يعدّ أحد المهتمين والمتابعين للتراث المادي واللا مادي، ساهم منذ طفولته في متابعة القصص والأمثال الشعبية، وعمل على تدوينها حفاظاً عليها من الاندثار، هو الباحث "محي الدين قرنفلة".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 11 أيار 2016، الباحث "محي الدين قرنفلة" في منزله بضاحية "قدسيا"، وعن بداياته مع التراث الشعبي قال: «منذ صغري وأنا أستمع من جديّ ووالديّ إلى الأمثال الشعبية والروايات الشفهية والحكايات وبعض القصص الاجتماعية خلال جلسات العائلة والسهرات التي كانت غنية بالقصص والأمثال، وكان الجميع مهتمين، وكنا ننتظر الوقت كي نستمع إلى شيء غريب وجديد بالنسبة إلينا، وهذا الاهتمام أخذ مني مأخذه أكثر من غيري، وكما هو معروف فالتعليم من المجالس أهم من تعليم المدارس، فكان أن بدأت أدون كل ما أسمعه وأنا بعمر الرابعة عشرة بدفتر خاص، رافقني لسنوات طويلة حتى أصبحت تلك المواضيع التراثية هاجساً عندي، وكل يوم أستزيد لأملأ جعبتي بشيء جديد حتى وصلت إلى ما أنا عليه اليوم، وكان أن اتجهت خلال حياتي نحو مجال التراث الشعبي حباً بوطني وبيئتي التي عرفتها، ولكل من حولي ممن كنت أستمع إلى أحاديثهم».

هو ما يجري على ألسنة الناس الشعبيين، وما حفظته ذاكرة الشعب، ويحمل التراث في طياته الحكمة، والنصيحة، والهدف التربوي، والابتسامة، أو النقد الاجتماعي بصورة غير مباشرة

ويعرّف التراث اللا مادي بالقول: «هو ما يجري على ألسنة الناس الشعبيين، وما حفظته ذاكرة الشعب، ويحمل التراث في طياته الحكمة، والنصيحة، والهدف التربوي، والابتسامة، أو النقد الاجتماعي بصورة غير مباشرة».

خلال إحدى محاضراته

وعن نشاطاته بهذا المجال يضيف: «تنوعت نشاطاتي بين محاضرات تجاوزت الستين محاضرة قدمت فيها التراث والعلوم الإنسانية وتاريخ بعض المناطق، إضافة إلى نشاطي عبر وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون عبر عدة برامج، أهمها: "حكاية طبخة"، و"قصة مثل"، و"حكاية مكان"، وبرنامج "كنا وصرنا"، و"مسحر رمضان"، و"أهلية بمحلية" الذي يبث منذ سنتين ونصف السنة على أثير "إذاعة دمشق"، وما زال مستمراً حتى الآن».

أما مؤلفاته فيقول عنها: «أول مؤلفاتي كان كتاب "زينة الكلام في دمشق الشام"، وحمل كتابي الثاني اسم "الشخصية الشعبية الدمشقية" ضمنته خلاصة خبرتي، ورصدت فيه كل العادات والتقاليد والمثل الأخلاقية والقيم التي كانت موجودة في المجتمع، لكنه لم يصدر بعد».

الباحث مروان مراد

ويضيف عن خلاصة القصص التي يحتويها تراثنا اللا مادي: «نجد في خلاصة أي قصة أو حكاية أو مثل هدفاً تربوياً نبيلاً يعلم الطفل والناشئ والمراهق، ويعطيه خبرة لأيامه ومستقبله عند تمسكه وحفظه لها، ويكون شاهداً وداعماً لحديثه بين الناس، وهناك النصيحة التي تدرج ضمن قصة أو حكاية وتحفظ بالذاكرة، أيضاً المصطلحات التي يقولها الناس وتستعمل بحياتنا اليومية، لكن لا أحد يعرف حقيقتها وقصتها وعند الاطلاع عليها تزيد من تعلق الناس بها لمعرفتهم أن هذه الأمور هي خلاصة تجربة الآباء والأجداد قدموها لنا كي تحمل لنا كل الفائدة».

ويعلق على اهتمام جيل الشباب بمتابعة أخبار التراث قائلاً: «للأسف إن جيل الشباب اليوم لا يكترث بالتراث المادي أو اللا مادي، بل هو مشغول بما يسمى التواصل الاجتماعي إلا النذر اليسير منهم، ونقوم كباحثين في التراث بتوثيقه وتقديمه عبر وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى الدور الذي تقوم به مديرية التراث بوزارة الثقافة، كما قدمت رسالة ماجستير عن التراث الشعبي، نتمنى من جيل الشباب أن يتفاعل معنا ويحرص على حفظ ما نقدمه بذاكرته ليستفيد منه ويفيد، وليبقى هذا التراث بذاكرة الأجيال وينتقل كما نقل إلينا، فتراثنا الشعبي غني جداً، ومن الضروري أن يتمسك الجيل الجديد به لأنه يمثل الماضي بكل ما فيه من جمالية ومحبة وترابط اجتماعي بين كل مكونات المجتمع».

ويتابع عن أثر وسائل التواصل الاجتماعي في الحفاظ على التراث: «هناك من ينشر بين حين وآخر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأمثال وقصصها، وبعض المرويات التي لا شك يطلع عليها المتابعون، وهي شيء إيجابي، لكن بشرط أن يكون هناك من يهتم ويتابع ويحفظ».

ويضيف عن دور الباحثين والكتاب والجهات المعنية تجاه التراث الشعبي: «نحن كباحثين نوثق ونقدم للجمهور وعبر كل وسائل الإعلام الكثير مما نحصل عليه، ونشرح ونفسر، ونشارك بمؤلفات، وننشر الكثير ونتعاون جميعاً تجاه هدف أعدّه مهمة وطنية، وهو أمانة في أعناقنا كباحثين، هذه رسالتنا في الحياة، وإذا كان هناك من يهتم فنحن جاهزون للتعاون في هذا المجال، وتتابع مديرية التراث بوزارة الثقافة دورها، إضافة إلى نشاط جمعيات المجتمع المدني والمراكز الثقافية التي تهتم وتسعى، لكن أعود للقول إن التراث الشعبي اللا مادي هو ما حوته ذاكرة الشعب، وهذه الذاكرة باقية لكنها تحتاج إلى التنشيط، وتنشيطها مهمة كل أجهزة وزارتي التربية والتعليم العالي، وكل وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، والعمل على تشجيع الباحثين لدفعهم إلى زيادة العمل، وتقديم أعمالهم للجمهور، وإدراج مفهوم التراث ضمن أعمال الدراما التلفزيونية».

وعن رأيه هل نجحت الدراما السورية بإلقاء الضوء على التراث، قال: «بعض الأعمال التي تناولت البيئة الشامية كانت موفقة، والأكثر أساء وابتعد عن الواقع وجافى الحقيقة، وكم تمنينا لو أن كتّاب هذه الأعمال راجعوا أحد الباحثين في التراث الشعبي اللا مادي، واستعانوا بما عندهم لكانت الأعمال ناجحة وموثقة، وفيها مصداقية، لأن هذه الأعمال تنتشر انتشاراً واسعاً عبر الفضائيات، وكان من الأفضل أن يدقق كتابها ليجعلوا من نصوص العمل صادقة، وتحمل توثيقاً من مصادر وأسماء أعلام كان لهم دور وطني واجتماعي يجب أن يذكر».

عنه قال الباحث التاريخي "مروان مراد": «هو واحد من الباحثين المجدين في مجال التراث الأدبي الشعبي، أدى دوراً مهماً في إحيائه والمحافظة عليه، كما قام بمهمة ثقافية واجتماعية كان فيها موجهاً تربوياً، ومصلحاً اجتماعياً، فاستحق عن جدارة لقب "حكواتي الشام" وحارس المثل التربوية المتميز».

وأضاف الإعلامي "مخلص الورار": «يعدّ من الموهوبين الذين اهتموا بالتراث الشعبي، استطاع سبر أغواره بعمق، تعرّفته منذ خمسة عشر عاماً كان يتردد إلى الإذاعة ويحمل نصوصاً ليقدمها لدائرة البرامج والتمثيليات، لفت نظري، استنهضت عنده الهمة لبرنامج إذاعي "أهلية بمحلية"، يملك خامة صوتية شعبية ذكرتني بالقاص "حكمت محسن"، يمتلك ناصية العبارة والتعبير، مجتهد يريد التعلم، أدخلته العام الماضي مجال التمثيل بدور "المسحراتي" خلال شهر رمضان، كان ناجحاً وفاق بموهبته الكثيرين من الممثلين المحترفين، قدم بصمة خاصة ولوناً آخر غير مألوف في مثل هذه الأعمال، شخصية يجب المحافظة عليها وتشجيعها».

يذكر أن الباحث بالتراث "محي الدين قرنفلة" من مواليد حي "الشاغور" الدمشقي 1952، وهو يشغل منصب مدير الموارد البشرية في إحدى الشركات.