بين عاصفة العادات والتقاليد، والتمرد الإبداعي لموهبة امرأة أصبحت أماً ولم تكمل نصف عقدها الثاني من العمر، تخمر الشعر في جرة عشقها وعواطفها، حتى أراد الخروج من حنايا أشجانها، في الوقت الذي أراد.

موقع eSyria التقى الشاعرة "ثناء مصباح الدين القادري" فوق أرض المدينة التي نشأت بها حيث تحدثت: «أنا من مواليد مدينة "النبك" في منتصف أيلول 1968، لأب يعمل في التجارة، وإخوة عشر، سهرت الوالدة على تنشئتهم لحب العلم والمعرفة، ليحمل معظمهم الشهادة الجامعية، في المنزل كنا نخوض تجربة تبادل المعرفة وما تزال الطفولة تفرض علينا حركتها السريعة باللهو ولعب، لكنها تميزت عن التقليد السائد بشقاوة الصغار أنها أفرزت في داخلنا محفزات التحدي حينما كنا نقوم بإجراء مباراة الشعر مع إخوتي بين آخر حرف في الصدر وبداية العجز في أبيات الشعر، الأمر الذي جعل ذاكرتي تحمل مخزوناً كبيراً منها وأنا لم أبلغ من العمر حد الحفظ والتركيز ومعرفة التنوع، والمترافق بأداء تميزت به كطالبة في المدرسة الابتدائية بصوتي مستخدمة المد في الكلمات للتعبير عن معاني الجمل الشعرية، خاصة في بداية المرحلة الإعدادية، حين كانت معلمتي "وداد مراد" قد استمعت لأدائي وأنا أقول الشعر أمام رفيقاتي، فما كان من معلمة تريد أن تسجل في تاريخها موقفاً مشجعاً لإحدى طالباتها ومن باب تشجيعي أن تختم درسها اليومي بأبيات شعر أقوم بإلقائها أمام الطلاب، فساهمت في بناء شخصيتي لكسر حاجز الخوف الاجتماعي والتقليدي وأطير في فضاء الشعر الرحب».

وضعت "ثناء" هدفاً لها في التعريف بثقافة المرأة العربية الملازمة للرجل في جميع ميادين الحياة، وخاصة في الإبداع الشعري الشعبي، فكانت إحدى النساء اللواتي شاركن في مهرجانات عدة بأنماط الشعر الشعبي

لكن فضاء الإبداع لم يعمر زمنياًً لنشر معالمه لتعيش تجربة حياة جديدة في صراع بين تمرد ذاتها الشعرية وبين منظومة العادات والتقاليد الاجتماعية ذات خصوصية في التعامل مع أي فتاة أحبت الشعر وسمحت لنفسها أن ترفع صوتها به أمام الناس أو في المواقف العامة، لتنتهي مرحلة ريعان زهوتها في بيتها الثاني وهو المكان الذي أفاقت عليه ليقف حاجزاً أمام متابعتها للدراسة، تقول: «ما إن تجاوزت سن الرابعة عشرة حتى دخلت معترك الحياة الزوجية، وفي الخامسة عشرة كنت أماً لابنتي "أسما"، الأمر الذي جعلني أبتعد عن الشعر، لكن أولادي دفعوا بي للعودة إليه من خلال تدريسي لهم ومتابعة نشاطهم المدرسي، وبدأت بكتابة الأغاني لهم، حيث كانت ابنتي تقوم بتلحينها وعزفها على آلة "الأورغ" ربما كان هذا جزءاً من طموحي الذي أردته لي وأضعه أمام ابنتي».

الفنان عماد الشاويش

لعل كل شاعر يخوض تجربة الشعر بطريقة مختلفة عن الآخر حتى يستقر على نمط واحد من الشعر ولذلك تقول: «لقد كتبت الشعر الفصيح ببحوره المتعددة، والفراتي، لكن كانت أوج مرحلة الجمال لدي في تجربتي مع الشعر النبطي، لأن الكتابة به جاءت بعد أن قرأ العديد من الشعراء قصائدي، منهم "عمر الفرا" وشعراء شعبيون من "السويداء"، استهواني كثيراً، حتى إذا ما قرأت قصائدي الفراتية أمام واحد من شعراء النبطي، طلب أحدهم مني إكمال بيتين من قصيدة مطلعها يقول:

قلت آه من قلب بدا الشوق يضنيه/ قلبٍ على بعد ولف ما تعود

وليد حميته

ساهر ليلي بالهواجيس قضيه/ عد النجم نوبات وأتوه بالعد

فقمت بإكمال القصيدة في الليلة نفسها وقلت:

ثناء القادري

لي وليفٍ مسكن الروح تأويه/ وعاريف عيني نومته مد

وفراقه إلى قلبي حر الجمر يكويه/ وأيام بعده على صباع بعد

وبخوفة من عيون الناس أداريه/ ولي لهفة عليه فاقت الحد

كانت القصيدة الأولى في هذا اللون من الشعر الشعبي، لأنه دخل مشاعري دون استئذان وسكن هواجسي الدائمة، إذ لا أستطيع أن أعبر عن معاناة الشاعر اليومية إلا من خلاله، لأن القصيدة بالنسبة لي تولد من خلال حدث ما أو حراك ذاتي اشعر بكتابتي لها دون أن اشعر بمعاناة الكتابة».

وكي يخرج الشاعر من محليته لابد له من المشاركة في الفعاليات الثقافية التي تقام بمختلف المناطق والقرى تلك المشاركات تكسب الشاعر صوراً إبداعية بتلاقح ثقافة جديدة مع ما اكتسبه من بيئته، وقد كان لمشاركة الشاعرة "ثناء" بالمهرجانات الشعبية أثر إيجابي في التمكن من الأداء والمعرفة أكثر ببحور الشعر الشعبي وخاصة النبطي منه، حيث تحدثت قائلة: «أنا في مجتمع تقليدي وللمرأة حاجز أن تقول الشعر في المواقف العامة والاجتماعية، ولكن وبعد أن تجاوزت هذه المرحلة شاركت في العديد من المهرجانات الشعبية في "جبل العرب- السويداء، وحماه، وتدمر، وربيع الجولان بالقنيطرة"، وغيرها الكثير، ما أكسبني معالجة جديدة في البناء الفني للقصيدة من خلال تبادل القصائد والأشعار بين الشعراء في السويداء وباقي المحافظات».

الفنان الشعبي "عماد الشاويش" الذي غنى من أشعارها، قال: «مذ تعرفت على السيدة "ثناء" لمست في شعرها الإيقاع الموسيقي الذي يمكن أن يغنى، حيث قدمت لي باقة من أشعارها الوطنية والوجدانية والعاطفية، ووضعنا لها ألحاناً تناسب طبيعة الكلمة ووزنها، الأمر الذي دفع بي أن أشكل فريقاً فنياً، يستطيع تجسيد جزء من الغناء الشعبي لمدينتنا "النبك"، وحالياً نقوم بتقديمه في الأفراح الشعبية».

ولكن تأثير الحياة الزوجية ودور الزوج في كبح أو تشجيع الحالة الإبداعية للمرأة الريفية، يقف أحياناً حاجزاً في نشر هدفها، مع تربية أولادها والاهتمام بشؤون منزلها، لكنها خلقت حالة من التوازن، حيث أوضح زوج الشاعرة "ثناء" السيد "وليد حميتة" بالقول: «وضعت "ثناء" هدفاً لها في التعريف بثقافة المرأة العربية الملازمة للرجل في جميع ميادين الحياة، وخاصة في الإبداع الشعري الشعبي، فكانت إحدى النساء اللواتي شاركن في مهرجانات عدة بأنماط الشعر الشعبي».

وأضاف: «أعتقد أنها أم مثالية من خلال تربيتها لأولادها، فأنا على قرب منها منذ كان عمرها أربعة عشر عاماً حيث بدأت حياتنا الزوجية، وفي العام الذي تلاه كانت قد أصبحت أماً لتبدأ حياتها بتربية الأطفال والاعتناء بالشعر والأدب، وعندما بدأ الأولاد في الصفوف التعليمية قدمت لابنتنا "أسما" قصائد تؤديها في المدرسة، فاستطاعت أن تتخذ من إبداعها الأدبي عاملاً في نجاح أسرتنا وبناء شخصية أولادنا، بما تحمل من حنان الأم الرؤوم».

يذكر أن الشاعرة "ثناء القادري" شاركت في مهرجان قرية "شقا" الثالث والرابع وفي مشاركة لها في مهرجانها الخامس بمحافظة "السويداء" قدمت قصيدة قالت فيها:

«جيت الجبل لزور أنا عيال معروف/ وسلم على هاذي النفوس العفيفة

هذا جبل سلطان الما يعرف الخوف/ خضر الروابي بالتلال المريفة

هيل العمايم من ذرا الشام للجوف/ سيل تحدر ماشي حي يخيفة

من شاعرة بالنبك قدمت مظروف/ مهدى لأهلي بالسويدا المنيفة».