بابتسامته وعباراته الترحيبية يستقبل زبائنه وأصدقاءه وجيرانه، فهو شيخ كار الحلاقين؛ الذي ورث المهنة عن والده وما يزال يمارسها منذ خمس وسبعين عاماً؛ ليصبح محله في سوق "ساروجة" نقطة علّام يتواعد عنده الناس.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 تموز 2015، التقت "محمد عدنان الجولجي" شيخ كار الحلاقين؛ الملقب "أبو مازن"، الذي حدثنا عن بداية مشواره المهني قائلاً: «بدأت تعلم مهنة الحلاقة عام 1940، وكان عمري عشر سنوات في محل والدي الذي كان "شيخ كار الحلاقين"، وبدأت مثل أي "صانع" بمسح بلاط المحل، وبقيت لفترة كذلك، ثم انتقلت لتنظيف "البشاكير" التي تستعمل في المحل، ثم إلى مرحلة، وكما يقال بلغة أهل المصلحة "قش الذقن" وبعد إتقانها، بدأت تعلم الحلاقة واستمرت هذه المرحلة مدة عشرين سنة، فأنا تعلمت المهنة خطوة خطوة، وأبي علّم الكثيرين من الشباب، وتخرج على يديه الكثيرون، ولم تكن المهنة تقتصر على الحلاقة بل على المعالجة؛ فقد كان أبي طبيباً يعالج بالطب العربي وعلمني علم المداواة بالأعشاب والخلطات؛ وبالأخص علاج الأمراض الجلدية لكونها الأكثر ارتباطاً بالحلاقة».

كان أبي شيخ كار مهنة الحلاقين، وأنا أصبحت شيخ الكار بعده، ولكوني أقدم الحلاقين العاملين بهذه المهنة في "دمشق" -فأناعمري حالياً خمس وثمانون سنة- فقد علمت الكثيرين من الشباب الذين أصبحوا معلمين فيما بعد؛ ولم أبخل عليهم بأي معلومة، لأن هذه المهنة أمانة، ويجب أن تستمر، ولا يجوز أن يحتكر الإنسان أي معلومة ولا يعلمها لمن يحتاج إليها

وتابع: «كان أبي شيخ كار مهنة الحلاقين، وأنا أصبحت شيخ الكار بعده، ولكوني أقدم الحلاقين العاملين بهذه المهنة في "دمشق" -فأناعمري حالياً خمس وثمانون سنة- فقد علمت الكثيرين من الشباب الذين أصبحوا معلمين فيما بعد؛ ولم أبخل عليهم بأي معلومة، لأن هذه المهنة أمانة، ويجب أن تستمر، ولا يجوز أن يحتكر الإنسان أي معلومة ولا يعلمها لمن يحتاج إليها».

شيخ الكار مع محمد يوسف النابلسي

وأضاف: «في الماضي كان لمنصب "شيخ الكار" أهمية أكثر من الآن، حيث إن أفراد المهنة كانوا يقصدونه من أجل طلب الإذن، أو لإعطاء ترخيص لافتتاح دكان، وكان يمتحن هذا المتدرب لكي يتأكد من أنه كفؤ لهذه المهنة، ويسأل معلمه عنه ليس فقط عن إتقانه للعمل، بل عن أخلاقه ومعاملته للآخرين، وعن أنواع العلاجات للأمراض المختلفة، ويسأل عن سمعته ضمن حارته وأقرانه، أما الآن فمنصب شيخ الكار هو منصب فخري، إضافة إلى أن تعليم المهنة حالياً لم يعد مقتصراً على "المعلم" ضمن المحل؛ بل أصبحت المعاهد والدورات التي تخرّج خلال عدة أيام تصل إلى الشهر الشباب ومعهم شهادة مهنة».

وتصادف وجودنا في المحل مع وجود أحد الذين درّبهم "الجولجي" وهو "محمد زاهر"؛ الذي قال: «دربني "أبو مازن" على تفاصيل المهنة إضافة إلى طريقة التعامل مع الزبون، وعلمني طريقة إراحته في الحلاقة، لأن للبشرة والشعر أنواعاً مختلفة، وكل زبون يتم التعامل معه حسب نوع بشرته وشعره؛ فمثلاً البشرة الجافة أو الخشنة يجب أن يكون "موس" الحلاقة ناعماً جداً ومائلاً بدرجة معينة لكيلا يتأذى الزبون، ولكي يرتاح بالحلاقة لدي ويعود مرة ثانية، هذه التفاصيل تأتي من خلال ممارسة المهنة، ولم يبخل بها "أبو مازن" وعلّمها لنا».

محمد زاهر

والتاجر "محمد يوسف النابلسي" جار "أبو مازن" وزبون لديه، قال: «أعرف "أبو مازن" من زمن وهو صديقي وجاري، وأثق به، لأنه ولخبرته الطويلة في هذه المهنة قادر على أن يختار لكل زبون "التسريحة" المناسبة له، واستطاع أن يستقطب الزبائن منذ أربعين عاماً، وهم يقصدونه دائماً ويفضلونه على غيره من الحلاقين، لاستشارته بأمر ما بيع أو شراء أو غير ذلك؛ لأنه وبحكم خبرته الحياتية يرشد وينصح من يسأله عن أمر ما، وهو معروف بأنه "خدوم" ومعاملته حسنة مع كل الناس؛ لذلك كسب ثقتهم ومحبتهم، ومحله مكان يتواعد عنده الناس لكونه علماً من أعلام "دمشق"، وبسبب طيبة قلبه أحياناً لا يدفع له الزبون أجرة الحلاقة، ويقول له سأعود بعد قليل؛ وربما لا يعود».