حافظ "أنطون مزنر" على حرفة "البروكار" وطوّرها من خلال دمج التقانة بالصناعة اليدوية؛ وهو ما يحقق توفير الوقت وسرعة إنجاز القماش بالدقة والجودة والقدرة على المنافسة، واعتمد الصبر الطويل لمحاولة الاستمرار والحفاظ على إرث العائلة.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 20 تشرين الأول 2016، التقت الحرفي "أنطون مزنر" في محلّه الكائن في حيّ "الحريقة"، الذي حدّثنا عن دراسته وبداياته مع الحرفة قائلاً: «عندما كنت صغيراً بدأت أرافق والدي للذهاب معه إلى المعمل، وبدأت أراقب هذه المهنة، وأحببت العمل بها، وكان يلفت نظري طلب السياح لها وإعجابهم وتباهيهم بها، ولظروف عائلية عدت لأتسلم مهنة والدي، وأتابع ما بدأه، بعدما كنت أدرس إدارة أعمال بجامعة "كامبرج" في "إنكلترا"، فبدأت أسجل الطلبات وأتعامل مع الزبائن، وتعلمت كيفية تنفيذ كل من "البرم والسدى والكر من شلة البكر عن قرب"، وأمارس هذه المهنة منذ خمسة عشر عاماً، ومهنة صناعة "البروكار" مرتبطة باسم عائلتي، لكون جدي"أنطون إلياس مزنر" هو من أدخلها إلى "سورية"، عن طريق استجراره لآلة "الجاكار" الفرنسية، وأسّس جدي أول معمل نسيج آلي في "سورية" عام 1890».

هي صناعة نسيجية دمشقية قوامها خيط الحرير وخيط الذهب والفضة، وكانت صناعة البروكار تعتمد على لون أو لونين كحد أقصى، ولكن طوّرناها إلى سبعة ألوان، ومن نول خشب إلى ميكانيكي آلي، ثم إلى نول إلكتروني

وأضاف معرفاً "البروكار" بالقول: «هي صناعة نسيجية دمشقية قوامها خيط الحرير وخيط الذهب والفضة، وكانت صناعة البروكار تعتمد على لون أو لونين كحد أقصى، ولكن طوّرناها إلى سبعة ألوان، ومن نول خشب إلى ميكانيكي آلي، ثم إلى نول إلكتروني».

الحرفي أنطون مزنر

وبالنسبة إلى مراحل تجهيز خيط الحرير، قال: «نستورد الخيط، ثم نبدأ مرحلة إزالة المادة الشمعية منه، ثم مرحلة برم الخيط ليصبح بالثخانة المطلوبة، لأنه إذا لم يبرم لا يكون صالحاً للاستعمال، ثم مرحلة صبغ الخيط حسب اللون المطلوب، ومرحلة "الزوي" لإعطاء الثخانة المطلوبة للخيط، حيث نحضر نوعين أو ثلاثة من الخيوط، وتلف مع بعضها كي تصبح جاهزة للاستخدام حسب الرسمة المراد تطبيقها، مثلاً: إذا كانت الرسمة المطلوبة فيها نقطة أو فيها شيء نريده أن يبرز عن باقي اللوحة المشغولة؛ في هذه الحالة نحتاج إلى ثخانة خيط أكثر عن باقي الرسمة، وهذا يعتمد على الخيط ودرجة ثخانته».

وأضاف شارحاً أهم الصعوبات التي تواجه الحرفة حالياً: «أعتقد أن المشكلة الأهم والأساسية هي تسويق "البروكار"، فلدي القدرة على إنتاج آلاف الأمتار سنوياً، لكني أنتج كمّاً قليلاً لإثبات وجود فقط، واستمرارية اسم العائلة، والمشكلة أن استيراد الخيط بات بالعملة الصعبة بعد أن كان وطنياً؛ وهو ما زاد من تكلفة الإنتاج، والظروف الحالية أدت إلى تراجع السياحة وانعكاس ذلك على بيع المنتج، إضافة إلى صعوبة الحرفة بحدّ ذاتها وما تحتاج إليه من صبر، وعنها قيل العديد من الأمثال: "كار الطاق ما بينطاق"، و"الطاق" هو الخيط؛ وهو دليل على صعوبة العمل بهذه الحرفة، و"يا باني حيط من خيط"، وغيرهما».

التاجر بهاء تكريتي

وعن التطورات التي أدخلها إلى المهنة، أضاف: «أدخلت الخيط المعدني "لامينيت" باللونين الفضي والذهبي، وهذه العملية وسيلة لمواجهة غلاء أسعار الخيوط المصنوعة من الذهب والفضة، وهو الحل الأمثل لتغير لون خيط الفضة مع الزمن وميله إلى الأسود؛ فالخيط المعدني هو خطوة إيجابية للمستهلك لكون المنتج لا يتغير، وكذلك المحافظة على الرسومات التراثية القديمة والتطوير من خلال إضافة رسومات حديثة، لأن الذوق اختلف عبر الزمن، مثل رسمة "صلاح الدين" و"عمر الخيام"، وحالياً تقوم الجهات الرسمية بشراء "البروكار" كهدايا، إضافة إلى المغتربين السوريين».

والتقينا التاجر "بهاء تكريتي" أحد التجار المتعاملين معه، حيث قال: «أعمل بمجال الشرقيات، وأستخدم القماش المصنوع من الحرير، لذلك أشتري قماش "البروكار" من "أنطون مزنر"، فهو من يقوم بتصنيعه، ويتميز بالجودة والتفرد والإتقان، فهو -وعائلته من قبل- يعدّ من شيوخ كار المصلحة، وقد أدخل الكثير من التطورات إليها، إضافة إلى تعامله والتزامه بالوقت المحدد للتسليم، وتربطني معه علاقة صداقة وجوار قديمة».

يذكر أن الحرفي "أنطون مزنر" من مواليد "دمشق"، عام 1981.