركاتي الأدبية بمجال الشعر، إلى جانب مشاركاتي الإعلامية، فقد كنت مشرفة على الإذاعة المدرسية وبرامجها اليومية، وأنا الطالبة الوحيدة التي كانت تملأ وجه مقعدها برسومات قلم الرصاص، وتسارع لتمحو قطعة من روحها كل مرة عند اقتراب خطوات موجهة التفتيش. عدتُ لمتابعة دراستي الجامعية في بلدي "سورية"، وكان اختياري لفرع الصيدلة؛ لأنها كما الطب والفروع المشابهة تلامسُ فينا الجانب الإنساني، كان يجذبني دوماً سحر التعامل مع شريحة رقيقة بسبب الضعف الصحي والحاجة إلى المساعدة، وتنامى هذا الجذب حتى تضافر مع الكيمياء التي أخذتني بطقوس معادلاتها ودنيا نتائجها. ومهنة الصيدلة شديدة الحساسية؛ فالصيدلاني شخصٌ مسؤول علمياً، ولا بد أن يتمتع بدراية كافية، وأمانة علمية، وأخلاق مهنية عالية تسمو بموقعه كي لا يكون تاجراً وحسب، وهو فني بالتعامل، وقادر بفنه على إقناع المريض بالشفاء حين يستقبله بطريقة لائقة وودّية، ويمنحه جرعة الأمل والثقة قبل أن يعطيه الدواء، فالمهنة تتطلب جهداً ووقتاً كبيرين، نظراً إلى عدد ساعات الدوام الطويلة والالتزام. ومفارقات المهنة كثيرة، من أجملها الناجمة عن كوني أمّاً ملتزمة بأطفالها؛ وهو ما جعلها أكثر تعباً ومتعة وإثارة، خاصة بعد أن رزقت بتوأم كانا بصحبتي ويقضيان وقتاً على واجهة الصيدلية حتى كان يظن بعضهم أنهما دميتان. أما الآن وفي ظل الظروف الراهنة لبلدنا، أصبحت مفارقاتنا مضحكة مبكية في امتصاص غضب ودهشة المواطن لفقدان الأدوية القسري، وارتفاع الأسعار الخيالي».

كانت لي عدة مشاركات ضمن فعاليات "اتحاد الكتاب العرب" فرع "دمشق"، و"اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين"، إلى جانب مشاركاتي في المراكز الثقافية "العراقي، العدوي، جرمانا"، وغيرها. كما تمت استضافتي لعدة لقاءات أهلية، مثل ملتقى "يامال الشام، كلمات"

لم تقتصر حياتها على ممارسة مهنة الصيدلة، فلديها هوايات متعددة، وعنها تضيف: «الرسم شغفي الأول، وبدأ منذ أن تعلمت أصابعي الإمساك بالقلم، وليست ذاكرتي فقط من تحمل ما رسمه قلمي الطفولي، بل صندوقي الشخصي وجدران منزلي التي أعلق عليها بعض مفاتيح السرّ التي تنبأت بخروج المكنون في قلب طفولة ما زالت تكبر في داخلي، حتى غدت عملاقة الهذيان.

خلال إحدى مشاركاتها الأدبية

كان لأسرتي دورٌ كبيرٌ في تنمية طاقاتي الفكرية، وبهذا أصبحت رصيداً ومخزوناً لتأسيس حياة ناجحة بكل انشغالاتها، ولأن الرسم مداد روح؛ فأغلب الأحيان لا يكون هناك موضوع محدد عند البدء به؛ فيأخذني الهذيان وتطغى على مواضيع لوحاتي الأنثى التي تكاد لا تخلو منها لوحة بكل هواجسها وانفعالاتها ومعاناتها وعلاقتها بالمحيط، وتتنوع ألواني بين المائية والزيتية والإكروليك وقلم الرصاص. في السابق كانت تجذبني التفاصيل والواقعية التي كانت تبهرني بجمالية العمل ودقته، لكن شيئاً فشيئاً بدأت أميل إلى الرسم التعبيري والسريالي، ومعظم الأحيان تكون لوحاتي مزيجاً من المدارس معاً، حتى قيل إنني ابتكرت عالمي الخاص ونمطي المتفرد. لم أتأثر بفنان معين، بل هناك الكثيرون ممن أثّروا بالذائقة الفنية والتجربة اللونية لديّ. أعتز بكل خربشاتي مهما كانت بسيطة، ومن خلال رسوماتي أرغب بإيصال رسالتي، وهي أن الفن رسالة سامية؛ أهم أهدافي فيها ملامسة الذات البشرية، وتلوين الروح الكلي بلون المحبة الكبرى، ذلك التجلي الأنثوي قد تعجز عنه الكلمات، لكن تبرع فيه الريشة لأبعد مدى».

وتتابع عن أهم مشاركاتها ومعارضها: «كان معرضي الأول الذي أعتزّ به للوحات بقلم الرصاص، عرضته على جدران عيادة أخي في "إيطاليا"، وقد استقطب الحضور بطريقة رائعة مع بساطته، وشاركت بمعرض الفنانين التشكيليين بـ"ريف دمشق" ضمن فعاليات المركز الثقافي بـ"جرمانا"، كما عُرضت لوحاتي بمبنى "اتحاد الكتاب العرب" فرع "دمشق" مرافقة الفعاليات الأدبية التي يقوم بها، وآمل بمشاريعي المستقبلية أن يرافق معرض خاص بي حفل توقيع ديواني الأول والثاني بمجرد ظهورهما للنور بعد الطباعة».

لوحة غلاف من رسمها

وللكتابة حصة من هواياتها، عنها تقول: «كانت بدايتي في الكتابة منذ المرحلة الدراسية، لكنها تبلورت في أيام الدراسة الجامعية، وكانت نصوصي ضمن ملخصاتي الجامعية، لكنني لم أكن أفكر في نشرها أو إظهارها للعلن، لكن للفكرة جسداً ينزلق على ربوات ناعمة لتصلك مندفعة وفارضة نفسها لتعانق الكتابة. كان للمحيط الذي كنت آخذ برأيه سبباً في دفعي إلى النشر، وللصداقات الرائعة الأدبية والنقدية دورٌ كبيرٌ كذلك، فكان ديواني الأول "ذاكرة الأرواح" وليد ذاتي الإنسانية، وتعريفاً بفلسفتي الفردية، هو نزيف النور في وريد أخضر، ومطر بوح لحظة انهمار، هو لا يخضع لقانون أو قالب أو وزن، بل جاء حُرّاً تنطلق بدايته من الجهات الأربع للروح، وتدخل في زمن آخر. العناوين متعددة والتساؤلات مطروحة في نصوص لا تنتظر إجابة، بل إطلاق العنان لخيال مترف بالدهشة».

عن مشاركاتها الأدبية، تقول: «كانت لي عدة مشاركات ضمن فعاليات "اتحاد الكتاب العرب" فرع "دمشق"، و"اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين"، إلى جانب مشاركاتي في المراكز الثقافية "العراقي، العدوي، جرمانا"، وغيرها. كما تمت استضافتي لعدة لقاءات أهلية، مثل ملتقى "يامال الشام، كلمات"».

د. باسلة الحلو

وعن دور الموهبة وضرورة رعايتها، تضيف: «أعتبر أن معرفة الذات أساس الإبداع، فيما لو توفرت المفاتيح والأدوات لإخراج المنهج الفكري، الموهبة حجر الأساس، وهي وليدة الروح من دونها قد تتقن صنعة الفن أو الشعر، لكنها تبقى حالة غير مكتملة تماماً كجسد فائق الجمال، لكنه يفتقد جاذبية الإدهاش والروح التي تشعله حرارة، لا تكفي الموهبة فقط لحل أحجية المدى الفني والأدبي، بل لا بد من الصقل التجريبي والمشاهدة البصرية والقراءة الدائمة، والإصغاء لتطوير الحالة الإبداعية، وقد لا يكون هذا أكاديمياً تماماً، الفن والأدب لا يمكن أن نعدّهما صنعة، بل حالة من الوحي تتفتق عن هاجس غير واعٍ، ووهم لذيذ فياض».

عنها قال الأديب "خليفة عموري": «لها حرف مميز وكثير الدلالة، ولنصوصها صفة التأويل والعمق المؤدي إلى حالة وجودية ترتقي إلى حالة السمو والترفع بالأفكار. ومع أنها أنثى، إلا أنها لا تعير حواسها غواية لكونها أنثى لجسد، بل دائماً تبحثُ عبر التأمل والاستقراء في طبيعة الحياة وفلك الذات وعلاقتها مع المحيط والخالق، واللوحة عندها ذات ميزة، فنراها تتجسد كأنثى الخصب، ولا تعتمد مدرسة بعينها؛ فنراها بطريقتها الخاصة تنحو باتجاه أن تكون مغايرة بريشتها، ولا تشبه أحداً».

الصيدلانية "باسلة الحلو"، تقول: «تدرّبتُ على يديها عند تخرجي في كلية الصيدلة، لم تبخل عليّ بأيّ معلومة علمية كانت أو اجتماعية أو إنسانية، أخذتُ منها الكثير من طرائق المعاملة الإنسانية مع المرضى، لقد فضلت الجانب الإنساني للمهنة على الجانب المادي، ثروتها محبة المرضى وطيب الذكر، تعلّمتُ منها المطالعة وتجميل الحروف في الكتابة والكلام».

يذكر أنّ "أسمهان الحلواني" من مواليد 1 آب 1972.