«"التصوير الجداري" فن يجمع بين الاتصالات البصرية، الغرافيك، حتى النحت وكل الفنون والعلوم». هذا ما عرّف به الفنان التشكيلي الشاب "محمد كوتي" اختصاصه في كلية "الفنون الجميلة" تعريفاً يعكس عشقه لاختصاصه، ولجداريته التي قدّمها كمشروع لتخرجه من الكلية وبنية أن يُحتضن هذا العمل في دار "الأسد للثقافة والفنون".

موقع "eSyria" بتاريخ 25/7/2009 التقى الفنان "محمد كوتي" ليحدثنا عن تفاصيل عمله: «مشروعي هو جدارية الرقص والموسيقا، حيث لم أتناول هذا الموضوع بهيجان الحالة الشكلية والحركية، إنما بوجدانيتها وغنائيتها بعيداً عن الرومانسية أو الصخب، لذلك اخترت ألواني من درجات الأخضر والأزرق لتعكس نوعاً من الراحة النفسية».

مشروعي هو جدارية الرقص والموسيقا، حيث لم أتناول هذا الموضوع بهيجان الحالة الشكلية والحركية، إنما بوجدانيتها وغنائيتها بعيداً عن الرومانسية أو الصخب، لذلك اخترت ألواني من درجات الأخضر والأزرق لتعكس نوعاً من الراحة النفسية

يتابع "كوتي" شرحه عن لوحته دون أن يفصل أهمية ما قدّمه عن أهمية اختصاصه: «عملي يتألف من مجموعة راقصين وسط اللوحة وموسيقيين يقفلان اللوحة من طرفيها، حيث يكون في أحد الجوانب موسيقي وفي الجانب الآخر موسيقية. في فن التصوير الجداري موضوع اللوحة يجب أن يبدأ وينتهي داخل اللوحة، فالموضوع يتمركز في الوسط ويتلاشى لينتهي إلى الأطراف، كما أن اللوحة الجدارية يجب دراستها لتتناسق مع المبنى الذي ستعلق فيه من حيث اللون والموضوع وكل تفاصيلها الأخرى».

رقص وموسيقى

تفاصيل عميقة واعتبارات كثيرة، تكون بعيدةً عن مشاهد اللوحة بعد تقديمها بشكلها النهائي، إلا أنها تكون قد أخذت الكثير من تفكير وإحساس الفنان بما سيقدّمه: «العمل الذي قدّمته كان بارتفاع 280 سم وعرض 560 سم، مؤلف من قطع فسيفسائية محطمة بشكل عشوائي لتقدم في النهاية إحساساً مشبعاً بالعفوية والجمال، بعد أن أنجزت اللوحة بكامل تفاصيلها باستخدام الألوان الزيتية لإظهار الدرجة اللونية النهائية التي أرغب أن تكون عليها، من ثم بحثت عن خامة أنفّذ فيها العمل من جديد وبنفس الدرجات اللونية وقد وجدت أن أفضل مادة لهذا المشروع هو "السيراميك" ذو الترددات الكثيرة».

"التصوير الجداري" فن التوحد بين اللوحة والجدار الذي سيحتضن هذا العمل، عن ذلك يضيف "كوتي": «المكان لابد من وجوده وإن كان مجرد فرضية، فعند تخرجي كان عليّ اختيار مكان معين للوحة، فافترضت أن مشروعي سيعلق في دار "الأسد للثقافة والفنون"، وبعد زياراتي الكثيرة إلى الدار بحكم متابعتي للنشاطات القيمة التي تقدم فيه، كان هذا المكان الأقرب إلى ذهني وقلبي وموضوع الرقص والموسيقا الأنسب والأمثل لدار الثقافة والفنون، وقبل البدء بالعمل قمت بدراسة أبعاد ومكان الجدار الذي افترضت أنه مكان اللوحة، واختياري لموضوع راقصات الباليه في لوحتي كان من منطلق أن هذا المكان يمتاز بروّاده الذين بشكل عام يكونون أكاديميين أو متخصصين بأنواع الفنون المختلفة ومنها الراقصة والموسيقية الراقية».

في دار الأسد

يتابع "كوتي" مشيراً إلى فلسفته التي تمثل غايته المتوغلة في عناصر اللوحة: «باعتبار أن العمل يتسم بطابع روحي ووجداني اخترت أن يحمل الموسيقيون ثلاث آلات وهي البزق (البغلمة)، الناي، والمزار (دف)، هكذا تكون الفرقة الموسيقية التي قدّمتها مكتملة وليست بحاجة إلى عنصرٍ آخر. والغاية أن تتحد أصوات الآلات الثلاث القادرة بنغماتها المختلفة أن تودي بسامعها إلى عالم من السحر والشرود مع الذات بعيداً عن صخب الحياة بعفوية عالية الصدق».

مراحل كثيرة واختبارات عدة قام بها "كوتي" لتكون لوحته بأفضل نتيجة تمثل كل ما أكتسبه خلال سنين دراسته وتجربته الشخصية: «كانت البداية في مشروعي بتجربة مثلثات من حيث تقطيع اللوحة بمجموعة خطوط تتداخل وتتشابك لتشكل مساحات أعمل على تلوينها بعفوية، وهذه الطريقة تؤدي إلى نتائج جميلة إلا أنها خطوط قاسية لا تتلاءم مع روح الموسيقا، لذلك في النهاية قررت تقديم المشروع بخطوط أكثر انسيابية وليونة، أما عن الخطوط السوداء التي استخدمتها فهي تضيف انفعالاً واضحاً في العمل، وهو من المميزات الضرورية في لوحة الجداري فهذه الخطوط تجسد الشكل بشكل قريب إلى المباشرة».

تحكيم

عمَّ إذا كانت للموسيقا تأثير على "كوتي" في حياته بشكل عام لاختياره هذه العناصر ومزجها بالتشكيل يتابع: «الموسيقا جزء من يوميات حياتي فهي غذاء للروح تتحول عندي إلى طاقة تفرغ في لوحة ما، كما أني أعزف على آلة "البغلمة" التي أعشق صوتها وأحاول تعلم "الناي" فصوت الموسيقا مرافق لكل لوحة أرسمها، وفي أي وقت أشاهد لوحاتي أشعر بأن موسيقاها تنبعث من الألوان لتطربني».

بعد سنوات أربع من الدراسة والتدريب في كلية "الفنون الجميلة" يرى "كوتي": «الخبرة التي يكتسبها الطالب عند تنفيذه لمشروع تخرجه توازي خبرة السنوات الثلاث الأولى من الدراسة وعن نفسي أقول إني اكتسب الكثير من الخبرات والمهارات فيما يخص مجال دراستي في فن التصوير الجداري، لكن يبقى الطموح يرحل بنا إلى أفق أعلى ولم يقبل أحدهم الطموح بما هو عليه، أعتقد أني حلمت يوماً أن أكون بالمستوى الذي أنا عليه اليوم إلا أنني بعد هذه النتيجة الآن بدأت أحلم حلمي الجديد والأنضج».