بدايته كانت عندما وصل سن الثانية عشرة حيث أغرته آلة "الأكورديون" الموجودة في منزله فعبث بها مراراً، ومتى أصبح في المرحلة الإعدادية اهتمت لموهبته مدرّسة مادة الموسيقا، فأصبح مهندساً ولكن الموسيقا بقيت محوراً أساسياً في حياته لم يتخل عنه يوماً.

اسمه "حبيب موسى خَنَشَتْ" المهندس المعماري ابن مدينة "النبك" والمولود فيها في العام 1970.

كان لي أخت تعزف على الأكورديون، كنت صغيراً، لكنني كنت أنصت كثيراً لدى سماعي لعزفها، وكنت أتحين الفرص كي ألتقي بهذه الآلة بعيداً عن مرأى ومسمع الأهل وعلى وجه التحديد أختي

موقع eSyria التقى به في مدينته ليحدثنا عن رحلته مع الموسيقا، والبداية دائماً تشدنا إلى البدايات، وما أحلى البدايات إن كانت تتعلق بعبث الطفولة، يقول: «كان لي أخت تعزف على الأكورديون، كنت صغيراً، لكنني كنت أنصت كثيراً لدى سماعي لعزفها، وكنت أتحين الفرص كي ألتقي بهذه الآلة بعيداً عن مرأى ومسمع الأهل وعلى وجه التحديد أختي».

الموسيقي حبيب خنشت

يتابع: «حتى أصبحت مادة التربية الموسيقية في المرحلة الإعدادية أكثر الحصص التي تجذب انتباهي واهتمامي، وهذا يعود بالتأكيد لمن اهتم بي وأقصد الآنسة "أميرة بحبوح" مدرّسة التربية الموسيقية التي بدأت بتعليمي الموسيقا بشكل مدرسي، وما ساعدني أيضاً أنني بدأت أحاول التعلم من نفسي وهذا ما أدى إلى اختلاط ما أتعلمه من الآنسة وما أحاول به بمفردي».

وجاء انتقاله إلى "دمشق" كي يضعه على الطريق الصحيح في عالم الموسيقا، يقول في ذلك: «كان انتقالي إلى العاصمة لمتابعة الدراسة وكنت حينها في الصف الثالث الثانوي فرصة كي أتعرف على المعاهد الموسيقية هناك، وكم كنت محظوظاً إذ تدربت على يد الموسيقي "ميشيل عوض"، كنت أجلس برفقته ساعات طوال، أستمع لعزفه، وأستمع لكلامه في الموسيقا، لقد كان له الفضل الأكبر وهو أستاذي الذي أعتز به».

"حبيب خنشت" وصديقه الموسيقي "أمين مرشاق"

بعد البدايات يأتي العمل، و"حبيب خَنَشَتْ" وجد في رفقة "أمين مرشاق" الطريق الصحيح لاكتساب الخبرة وكان له ذلك، وهنا يقول: «بعد مرحلة طويلة من العمل قررت تشكيل فرقة موسيقية أسميتها "فرقة البانوراما الموسيقية" ومن الآلات الموجودة في الفرقة: "درامز"، "طبلة"، "رق"، "غيتار بيس". استمر الوضع على هذه الحال خمس سنوات أقمنا خلالها العديد من الحفلات موزعة في "منطقة القلمون"، وكان لنا مشاركتين في "مهرجان الأغنية السياسية" من تنظيم اتحاد شبيبة الثورة».

وكان له ألحان لمنظمة الطلائع، فقد وضع لحناً موسيقياً لمسرحية طليعية بمشاركة الموسيقي "أمين مرشاق" وثلاث مرات بمفرده.

المرحلة الثانية في حياته الموسيقية، يتحدث عنها فيقول: «كان عندي هوس بتشكيل الفرق الموسيقية فبعد "فرقة البانوراما" أسست مع الصديق "إبراهيم معسعس" فرقة "الطير المسافر" استمرت لأربع سنوات، بعد ذلك أسست فرقة لوحدي امتد بها العمر ثماني سنوات، وأنا اليوم متوقف عن العمل الموسيقي لانشغالي بعملي في الهندسة المعمارية، وآخر حفلة أحييتها كانت في العام 1998».

ينتقل بنا الحديث إلى الألوان الموسيقية والغنائية التي كان يعتمدها في حفلاته، فيقول: «بلا شك لكي تستطيع أن تجني مالاً من الموسيقا فلا بد من الأغاني الشعبية التي هي محور الأفراح، ومع هذا لم ننس الأغاني "الطربية"، وكذلك "الطقطوقة"، وكذلك الأغاني الرومانسية، وكنت لحنت بعض "الأغاني الطربية" بطابع قديم مثالها أغنية "سلم الغزال" من كلمات الشاعر اللبناني "جورج خليل"».

ومن المهام الموسيقية الأخرى التي تسلمها المهندس "حبيب خَنَشَتْ" رئاسته لفرقة الكورال في كنيسة "القديس جاورجيوس" في مدينة "النبك"، وبرأيه يعتبر العمل بفرق الكورال أمراً في غاية الصعوبة والمتعة معاً، ويضيف: «في الكورال الكنسي كنا نقدم "التراتيل البيزنطية" وهي ذات طابع "أوبرالي" تعتمد على "الصوت البشري" بعيداً عن مرافقة الآلات الموسيقية وهذا من شأنه أن يظهر قدرات الشخص الصوتية وتمكنه من أدواته الموسيقية، وما كنا نقدمه من المقامات الشرقية في الكورال الكنسي هي نفسها التي تستخدم في اليونان وروسيا».

وحول سؤالنا عما فعله ورفاقه الموسيقيين من أبناء مدينة "النبك" في المحافظة على الجانب التراثي لمنطقة القلمون عموماً ولـ"النبك" على وجه الخصوص، أجاب قائلاً: «لجدتي الفضل في تعلقي بتراث مدينتي، وعندما بدأت أبحث عن كلمات ذات طابع فلكلوري يخص منطقتنا وجدت نفسي أزور كتاب "يوسف خَنَشَتْ" التوثيقي لتراث "النبك" وقد ساهمت فيما استطعت على نشر أغاني هذا الكتاب، ربما تكون هذه هي مساهمتي بحفظ التراث القلموني».

وفي شهادته حول الحركة الموسيقية في "النبك" قال: «بشكل عام هناك تراجع ملحوظ، ما يحدث اليوم هو استعراض موسيقي، يوجد لدينا طاقات جيدة أذكر منها "أمين مرشاق" و"نبيل الدرويش" المستوطن في الأرجنتين وكان عازفاً بارعاً على آلة الأكورديون، ومن الأشخاص الذين يقدمون التراث بشكل جيد "وليد رضية" و"عبدو رضية"، ومن العازفين الجيدين على "آلة الكمان" أذكر "ظافر السعيد"».

وينفي "حبيب" أن سبب ابتعاده عن الموسيقا كان بسبب الواقع الاجتماعي الجديد الذي أصبح عليه من خلال عمله كمهندس معماري يدير عدداً من المشاريع السكنية، فهو لا يرى ما يعيب في ذلك، ويضيف: «الموسيقا هي هندسة الروح، لذلك لم أبتعد في دراستي عن هذه الهندسة، فقط هو الوقت ما جعلني أبتعد فالالتزامات زادت بشكل كبير، ولكني لم أبخل حتى هذه اللحظة بتقديم المساعدة للموسيقيين الشباب، أقدم لهم ما يحتاجونه».

هذا الولاء للموسيقا جعل منه مهندساً ناجحاً، لأنه يعلم جيداً أن الجملة اللحنية الجميلة هي تماماً كبناء جميل صممه بكل إتقان ووفر له كل المستلزمات الواجبة لإخراجه بالشكل الأمثل.