لم يدرس علم التوزيع الهارموني ولا التأليف الموسيقي الأكاديمي، ومع ذلك اقترب جداً مما يتصوره في الموسيقا التي أرادها، فموهبته في "الإيقاع، والغيتار، والناي، والعود، والأورغ" ساعدته كثيراً في مزج هذه العناصر مع دراسته للنوتة في إظهار ملكته في التأليف الموسيقي.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 10 تشرين الثاني 2014، التقت الموسيقي "ماهر إبراهيم" ليحدثنا عن تجربته الشخصية في عالم الموسيقا والتأليف، قائلاً: «منذ بداية اللا وعي ثم الإدراك والوعي الطفولي كان والدي رحمه الله "محمد إبراهيم" عازفاً بارعاً على آلة العود ويمتلك صوتاً جميلاً، يتسامر مع أصدقائه تارة ومع أسرتي وأقاربي تارة أخرى في أمسية صيفية أو ليال شتوية، وبحكم أنني أصغر إخوتي سناً كنت رفيقه في أغلب جلساته الموسيقية، فمنذ سن الطفولة الأولى بدأت أداعب آلة "الطبلة"، أو ربما كانت هي المتاحة فقط لأعزف عليها، وبرعت فيها من دون أن يعلمني أحد، وما ألتقطه بالفطرة من عازفين أمامي بالملاحظة والتقليد لكيفية عزفهم للإيقاع، ويدور في مخيلتي الآن في ذلك الوقت أن والدتي كانت تأخذني معها إلى أعراس جيراننا وللنساء فقط لأنتقل من حضن إلى حضن لأستطيع العزف على آلة "الطبلة"، وهن يغنين ويرقصن».

لتفاعلي الوطني مع الأحداث في 2006 و2008 و2011؛ قمت بكتابة وتأليف عدة أعمال وطنية، فقط بدافع الحب والحس الوطني وحاولت مجدداً أن أجد من يتبنى تلك الأعمال من جهة خاصة... وتستمر الحياة

ويضيف: «بدأ والدي يبتعد عن العزف شيئاً فشيئاً ويتملك أخي الأكبر الأستاذ "إبراهيم إبراهيم" تلك المساحة الموسيقية في المنزل ومحيط العائلة والأقارب والأصدقاء، وكان متميزاً وموهوباً حيث له أعمال موسيقية رائعة من تأليفه، منها وطنية عرضت على مسرح الحمراء بداية الثمانينيات.

الموسيقي ماهر إبراهيم

وذهبت أصاحبه على آلة الإيقاع في الجلسات والسهرات الموسيقية وحفلات الطلائع والأنشطة الأخرى، وعمري آنذاك تسع أو عشر سنوات، وشعرت بالتميز حيث لم يكن في حارتنا من كان في نفس عمري ويعزف على آلة موسيقية، وقد انجذبت لسماع الموسيقا خاصةً الغربية، وكانت تبث على إذاعة "مونتي كارلو" في ذلك الوقت وابتدأت سماع الآلات التي لم تكن متواجدة في محيطنا كالأغاني الغربية وآلتي البيانو والغيتار.

فأهداني أخي آلة الغيتار وبدأ تعليمي مبادئ العزف عليها، حيث كنت مولعاً بموسيقا "الفلامينغو الأسبانية" والمعزوفات الكلاسيكية، مثل "Romance"، و"Love story"، واستطعت أن أعزفها بطلاقة في بداية سنوات المرحلة الإعدادية، وكنت من أوائل من ساهموا في انتشار هذه الآلة في بداية الثمانينيات وتعريفها لعامة الناس».

مهرجان جرش.

وعن حكايته مع آلة الناي يقول: «مشواري مع آلة الناي كان بمحض المصادفة، ففي نهاية إحدى السهرات الموسيقية في منزلنا ذهب الجميع، وكان عازف الناي "عدنان دقوري" قد نسي نايه؛ فأخذته وبدأت أحاول أن أصدر صوتاً من خلاله فلم أجد نفسي إلا وأنا أعزف بسهولة عليه، وهو ما جعل أخي "إبراهيم" يأتي مسرعاً مستفسراً عن مصدر العزف فشجعني وحثني لأكون عازف ناي؛ لقلة عازفي هذه الآلة من ناحية وصعوبة العزف عليها من ناحية أخرى.

بدأ الأستاذ "عدنان دقوري" يعلمني تكنيك الآلة، وتولى أخي وأستاذي "إبراهيم" تدريسي أصول النوتة وعلم الموسيقا والمقامات الشرقية، وقد كان من أبرع من أتقنه في "سورية" كلها.

إحدى الحفلات

هنا صعدت سلم الاحتراف الحقيقي، وأخذت شخصيتي الموسيقية تتبلور، وأصبح الناي صديقي الجديد مكان آلة الغيتار، وقد أسسنا فرقة غربية شرقية من أصدقاء موسيقيين، منهم: "سامر الفقير، حمزة الصالح، سمير ثلاج، باسل زيدان، عبود زيادة"، وعزفت معهم على آلة "البوركيش"، والناي الذي كنت أعزف عليه كآلة "الفلوت الغربي"، وبقينا معاً عدة سنوات».

مشواره في التلحين والتأليف الموسيقي ترك بصمة خاصة في حياته، فيقول: «تعد بداية التسعينيات فترة تغيرات جذرية في عالم الموسيقا، فتقنية الصوت نالها من الانقلاب والتطور نصيب كبير وطالني هذا التطور أنا شخصياً، بدأت مع صديقي عازف الأورغ البارع "سامر الفقير" نكتشف عالم الـ"ميديا" والـ"سيكوانسر"؛ وهو نظام موسيقي رقمي يمكنك من خلاله تأليف ما تتخيله من ألحان وتوزيعه بنظام التدوين الموسيقي على هذا الأورغ وسماعه، وكأن ألف عازف يشتركون بتنفيذ ألحانك، وفي ذلك الوقت كان ضرباً من الإعجاز.

سحرتني وامتلكتني هذه التقنية، ولم يكن أحد يعرفها بعد في الوطن العربي غير قلة من الموزعين المصريين مثل "طارق عاكف".

من هنا بدأت موهبة التلحين والتأليف الموسيقي، وبدأت معها معاناتي مثلما يقولون: "من لم يتألم في الحب لم يعرفه"، وكذلك في تأليف الموسيقا يجب أن تتعب وتعاني بحب حتى يكون ما تبدعه صادقاً وحقيقياً.

وقد كتبت الشعر الغنائي ليكون المادة الأولية لصياغة لحن ثم توزيعه، وكان أول إنتاجي أغنية بعنوان "خد جناحي وطير" للفنان المصري "علي الحجار" الذي التقيته في "دمشق" عام 1994، بسينما ومسرح "راميتا"، وفوجئ وأعجب بالأغنية، وقال إنه لم يكن يتوقع أن يلحن له أحد من خارج "مصر"، وهو ما شجعني لتأليف عدة أغنيات لاحقاً، لكن لظروف معينة لم يكتمل التعاون معه».

ويتابع: «في تلك الفترة التقيت الصديق العازف "بشار زرقان" ووزعت له ألحانه وأشرفت على إصدار ألبومه "طيري"، وأقمنا عدة حفلات في مهرجانات "جرش" بالأردن، وبدأت أكتب كلمات الأغاني وألحنها ثم أوزعها وأنفذها على آلة الأورغ بطريقة "السيكونسر"، وبرعت جداً في ذلك ورحت أؤلف مقطوعات موسيقية وشارات غنائية، وشاركت من عام 1995 حتى 1997 مع فرقة تراث شرقية أغلب عناصرها من خريجي المعهد العالي للموسيقا، منهم الأصدقاء "نزيه أسعد، توفيق ميرخان، أسامة سلطان، علي رمضان"، ثم سافرت إلى "الإمارات العربية" لإيجاد فرصة هناك، ولكن الجواب كان إنهم ينفذون أعمالهم في "مصر وسورية".

وفي الشارقة قمت بإدارة معهد "رايات" للموسيقا ودرّست به كافة أنواع الآلات والصولفيج حتى عام 1999 ثم عدت إلى "دمشق"، وكنت أنوي الهجرة إلى فرنسا لعدم تحقيق حلمي، حيث وجدت في الموسيقا المجردة ما يعبر عن داخلي، وهو ما جعلني أتجه في مؤلفاتي الموسيقية لتلك الدرب الجميلة، وكان كل من يسمعها يبدي إعجابه بها، وبدأت أبحث عمن يتبنى تلك الأعمال من شركات إنتاجية ومخرجين، وقد قابلت العديد منهم وكان السؤال الصادم دوماً: "هل لك أعمال درامية سابقة؟" والجواب: "لا"».

ويضيف: «شاءت الأقدار أن أبقى في "سورية"، وأن أتزوج وأرزق بابنة هي الآن كل عمري، وتخليت عن أحلامي القديمة، وبدأت منذ عام 2000 بتأليف أغاني الأطفال من مسرحيات وأعمال تلفزيونية بما يزيد على مئات الأغاني الطفولية بالتعاون مع صديقي الفنان "سامر الفقير" لعدة شركات، منها: "آفاق الدولية، سنا، عالم فرناس"».

وينهي حديثه: «لتفاعلي الوطني مع الأحداث في 2006 و2008 و2011؛ قمت بكتابة وتأليف عدة أعمال وطنية، فقط بدافع الحب والحس الوطني وحاولت مجدداً أن أجد من يتبنى تلك الأعمال من جهة خاصة... وتستمر الحياة».

يقول العازف "سامر الفقير" عن صديقه "ماهر إبراهيم": «التأليف الموسيقي هو إبداع وتجسيد لما في داخل المؤلف، من أحاسيس وانفعالات تترجم عبر أعماله وتكون مرآة لهذا الفنان، و"ماهر إبراهيم" هو خير مثال للفنان الإنسان الذي تعرف ما بداخله من خلال سماعك لمؤلفاته، ويستحق بجدارة أن يكون من الصف الأول من المؤلفين الموسيقيين في "سورية" وأعتز بصداقة العمر التي تربطنا، ولنا كثير من الأعمال الفنية الرائعة كعمل "حي الياسمين" الذي حاز جائزة "مهرجان البحرين لأعمال الأطفال"، عام 2003».