اختار طريق الحرفة فأبدع؛ متمتعاً بكافة ثقافات المهن الشرقية، وعلى الرغم من عقده السادس؛ إلا أنه تميز بالرسم على الزجاج بدقة وسرعة فائقة، متوجاً مسيرته بتطوير آلة لطباعة الرسوم بواسطة الشاشة الحريرية.

مدونة وطن "eSyria" التقت شيخ الكار "محمد بسام ريحان" في ورشته بتاريخ 14 تشرين الأول 2015، فتحدث عن بداياته قائلاً: «هناك تقليد عائلي يقتضي أن يتعلم الولد مهنة والده، ووالدي كان يعمل بمطبعة فتعلمت منه طباعة الحرف، لكن كان لوالدي صديق حرفي يعمل بمهنة "المنكنه" التي هي عبارة عن آلة لكوي الأقمشة تعمل بواسطة البخار وخياطة الثوب فأراد أن يعلمني المهنة، إلا أن قدري حملني وأنا في العاشرة من العمر ليهتم لأمري شيخ الكار المزخرف والخطاط "أديب الجبان" الذي كان يكتب من الخط 72 نوعاً، ويعرف رفضه لبيع أعماله إلا عند الضرورة، فأعطاني كرتونة مفرغة مرسومة عليها وردة وقطعة قماش تحوي فحماً أسود مطحوناً، وهذه العملية تسمى "التتريب" أو الطباعة بواسطة الفحم الأسود، ولأن العاشق لهذه المهن فقير؛ أعطاني "بورسلانة" بيضاء ومجموعة أصبغة متعددة الألوان، حيث كان يعتمد إضافة اللون الأبيض إلى بقية الألوان من أجل تفتيحها، فالأحمر مع الأبيض يعطي لوناً زهرياً متدرجاً».

فتحت أول ورشة رسم وزخرفة عام 1975 في بيت والدي، الذي قدم لي الدعم المادي والمعنوي عندما لمس مدى حبي لتعلم المهنة، وبما أنني كنت أقوم بإكساء منزلي في عام 1983 لفت نظري أن السيراميك الموجود في السوق تقليدي، فخطر ببالي أن أرسم على السيراميك، فطرحت الفكرة على التجار حيث لاقت رواجاً ونتيجة التطور في بلدنا افتتح معمل للزجاج في "حلب" سنة 1990؛ وهذا أتاح لي فرصة التوسع بعملي، فبدأت أسافر إلى تركيا لأشتري مواد، وأراسل بلدان أوروبية للحصول على مصادر جديدة للتجديد بفن الزخرفة والرسم

ويتابع: «بدأت موهبة الرسم تتبلور وتأخذ كل تفكيري، حتى الأساتذة اعتادوا وجودي في المرسم أثناء الدوام المدرسي، ومع الممارسة والتدريب تطورت في الرسم والزخرفة، وقد أتيحت لي فرصة الرسم على الخشب لقاء مبلغ مادي، فشجعني أستاذي لدقتي وطريقتي الخاصة في الرسم، حيث كان يردد دائماً: (لا تأخذ قطعة من عندي وتقلدها يا "ريحان"، وإنما تصورها واذهب إلى البيت وحاول أن ترسم مثلها، وعندها سترى بصمة "ريحان" بدل "جبان"، فأنت تملك إحساساً عالياً بالريشة والألوان، وهذا علم لا يمكنك أن تعلمه حتى لابنك)، وهكذا كان».

من أعماله

ويضيف: «لأول مرة شاركت في معرض دمشق الدولي عام 1970 كمعاون للأستاذ "الجبان"، ومنذ ذلك الوقت وأنا أشارك في مختلف المعارض والمهرجانات العربية والمحلية؛ فكونت زبائن من جنسيات مختلفة كانوا ذواقين للفن السوري، وفي كل زيارة إلى "سورية" يشترون من أعمالنا، لأضيف إلى خبرتي المهنية أفكاراً جديدة.

وحب المهنة دفعني إلى القراءة، فكونت خزينة من المعارف عن تاريخ المهن الشرقية، وباجتهاد مني تعرفت إلى أنواع الخطوط وبرعت في الخط الكوفي ثم تعلمت صناعة الخزف، وكنت محباً للسفر فتجولت في العراق ولبنان لعرض بضائعي؛ وهو ما جعلني أتعرف إلى أنواع مختلفة من المواد العالية الجودة التي فتحت لي مجال التميز في فن الزخرفة والرسم على الزجاج والحفر على النحاس والطباعة على السيراميك، إلا أنه في عام 1973 عانينا من قلة المواد بسبب حرب تشرين التحريرية، وبخبرة "الجبان" كنا نشتري المواد الأولية من سوق "مدحت باشا" أو "البزورية"، ثم نقوم بخلطها؛ وهذا ما عاد علينا بالفائدة، حيث نمتلك الآن خبرة الماضي في ظل هذه الأزمة التي يمر بها البلد لقلة المواد وضيق باب الاستيراد».

الرسم والزخرفة على البورسلان

أما عن بداياته كحرفي مستقل، فأضاف: «فتحت أول ورشة رسم وزخرفة عام 1975 في بيت والدي، الذي قدم لي الدعم المادي والمعنوي عندما لمس مدى حبي لتعلم المهنة، وبما أنني كنت أقوم بإكساء منزلي في عام 1983 لفت نظري أن السيراميك الموجود في السوق تقليدي، فخطر ببالي أن أرسم على السيراميك، فطرحت الفكرة على التجار حيث لاقت رواجاً ونتيجة التطور في بلدنا افتتح معمل للزجاج في "حلب" سنة 1990؛ وهذا أتاح لي فرصة التوسع بعملي، فبدأت أسافر إلى تركيا لأشتري مواد، وأراسل بلدان أوروبية للحصول على مصادر جديدة للتجديد بفن الزخرفة والرسم».

وعن خبرة خمسين عاماً التي تبلورت بتطوير آلة لطباعة الرسوم على الزجاج بواسطة الشاشة الحريرية أو "السيلسكرين" قال: «ميزتها سرعة الرسم ودقة الإنتاج، فاستخدمتها في مجال الدعاية لطباعة العديد من الماركات المعروفة، كما تميزت بالرسم النافر على "البارد"، سواء زخرفة أو (قيشاني مينا)، ومن أكثر المواد الداخلة في عملنا ماء الذهب والبلاتين وإكرليك على "البارد والمينا"؛ وهي عبارة زجاج مطحون مع أكاسيد حيث تتبلور في الفرن، وتستخدم على الزجاج والنحاس والسيراميك، وأستفيد من قطع الكريستال حيث أقوم بطحنها لأنها زجاج طري، ولدينا طريقتان للعمل؛ الأولى نستخدم دهانات بطيئة لا تحتاج إلى فرن، أما الثانية فتحتاج إلى فرن».

الحرفي خلدون المسوتي

لقب شيخ الكار لا يقاس بالعمر المهني؛ إذ قال: «من يعمل على إحياء المهنة ويكون صادقاً مع زبائنه، يستحق هذا اللقب في زماننا، لكن من صفات شيخ الكار القديم أنه لا يعلم المهنة بسهولة، وإنما لا بد أن يجتاز المتدرب مرحلة اختبارات الصبر والنباهة، وأنا أحد الأشخاص الذين مروا بهذه الاختبارات، فمازلت أتذكر عندما أعطاني أستاذي لوحة بيضاء وفرشاة صغيرة جداً وعلبة دهان أسود، وطلب أن أطلي اللوحة باللون الأسود، ولا بد أن يمتلك مهارة وهذا يأتي بالتجربة لتتكون الخبرة؛ وأن يتمتع ببال طويل، أما حالياً فإن أغلب المتدربين يريدون التعلم السريع لفتح بوابة الربح المادي، وهو ما يجعلهم يقعون في دائرة التقليد الأعمى مبتعدين عن الابتكار والتجديد».

وتحدث الحرفي "خلدون مسوتي" الذي يعمل بمجال الفسيفساء عن معرفته بعمل "ريحان" قائلاً: «المهن اليدوية لها قواعد وأصول، ولتضيف إليها وتبتكر لا بد أن تمتلك الخبرة والموهبة والثقافة، وهذا ما تميز به "ريحان" عن غيره؛ فهو متقن لعدة مهن (القيشاني، والمينا، والطباعة، والتغشايه، والحفر)، ونال لقب شيخ كار لأنه لا يُكرر، ولا يمكن لمن يأتي من بعده أن يعمل بنفس طريقته، فهو يمتلك إحساساً عالياً؛ إذ يأخذ المقاييس بالنظر، ولا يعتمد على الطباعة أو التفريغ أو التقليد، وإنما يرتجل ارتجال، وعلى الرغم من ذلك تأخذ الزخارف شكلاً متناسقاً. وقد تميز بالرسم النباتي ويعمل دائماً على إحياء المهنة حيث يكون حاضراً في أغلب المعارض والمهرجانات الداخلية والخارجية، وعلى الرغم من عقده السادس إلا أنه أسرع حرفي بالرسم على الزجاج وبدقة متناهية، وهو مرجع لغيره من الحرفيين وعنده سر المهنة من الألف إلى الياء».

وفي النهاية ولد "محمد بسام ريحان" في "دمشق" سنة 1955، وهو عضو بمجلس إدارة الجمعية الحرفية، وقد مُنح جائزة اليوبيل الفضي لقاء مشاركته بمعرض دمشق الدولي، وعدداً من اليوبيلات البرونزية وشهادات التقدير لقاء مشاركاته في عدد من المهرجانات الثقافية والسياحية، حالياً هناك تعاون بينه وبين كلية الهندسة المعمارية لتعليم قواعد وأصول الرسم والزخرفة.