امتلك أدوات مهنته من أربابها الأوائل، وتمتع بحسّ فني ورغبة بالتميز عن أقرانه؛ مكنّاه من ابتكار نقوش وزخارف تفرَّد بإدخالها إلى حرفة "الجلديات"؛ ليستحق بذلك لقب شيخ كار المهنة باعتراف العاملين بها.

مدونة وطن "eSyria" التقت الحرفي "بسام الصيداوي" في مكان عمله في "التكية السليمانية"، بتاريخ 18 تشرين الثاني 2015؛ حيث تحدث عن بدايته بالقول: «كل مهنة لها رأس خيط إن استطاع الحرفي الإمساك به بالطريقة الصحيحة، إضافة إلى وجود البيئة المناسبة يكون الإبداع، وهذا ما حصل معي؛ فقد ولدت في بيت يضج بقطع الجلود، ويعدّ والدي شيخ كار المهنة وهو بدوره أخذها عن والده لأرى نفسي مع إخوتي الستة ضمن هذا المجال، ومنذ البداية أراد أن يعلمني المهنة بعيداً عنه كي لا أطمع بعطفه، فوضعني عند الحرفي "أبو عبد الزيبق" الذي كان يعدّ آنذاك من كبار شيوخ الكار بصناعة الجلد، فكنت أذهب للعمل من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثانية عشرة ليلاً، ولم أكن قد تجاوزت الثانية عشرة من عمري، أذكر أنني كنت أتقاضى حينها 35 قرشاً في الأسبوع، إلى أن أتقنت المهنة».

مهنة صناعة الجلد كأي مهنة تحتاج إلى مقومات تكفل نجاحها واستمرارها، ونحن في عملنا نفضل الجلد المحلي لكونه يصلنا مباشرة وهو ما يكفل بقاء أليافه حية، ويضمن جودة القطعة، وأفضل الأنواع هو جلد الأبقار، والماعز، والجمال، وأحياناً جلد الأفاعي والتماسيح لكنها نادرة وغالية الثمن، كما تعد الدباغة عاملاً مهماً وأساسياً في تحديد جودة الجلد

وتابع: «أراد أبي أن يعيدني إلى حضنه، وكان معروفاً لدى الحرفيين في ذلك الوقت بصناعة "الشواريخ"، و"قباقيب الخشب"، فبدأت العمل معه لأتفرغ بالكامل بعيداً عن مدرستي للعمل بها في أوائل السبعينيات، يومها بدأت من حيث وجدت أبي، لكنني قررت أن أخرج من النمطية بالعمل وتأسيس شيء يميزني عن الآخرين، حيث تمكنت من إدخال الإكسسوار إلى صناعة الجلد وكانت آنذاك نقلة نوعية في عالم الجلديات، وأول ما قمت بصنعه حمالة المفاتيح (البورتكليه) و"الأساور"، وكنت أول من أنزلها إلى السوق لأتحول بعدها إلى صناعة الحقائب والجزادين؛ حيث استطعت الدمج بين الجلد والقماش لإضفاء الطابع الشرقي المحبب لدى معظم النساء، ومواكبة التطور وتلبية حاجة السوق؛ حيث قمت بإدخال النقوش والزخرفة إلى الأحذية الجلدية خصوصاً النسائية والولادية منها، وكنت السباق إلى ذلك، ولم أقف عند هذا الحد، فقد قررت كسر القاعدة في عالم السجاد عندما تمكنت من صنع سجادة بطول 5م، وعرض 4م مصنوعة من الجلد كبديل من السجاد الصوفي مع مجلس كامل، وقد عرضت في معرض دمشق الدولي لأول مرة عام 2005».

إدخال الإكسسوار إلى الجلد

ويضيف قائلاً: «إيماناً بضرورة الحفاظ على التراث السوري الذي تعد حرفة صناعة الجلد من ضمنه، ومن خلال مزاولتي للمهنة لمدة 45 عاماً ساهمت بنشره من خلال المشاركة بعدة معارض داخلية، وخارجية، وكنت أنال في كل منها شهادة تقدير إضافة إلى تعليمها للراغبين، حيث قمت بالتعاون مع كل من مؤسسة "الآغا خان" ووزارة "السياحة" بتعليمها للراغبين في مدينة "السلمية"، إضافة إلى ستين فتاة في كل من ريفي "حلب" و"اللاذقية"».

وعن مقومات المهنة يتابع "الصيداوي" قائلاً: «مهنة صناعة الجلد كأي مهنة تحتاج إلى مقومات تكفل نجاحها واستمرارها، ونحن في عملنا نفضل الجلد المحلي لكونه يصلنا مباشرة وهو ما يكفل بقاء أليافه حية، ويضمن جودة القطعة، وأفضل الأنواع هو جلد الأبقار، والماعز، والجمال، وأحياناً جلد الأفاعي والتماسيح لكنها نادرة وغالية الثمن، كما تعد الدباغة عاملاً مهماً وأساسياً في تحديد جودة الجلد».

بعض أعماله

وعن واقع حال شيخ الكار بين الماضي واليوم يردف "الصيداوي" قائلاً: «هناك اختلاف طرأ على مكانة شيخ الكار، فقديماً كان شيخ الكار مرجعاً ليس فقط في مجال المهنة بل في القضايا الاجتماعية ضمن الحي، وكلمته تسري على ممتهني الحرفة من دون نقاش، لكن اليوم يسمى شيخ كار من حافظ على المهنة لكنه استطاع أن يضيف إليها ويتميز في بعض الأماكن، كما يجب أن يحصل على ثقة الحرفيين التي تأتي من خلال مصداقيته وخبرته، وأن يحكّم ضميره عند الأخذ برأيه في الفصل بين أصحاب المهنة، ويمكنني القول إن العمر ليس عاملاً مهماً في الحصول على لقب شيخ الكار، بل بما استطاع أن يقدم خلال احترافه للمهنة».

الحرفي "حسام محمد خير" الذي تعلم المهنة على يد "الصيداوي" يقول: «أسكن في بيت يجاور ورشته، ومنذ صغري كنت أقضي معظم وقتي أراقبه كيف يعمل، إلى أن قررت تعلم المهنة في الرابعة عشرة من عمري، حيث لجأت إليه وكان خير معلم، وعندما كنت أخطئ كان يستوعبني ويهون الأمر ويحاول معي من جديد بكل رحابة صدر، ودائماً كان يقول سوف تخطئ كثيراً، لكن المهم أن تحب المهنة لكي تتقنها. أسلوبه بالتعليم كان عن طريق السؤال؛ حيث يطرح علي المشكلة عن طريق سؤال ويأخذ برأيي إن كان صائباً، لم يبخل علي يوماً بالمعلومة أو النصح، وقد استطاع أن يقربني من المهنة ويحببني بها من خلال ترغيبي بالسفر والشهرة؛ حيث كان يأخذني إلى المعارض التي كان يشارك بها سواء الداخلية أو الخارجية؛ وهو ما أتاح لي التعرف إلى العديد من الحرفيين، وأكسبني المزيد من الخبرة، وأنا اليوم أحترف المهنة وهي مصدر رزقي، والفضل يعود إليه؛ فهو أب قبل أن يكون معلماً، وهذا باعتراف كل من عمل لديه».

الحرفي حسام محمد خير