الرصيد الذي تركه المختار "أبو النّور نور الدين مصطفى بركات" بعد أكثر من ثلاثين عاماً في الخدمة العامة؛ تختصره تلك الصور المعلقة على جدران "مضافته" الواسعة المشرعة أبوابها لاستقبال الضيوف وطالبي الحاجة.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 20 آذار 2016، مضافة "نور الدين بركات"، والتقت ابنه المختار "طلال بركات"؛ الذي تحدث عن مشوار والده الراحل بالقول: «نشأ الوالد وتربى بظل عائلة "بركات"، وهي من العائلات الكبيرة في "جرمانا"، وله من الإخوة "ياسين بركات" الرجل المقدام المعروف بعنفوانه وكرمه، وقد لازمه والدي وتعلّم منه، ونهج نهجه حتى بعد وفاته، وتابع الطريق نفسه، بدأ العمل عام 1947 بالتطوع في سلك الشّرطة وعمل في وزارة الأمن الدّاخلي، وبحكم عمله هذا وحسن خلقه وسلوكه الشّفاف استطاع بناء علاقات طيبة مع جميع الناس بمختلف فئاتهم، وكانت له مكانته عند أصحاب القرار لتكون مدخله إليهم في تحصيل بعض الخدمات العامة، مثل مساعيه التي جَهد بها لتعبيد الطّريق التّرابي المؤدي إلى مقام النّبي "هابيل" في منطقة "الزّبداني"؛ الذي يعدّ قبلة الكثيرين من سيّاح العالم إلى بلدنا».

تلبية حاجة الناس لديه أولوية حاضرة، لا تؤجل عنده ولا تؤخر، وشجاعته تخرج عن إطار "المخترة" وأعمالها وتفرضها حاجات البلدة، فقد كان اعتداده بنفسه حافزه الكبير لطرق كل الأبواب على اختلافها في سبيل تحصيل الحاجات وتحقيق المطالب، من دون أن يسمح لأي عائق يقف في طريقه، أو يؤخره أي حاجز. لقد أرّخ "أبو النور" لذاكرة طيبة في المجتمع على وسعه بصور فوتوغرافية تناولت الحقيقة بكاملها والمشهد بمجمله، منها ما أخذت مكانها معلقةً ضمن إطارات جميلة على جدران "مضافته"، ومنها ما احتفظ بها لتكون أرشيفاً موثقاً لا يستهان به

"أبو عادل عارف منذر" أحد وجهاء مدينة "جرمانا"، تحدث عن الصفات التي ميزت المختار "أبو النّور"، فقال: «منذ بداية الثّمانينيات و"أبو النور" مختار بلدة "جرمانا"، اختاره قومه بكل محبة. واستطاع بما فيه من خصال الرّجال الحميدة، وطيبة قلبه ونيته الحسنة، فرض حضوره المتميز، ولا يمكننا أن ننسى كرمه المُترجم بأفعال وأعمال شاهدة للعيان إلى الآن، أما التّواضع لديه فكان فناً من فنون الكبرياء، أسرته اتسعت لتضم البلدة بأكملها، شاركها أتراحها وأفراحها بلفتات لطيفة. أما مشاركته الواسعة في كل المحافظات، فقد أعطت الحضور القوي لبلدته، وذلك بما لديه من جرأة في الحديث وحسن الكلام بمجالس الرّجال ومضافاتهم، فلا يستقيم الظل إن لم تستقم القامة، فكان أفضل رسول لمجتمعه، ليس ضمن الحدود السورية وحسب، بل تجاوز هذا الإطار إلى ما جاورنا من البلدان كـ"الأردن" و"لبنان"».

أبو عادل عارف منذر

تحدث الدّكتور "تامر كمال قسام" عمّا عمل "أبو النّور" على تعزيزه في مجتمعه من العادات والأعراف، فقال: «كان لهذه الشّخصيّة قوة وصلابة ظهرت بمواقف عدة؛ أبرزها عندما "شوّم" بدم ابنه الذي توفي إثر حادث مع أحد العائلات، أي أسقط حقه بدم ابنه، وكافة ما يترتب عن الحادث، والسّابقة التي تحسب للمختار "أبو النور" هو أنه أقدم على هذه الخطوة قبل أن يوارى ابنه الثّرى خلافاً لما تجري عليه العادات والتّقاليد في هذا المحفل الذي يأتي بعد مراحل عدة، وبجهود ومساعٍ كثيرة من قبل الوجهاء في البلد والمناطق المجاورة، وقد جاء عمله هذا حرصاً منه على تعزيز الرّوابط الاجتماعيّة وتعميقها، وأصبحت هذه الحادثة مضرب المثل حتى هذه الأيام».

ويضيف: «تلبية حاجة الناس لديه أولوية حاضرة، لا تؤجل عنده ولا تؤخر، وشجاعته تخرج عن إطار "المخترة" وأعمالها وتفرضها حاجات البلدة، فقد كان اعتداده بنفسه حافزه الكبير لطرق كل الأبواب على اختلافها في سبيل تحصيل الحاجات وتحقيق المطالب، من دون أن يسمح لأي عائق يقف في طريقه، أو يؤخره أي حاجز. لقد أرّخ "أبو النور" لذاكرة طيبة في المجتمع على وسعه بصور فوتوغرافية تناولت الحقيقة بكاملها والمشهد بمجمله، منها ما أخذت مكانها معلقةً ضمن إطارات جميلة على جدران "مضافته"، ومنها ما احتفظ بها لتكون أرشيفاً موثقاً لا يستهان به».

الدّكتور تامر كمال قسام

ولد "نور الدين مصطفى بركات" عام 1925م، وتوفي عام 2016، وقد عاش حياته محافظاً على مظهر جميل يبث الراحة والطمأننية لمن حوله، ناهيك عن حلاوة الحديث وطرواة الصوت.

"مضافة" المختار أبو النّور