اختلف عن غيره من الحرفيّين؛ فأبدع بإدخال العديد من الابتكارات إلى المعدن والخشب والنحاس والزجاج، ولقّب بشيخ كار الأعمال اليدوية والفنية والتشكيلية. تعلّم الحرفة وهو طفل، فاحتواها وطوّعها لتتماشى مع روح العصر، وضمن استمرارها، ولا يتوانى عن تعليمها لأي طفل.

مدونة وطن "eSyria" التقت الحرفيّ "عدنان تنبكجي" في محلّه بتاريخ 24 تشرين الأول 2016، فحدّثنا قائلاً: «كان والدي يصحبني إلى ورشة جدّي الملقّب بشيخ الكار الدرويش "عبدالله تنبكجي"، الذي كان يجيد حرفتين؛ حرفة النقش على النحاس، التي تحتاج إلى دقة وإبداع، ويقتنيه من لديه القدرة المادية الكافية؛ فالنحاس معدن ثمين، ويعامل معاملة الذهب، ومع الزمن يزداد سعره. وحرفة "السمكرة"؛ أي النقش على المعدن الخفيف "التنك"، الذي يحتاج إلى مهارة بالصنع، وذلك لإرضاء الزبون الذي لا يملك المال الكافي لشراء القطع النحاسية. صحيح أن "التنك" لا يمكن أن يضاهي النحاس، من حيث جودة المنتج وجماله، إلا أنه يفي بالغرض؛ ولهذا لقب بـ"الدرويش"؛ لأنه كان يبيع الفقراء، وكان يحبه الغني والفقير. كان يضع أمام محلّه علب التنك المقلوبة وفوقها قطع قماشية، حتى يجلس الزبون ويراقب النقش بالمطرقة والإزميل، ويقول دائماً: "النحاس معدن حنون، وإن أعطيته من وقتك وحضنته بيديك، فإنه سيتفاعل معك ويعطيك"، وأحياناً كثيرة كان يجتمع الأطفال أمام المحل ويسألون عما تعنيه الزخارف الموجودة على القطع النحاسية».

حصل على لقب "شيخ كار الأعمال الفنية والتشكيلية"؛ لقدرته على التميز بأكثر من مجال فني؛ فمنتجاته تميزت بالنوعية والكمية والأفكار الجديدة؛ فهو فنّان مبدع وشامل، ومجتهد في عمله، حيث حوّل المنتج القديم إلى جديد، وبذلك أحيا الحرفة من جديد ومنعها من الاندثار، وله ابتكارات فنية وإضافات جديدة إلى معظم الأعمال الفنية من منحوتات ومجسمات صغيرة، وأيقونات وآيات قرآنية على النحاس أو الزجاج أو من القصب والفوانيس، إضافة إلى الثريات الجدارية والمعلقة، كما أنه فنان نشيط له بصمة في أغلب المعارض الداخلية والخارجية، وذلك للتعريف بالهوية والمنتج التراثي السوري، ولديه صبر طويل؛ فله مشاركات بيضاء في تعليم وترغيب الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة بتعلّم الحرفة

يتابع: «كنت أحزن إن حُرمت من زيارة جدّي لعدم اجتهادي في دروسي، وكنت أظنّ وأنا طفل أن جدّي ساحر، حيث كنت أندهش كيف كان يصهر النحاس ويطيعه ليتفاعل معه بالشكل الذي يريده، ثم ينقش عليه بمنتهى الدقة والإتقان، وفي نهاية زيارتي الأسبوعية له كان يخرج "الصرّة" القماشية الطويلة من جيبه ويعطيني فرنكين، فكنت أفرح من معاملته اللطيفة التي علمتني لاحقاً كيف أكسب الزبون، مع العلم أنني عملت دورة تسويق، إلا أنني ما زلت أستفيد من ملاحظات جدّي؛ فالصدق في التعامل والإخلاص أهمّ من جودة وجمال المنتج. يعدّ الجزء الأول من حياتي كالمنظار، حيث خزنت في ذاكرتي الطريقة في العمل وبأدق التفاصيل، ومن كثرة إعجابي به أتقنت رنته الموسيقية على الأطباق النحاسية، وفي المرحلة الإعدادية وخاصة في العطلة الصيفية كنت أرافقه في زياراته إلى الورشات وسوق النحاسين، فلم تكن هناك معاهد لتعلّم اللغات أو ما شابه ذلك، وكانت زيارة "سوق النحاسين" بالنسبة لي يوماً ترفيهياً، فما إن يدخل جدّي السوق حتى تبدأ أصوت الطرق الحنون تعزف على الأطباق النحاسية للترحيب بالقادم الجديد».

إحدى الصحف الفرنسية التي تحدثت عن جدّة "عبدالله تنبكجي" منذ 90 عاماً

يتابع: «بعمر العشرين عملت بالثريات والفوانيس الدمشقية و"الأباليك" الجانبية، لكن لاحظت عدم الاهتمام من قبل الشباب والصبايا بالقطع النحاسية التراثية ذات الطراز القديم، مع العلم أن هذه القطع المتوارثة غنية وواضحة المعالم، لكن هناك من يقول إنها (دقّة قديمة)، ولا تتناسب مع الطراز العصري للبيت، فكان لا بدّ من جذبهم؛ فهناك مهن كثيرة اندثرت وأصبحت ذكرى، وبدأت مرحلة عصرنة التراث، أدخلت أشكالاً غريبة وجديدة من وحي أفكاري، وجدّدت بالألوان، وتفنّنت بالزخارف والرسومات مع المحافظة على روح التراث، فأنا عاشق له؛ فأكون بذلك حافظت على المنتج التراثي لكن بطابع عصري، واجتهدت باكتشاف 12 لوناً، فلم يعد المنتج مقتصراً على اللون النحاسي؛ فهناك البلاتيني والفضي والبرونزي بدرجاتهم وبتعتيق أو من دون تعتيق، ثم بدأت تلبيس القطع النحاسية من ثريات معلقة وسقفية وجانبية وبأحجام وأشكال مختلفة، و"أباليك" جانبية بماء الذهب، كما أنني أدخلت الكريستال الملون، لكن أجمله اللون الشفاف، الذي يعطي انعكاسات جميلة مع النحاس، ولاقى إعجاب الزبون، وأدخلت القماش المطبّع والملون إلى "اللمباديرات"، فالناس أصبحوا يشترون القطع النحاسية القيّمة، لكن بهوية وبصمة تراثية وعصرية، وفي سنة 1991 افتتحت محلّاً بدولة "الكويت" لتسويق منتجاتي، التي كنت أصنعها في "سورية" وأبيعها هناك، والتي كانت تحاكي التراث بالفكرة أو بالشكل والمضمون، وحينئذ ابتكرت العديد من القطع التي لاقت رواجاً من قبل الزبائن، فأدخلت الجلد والقماش والكريستال إلى المنتجات المنزلية العصرية، كالصواني والشموع والتحف الفنية، ودخلت بمجال الديكور بعد أن التحقت بدورة تدريبية في الكويت، وتفنّنت بالخشب الذي يعطي طاقة إيجابية وحنونة كالنحاس، ورسمت على الزجاج، إضافة إلى محافظتي على مهنتي الأساسية في مجال نقش النحاس».

الحب الذي يحمله هذا الإنسان في قلبه لكل الناس لا يوصف ولا يمكن أن يقدّر؛ فهو إنسان يعمل بكل طاقته ويعطي من كل قلبه، يتميز بأنه شيخ كار الفنون اليدوية ومن فئة الشباب؛ هكذا وصفته الأديبة والكاتبة "سوسن رجب"، وتقول: «هو فنان مبدع وشامل، يعمل بصدق ويقدّم المنتج الأصيل. تعرّفته بمهرجان "أعلن الحب لدمشق"، ولاحظت صبره وفرحته بلقاء الأطفال قبل الكبار، وحينئذ استغربت، وبدّد استغرابي حين علمت أنه تعلّم من جدّه أن يولي الاهتمام بالطفل، فقد تعلّم الحرفة وهو طفل، ولهذا يأمل أن يترك انطباعاً إيجابياً لديهم. وبما أنني معدّة برنامج "نقرأ - نفكر - نتحاور" الموجه إلى الأطفال واليافعين لتعزيز وتنمية المهارات الشخصية لديهم، ولأنه من الشخصيات الصادقة والناجحة، فقد استضفته في برنامجي؛ فالهدف ليس تعليم الأطفال وتعريفهم بحرفة النقش على النحاس وكيفية المحافظة عليها وتطويرها، إنما أيضاً لتكريس قيمة الانتماء إلى الوطن من خلال نقل الخبرات، والقيم الإيجابية ستظهر في نفس الطفل مستقبلاً. علّم الأطفال كيفية تصميم عدد من القطع الفنية والتشكيلية، ومن مواد مهملة، وأحضر الأدوات اللازمة من لاصق وأوراق وخشب ومواد أخرى معه، وفي نهاية الورشة قدّم لهم هدايا تذكارية تجسّد معالم "سورية" الجميلة».

شهادة امتياز من الصين

الحرفيّ "خلدون المسوتي"، قال: «حصل على لقب "شيخ كار الأعمال الفنية والتشكيلية"؛ لقدرته على التميز بأكثر من مجال فني؛ فمنتجاته تميزت بالنوعية والكمية والأفكار الجديدة؛ فهو فنّان مبدع وشامل، ومجتهد في عمله، حيث حوّل المنتج القديم إلى جديد، وبذلك أحيا الحرفة من جديد ومنعها من الاندثار، وله ابتكارات فنية وإضافات جديدة إلى معظم الأعمال الفنية من منحوتات ومجسمات صغيرة، وأيقونات وآيات قرآنية على النحاس أو الزجاج أو من القصب والفوانيس، إضافة إلى الثريات الجدارية والمعلقة، كما أنه فنان نشيط له بصمة في أغلب المعارض الداخلية والخارجية، وذلك للتعريف بالهوية والمنتج التراثي السوري، ولديه صبر طويل؛ فله مشاركات بيضاء في تعليم وترغيب الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة بتعلّم الحرفة».

يذكر أن "عدنان تنبكجي" من مواليد مدينة "دمشق"، عام 1966، وتابع دراسته بدولة "الكويت" في مجال الديكور والتسويق، حائز على عدد من شهادات التقدير والتكريم في مهرجانات محلية وعربية.

إبداعه بالأعمال اليدوية والفنية