شيء دفين اكتشفه عبر الموسيقا؛ جعل للمهندس المعماري "محمد عصام العوف" رؤية خاصة به في العمارة، وكان لهارمونية النسب المتناغمة بتصاميمه دور واضح بجعل مبانيه تتفاعل مع المحيط.

الهندسة المعمارية بالنسبة إليّ هي التعبير الحقيقي عن التكامل بين القيم المختلفة الناتجة عن التراث التاريخي المرتبط بالزمن، وما يميز مهندس عن آخر هو الموهبة والثقافة التي يختزنها في ذاكرته، والإخلاص بكل خط يقوم برسمه، هذا ما بدأ به "العوف" حديثه عندما التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 نيسان 2016، وعن بداياته قال: «في طفولتي وخلال متابعتي لدروس الموسيقا التي كان يتلقاها أخي الأكبر تمكنت من دخول هذا العالم الفريد، وكان للفضول والشغف الدور الرئيس بتعلم العزف على 12 آلة موسيقية. وكنت رائداً على مستوى القطر على آلتي "الترومبيت والناي". إضافة إلى ولعي بالموسيقا كنت أطمح بدخول كلية الطب وبنصيحة من أحد أصدقائي الفنانين الذي قال لي: "العمارة تليق بك"؛ سجلت كلية العمارة رغبتي الثانية، أمضيت السنة الأولى متعباً لتحطم حلمي بدراسة الطب، إلى أن دعاني الدكتور "رضوان طحلاوي" رحمه الله، لأنني حصلت على أعلى علامات في مادة التصميم المعماري، وهنا استعدت توازني وعلمت أنني في مكاني الصحيح.

هناك الكثير من الإرباكات التصميمية في هذه الميادين، والناس هم أول من يدفع الثمن، لهذا أعمل جاهداً على التأثير في التصميم، وتوجيهه إلى معانٍ إيجابية، لجعل زيارة المبنى رحلة ممتعة إلى أقصى حد. على هذا الأساس عند البدء بالتصاميم لا أنسى أن المباني هي مولدات للأحداث ومكثفات مدنية، وعليه أقوم بوضع حلول معمارية مرنة مع فصل الوظائف كي لا تتصادم الأوليات، وتدرس المساحات بعناية لاستقبال أي أحداث خاصة أو أي مفاجآت مستقبلية، مع إعطاء الهواء والضوء أهمية قصوى لكي يتمكن المبنى من الحياة، ويولد التوازن الصحيح ما بين الشكل والوظيفة والعلاقة مع المحيط

عملت على كسب ما يمكن من الخبرة والثقافة لتطوير عملي كمهندس معماري، وفهم ما يمكن للموسيقا أن تقدمه لأتمكن من إيجاد شخصية خاصة في عالم الهندسة المعمارية».

أثناء مناقشة مشروعه الفائز بمسابقة وزارة الزراعة

وعن علاقة الموسيقا بفن العمارة قال: «لكوني موسيقياً هاوياً وأعزف عدة آلات موسيقية؛ ولدت علاقة روحية بين العمل المعماري والموسيقا؛ فهما نتاج أرقى الفنون، وما يربطهما هو العلاقة الصحيحة والمتناغمة للنسب. عند خروج خطوط أي كتلة معمارية عن النسب في الاتجاهات الثلاثة، تكون النتيجة مبنى مضطرباً وغير متوازن ويولد الشعور بالنفور والضجر، وهذا الوصف نلاحظه عند سماع أي جملة موسيقية غير متآلفة الأصوات، وهارمونية النسب لحجوم الكتل في أي مبنى هي سر الوصول إلى عمل معماري متوازن. اعتمدت في عملي مبدأين أساسيين وهما الوظيفة والجمال، لأن فن العمارة هو الروح التي تبث الحياة في المبنى، وتمكنه من التفاعل مع محيطه، وكلما كان العمل عميق الرؤية ودقيق التفاصيل، فرض شخصيته لمدة زمنية غير محدودة».

العمل الجميل يلفت نظره وينظر إليه بعناية لفهم الرسالة التي أرادها المصمم، وعن المعايير الأساسية التي يعتمدها في التصميم قال: «هناك الكثير من الإرباكات التصميمية في هذه الميادين، والناس هم أول من يدفع الثمن، لهذا أعمل جاهداً على التأثير في التصميم، وتوجيهه إلى معانٍ إيجابية، لجعل زيارة المبنى رحلة ممتعة إلى أقصى حد. على هذا الأساس عند البدء بالتصاميم لا أنسى أن المباني هي مولدات للأحداث ومكثفات مدنية، وعليه أقوم بوضع حلول معمارية مرنة مع فصل الوظائف كي لا تتصادم الأوليات، وتدرس المساحات بعناية لاستقبال أي أحداث خاصة أو أي مفاجآت مستقبلية، مع إعطاء الهواء والضوء أهمية قصوى لكي يتمكن المبنى من الحياة، ويولد التوازن الصحيح ما بين الشكل والوظيفة والعلاقة مع المحيط».

مبنى وزارة الزراعة

المسابقات فرصة عظيمة لأي معماري لأنها تعنى بالمباني الضخمة والقابلة للتنفيذ، ويقول: «حققت المركز الأول عام 2013 عن أفضل تصميم لمبنى وزارة الزراعة السورية في منطقة "دوار البيطرة" يضم 3 كتل متطابقة واضحة التأثير تعبر عن المحاصيل الزراعية الاستراتيجية الثلاثة لسورية (قمح، وقطن، وشوندر سكري)، جدار الكتل محزز بشكل مائل انسيابي يحاكي حركة سنابل القمح بتأثير الهواء. يقع المشروع على حدود سور دمشق القديمة؛ وهو ما فرض الكثير من الخطوط الحمراء، لكن التحليل العميق للأرض ودراسة كل ارتباطاتها الثقافية والتاريخية والجغرافية والإنسانية، وحصد ما يمكن من المعلومات المتعلقة بأرض المشروع وبذل كل الجهد لإيجاد الحل الأمثل للفراغات الكثيفة؛ مكن المشروع من الفوز.

وحققت المركز الأول لأفضل تصميم لمبنى مكاتب الاتحاد العام للفلاحين ومديرية زراعة ريف دمشق، وانتهى تنفيذه عام 2010. في "سورية" قمت بتصميم عدة أعمال مختلفة من مستشفيات ومعامل ومجمعات ترفيهية وسكنية، وأعمال كثيرة في مجال الديكور الداخلي، داخل "سورية" وخارجها في "العراق وليبيا ودول الخليج"، كما صممت الديكورات الداخلية لمكاتب شركة الطيران السورية في عدد من المدن الأوروبية، مثل: باريس، وفرانكفورت، ومدريد، وبخارست».

تحكيم أحد مشاريع الطلاب مع الدكتور أحمد عامر جبري

التقينا الدكتور الأستاذ بكلية الهندسة المعمارية "أحمد عامر جبري"، وعن رأيه بتصاميم "العوف" قال: «الهندسة المعمارية هي ثمرة ثقافة تقنية وموهبة ونتاج الخبرة، وهو صاحب خبرة، وبلغة السوق نقول عنه "ابن مهنة"؛ والحس المرهف الذي يمتلكه نجده واضحاً في المشاريع التي يطرحها، أفكاره واضحة وبسيطة ويعمل دائماً بنفسية المجدد والمطور، فلا يقع في حفرة التكرار؛ فهو صاحب شخصية معمارية مثقفة؛ استطاع بمدة وجيزة الاستفادة من النقاط الإيجابية التي يمتلكها لتطوير أدواته، وذلك بتغذية مكتبته الفكرية.

دخل مضمار المسابقات المعمارية ليلقب بالمتسابق الماهر. في آخر مسابقة شارك بها كنت عضو لجنة تحكيم، وحينها حصل مشروعه وبالإجماع من أعضاء اللجنة على أفضل تصميم، مستوفياً كافة الشروط؛ فمشروعه قابل للتنفيذ وواضح وبسيط، والنسب الجمالية عنده مكتملة. تعرفت إلى موهبة جديدة له وهي قدرته على التدريس، إذ استطاع بمدة وجيزة أن يرفع من مستويات الطلاب، مع أن مهنة التدريس ليست سهلة؛ فهي تحتاج إلى مهارة وقدرة لنقل المعلومة بطريقة صحيحة، ويعد من أنجح الأساتذة في الكلية لأنه محبّ ومعطاء».

كما كان لنا لقاء مع "معاذ دعبول" رئيس مجلس إدارة شركة "ديانا" الغذائية؛ التي تعمل في مجال الشوكولا والبسكويت، فحدثنا قائلاً: «قام والدي بتأسيس الشركة في بداية الخمسينيات، وعمل على مواكبة كل جديد في هذا المجال، ومنذ بداية عام 2000 تميزت الشركة، وبناء على ذلك اتسعت دائرة المسؤوليات على المستوى الإقليمي والعالمي، إحداها المكان؛ فبدأت رحلة البحث عن مهندس قادر على تجسيد هذا الحلم من خلال تصميم معماري مميز، إلى أن تعرفنا إلى "العوف" الذي استطاع أن يقدم رؤية لهذا المشروع من زوايا متعددة على المستوى التقني والجمالي والعراقة. بدأ العمل، وفي كل مرحلة من المراحل كان الإعجاب يزداد بعمله الذي تكلل في نهاية المطاف بمشروع جميل فاق ما توقعنا، فمن البديهي التذكير بأن التصاميم الخاصة بالمعامل الغذائية لها شروط صحية صارمة، وقد تمكن من تحقيق كافة المتطلبات الصحية».

يذكر أن "محمد عصام العوف" من مواليد "دمشق" عام 1973، وهو خريج كلية الهندسة المعمارية عام 1998، وقد حقق المركز الأول في عدد من المسابقات المعمارية المهمة.