هو ليس مجرد شخص في قرية صغيرة، بل علمٌ من أعلام "ريف دمشق"، غادر القرية للدراسة والوظيفة لكنه لم ينسَ منبته، فبقيت جذوره متشبثة بالأرض عصية على النكران، أسس بلدية "الصبورة" فكان خيرَ معينٍ لأهاليها.

إنه "أحمد بلان" الملقب "أبو هاني" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" في قريته "الصبورة" بتاريخ 8 أيار 2014، ليحدثنا عن حياته وكفاحه، إذ بدأ حديثه بالقول: «ولدتُ عام 1944 في قرية "الصبورة" حيث أتممت تعليمي الابتدائي قبل أن أنتقل للدراسة في "عين الفيجة" التي تبعد عنا نحو 20كم، وكنت آنذاك أستخدم الدراجة الهوائية للتنقل، وإثر حادث أليم أصبت بكسر مفصلي؛ الأمر الذي لم يعِق إكمال الدراسة، فأتممت مرحلة التعليم الإعدادي وتركت التعليم المدرسي، توجهت للدراسة الحرة إلى أن حصلت على الشهادة الثانوية بعد استقرار وضعي الصحي.

يعتبر "أبو هاني" مؤسس بلدية الصبورة بكل المقاييس، فقد بذل جهوداً مضاعفة في تقديم الخدمات لأهل القرية وقبل ذلك لفلاحيها من خلال عمله في المالية، وله أيادٍ بيضاء في حل أي مشكلة تعترض أحداً ما في القرية والقرى المجاورة، إذ يقوم بدوره على أكمل وجه ويبذل ما بوسعه لوأد أي مشكلة ولو كلفه ذلك الكثير من الجهد، لذا تراه معروفاً ومحبوباً في المنطقة بأسرها

عام 1963 عملت مدرساً في المدارس الابتدائية لمدة أربع سنوات قبل أن أنتقل إلى الوظيفة في وزارة المالية حيث بقيت أربعة عشر عاماً، وهناك بدأت علاقاتي تتعمق مع الفلاحين بشكل خاص، إذ كنت مسؤولاً عن استلام الضرائب المفروضة عليهم التي تكون في بعض الأحيان عبئاً كبيراً، فلجأت لاستصدار قرارات من شأنها تبسيط هذه العملية وتقسيط المبالغ المتراكمة أو إعفائها من غرامات التأخير، الأمر الذي جعلني مقصداً أساسياً لكل ريفي يزور الدوائر الحكومية».

أبو هاني وأبو محمد

وبينما كان "بلان" على رأس عمله فوجئ بترشيحه لمنصب رئيس بلدية فما كان منه إلا أن ترك عمله في الوزارة وعاد أدراجه إلى منبته، يكمل عن هذه المرحلة: «في العام 1979 تم ترشيحي كأول رئيس لبلدية "الصبورة" فكان ذلك بداية لمرحلة طويلة من الإنجازات، إذ كانت البلدية آنذاك في بناء مستأجر مكون من غرفتين، إلى أن وصلنا في العام 1995 إلى بناء قصر بلدي متفرد بجماله وحداثته عن باقي البلديات في الريف الدمشقي، وفي تلك الأثناء بدأ زحف العمران إلى المنطقة الفقيرة نسبياً وعمد الدمشقيون إلى بناء مزارع لهم على أطراف القرية، كما بدأ أهل القرية بناء مثيلاتها أيضاً، وكان الجميع حينذاك مهتمين بتطوير العمل البلدي، فلجأت إلى طلب المساعدة الأهلية لدعم الخدمات المقدمة للقرية عن طريق مبلغٍ بسيط يدفعه المقدم على البناء بشكل طوعي، فلاقت هذه المبادرة تجاوباً جميلاً ونادراً، واستطعت أن أرتقي بميزانية البلدية إلى مبالغ جيدة أعانتنا في تقديم أفضل الخدمات للبلدة، كالصرف الصحي وتعبيد الطرقات وما إلى ذلك من خدمات لا تزال القرية تستفيد منها إلى يومنا هذا، وبقيت رئيساً للبلدية من العام 1979 وحتى العام 1997 إلى أن فقدت البصر نتيجة اعتلال شبكية ذات منشأ وراثي، فتركت العمل الحكومي وبدأت إنشاء عمل خاص بي في مكتب عقاري صغير».

"محمد الشلبي" أحد العاملين في قطاع العقارات تحدث لنا عن "أبي هاني" وعلاقته به قائلاً: «يتميز بقدرة فائقة على قراءة الأشخاص المتعاملين معه والزبائن الذين يزورونه من خلال عمله، ويستطيع معرفة طباعهم وحفظها بسرعة، كما يتميز بذاكرةٍ قوية جداً فهو يحفظ اليوم كامل المخطط التنظيمي، ليس للقرية فحسب، وإنما للمناطق والقرى المجاورة، ويعرف رقم أي عقارٍ ويستطيع وصفه لك وأنت جالس في مكانك، ولا يتوقف الأمر على ذلك بل يتعداه ليصل إلى معرفة التغيرات الطارئة على أي بيت من تمدد أفقي أو عمودي إلى الإكساء الخارجي والداخلي، وصولاً إلى إطلالة البيت وتهويته، وهو يدأب بشكل متواصل على تطوير عمله الذي يحب مستفيداً بذلك من أحاديث الناس والزبائن وأصحاب العقارات، إضافة إلى جولاته اليومية في القرية التي يذهب إليها بمفرده دون الحاجة إلى مساعدة أحد ما، وهو قادر على اصطحاب أي شخص إلى أي منطقة في محافظتي "دمشق" و"ريف دمشق"، ويحفظ مقابل ذلك ما ينوف عن ألف رقم هاتف».

مختار القرية

كما حدثنا مختار قرية الصبورة "أحمد حسين صالح" عن "بلان" في لقاء معه: «يعتبر "أبو هاني" مؤسس بلدية الصبورة بكل المقاييس، فقد بذل جهوداً مضاعفة في تقديم الخدمات لأهل القرية وقبل ذلك لفلاحيها من خلال عمله في المالية، وله أيادٍ بيضاء في حل أي مشكلة تعترض أحداً ما في القرية والقرى المجاورة، إذ يقوم بدوره على أكمل وجه ويبذل ما بوسعه لوأد أي مشكلة ولو كلفه ذلك الكثير من الجهد، لذا تراه معروفاً ومحبوباً في المنطقة بأسرها».

الجدير ذكره، أن اسم "أحمد محمد بلان" مشترك مع ثمانية أشخاص يحملون ذات الاسم مع الاختلاف باسم الأم والمواليد، كما يوجد قرابة عشرين شخصاً يحملون اسم "أحمد بلان" مختلفين بذلك باسم الأب أيضاً، وقد التقينا أحدهم "أحمد محمد بلان" الملقب "أبو محمد" الذي كان موظفاً في المالية مع "أبي هاني"، إذ حدثنا عن بعض الطرائف التي سبَّبَها تطابق الأسماء هذا، يقول: «كثيرة هي المرات التي تلقيت تنبيهات أو عقوبات إدارية أو مكافآت في العمل كانت موجهة بالأصل لأبي هاني، والعكس صحيح، كما وصلتني بعض الرسائل البريدية التي كانت موجهة له، وأذكر أيضاً أن بعض الرسائل كانت تصل إلى قريتنا بينما وجهتها الأساسية إلى قرية "صبورة" في مدينة "السلمية"، لكني أقول للأمانة: لم أتضرر قط من تطابق الأسماء هذا، لأن معظم هذه المفارقات كانت إيجابية فالأخ "أبو هاني" رجل طيب، ذو سمعة حسنة ومعروف بأخلاقه ومساعدته للناس».

بقي أن نذكر، أن "بلان" متزوج في العام 1966، وله من الأولاد أربعة شباب وثلاث بنات، وهو جدٌ لعشرين حفيداً.