إبداع متنقل حائر بين الضجيج والزحام، لا يملك إلا ثقافة المشي والتوقف، يستند على تراكمات حسية ومادية لثقافة الأشياء، ارتسمت الحياة أمامه بكوادر ثابتة وملونة، تراه واقفاً عند إحدى الزوايا أو في الحدائق العامة والساحات الرئيسية في المدينة، حاملاً بيده كاميرته الفورية مصدر رزقه الوحيد، الذي يحاول أن يشكل بها كادراً أفضل لحياته.

إنها مهنة التصوير الفوتوغرافي الفوري، التي لا تعتمد على محل أو أستوديو خاص وآلات ومواد تحميض، رأسمالها الكاميرا الفورية وإبداع المصور الفنان، الذي يعتمد على توثيق لحظات شخصية، ليولد لنا وبسرعة لحظات تشكل باجتماعها حياة كاملة لأي مصور فوري.

تعلمت التصوير ومارسته منذ سنة 1970 في محل تصوير اسمه "قرطبة" في "دمشق"، حيث كنت أصور بالأبيض والأسود فقط، ولكن مع مرور الزمن واختلاف الأحوال المادية وبحثاً مني عن التجديد، امتهنت التصوير الفوري، الذي يعتمد على المشي في شوارع ومناطق أثرية وسياحية في المدينة، ظروف التصوير الفوتوغرافي الفوري أصعب من التصوير في الأستوديو، حيث تتحكم بالإضاءة وظروف العمل الجيدة، أما هنا فعليك أن تسيّر ظروف الكادر كلها لصالحك وبسرعة لتولد صورة جميلة، امتهنت التصوير الفوري في شوارع "دمشق" منذ 15 عاماً، والآن أنا متواجد فقط في "ساحة المرجة" وبجوار "قلعة دمشق" و"سوق الحميدية، أعمل يومياً حوالي 10 ساعات، أعتمد بشكل شبه كلي على السياح والزوار الذين ربما يحملون كاميراتهم المتطورة في أيديهم، لكنهم يصرون على التقاط صور توثق زيارتهم لسورية من كاميرتي التي يرجع عمرها إلى عام 1979 منذ أن اقتنيتها، ألجأ أحياناً إلى بعض المناسبات والمعارض السياحية والثقافية لأصور فيها، كمعرض الزهور مثلاً في حديقة تشرين، أجيد التعامل مع زبائني فأنا لا أحشر وأفرض نفسي وكاميرتي عليهم مثلما يفعل البعض من باب التخجيل مثلاً، فلكامرتي ومهنتي هوية ووجه حضاري أحاول الحفاظ عليهما طالما بقيت حياً. حفظت كل شبر من هذه المناطق التي أعمل فيها، فارتسمت كوادر ثابتة في مخيلتي وبأوضاع مختلفة حتى بات العمل شبه روتيني أو تلقائي، ولكن لا بد أن يعشّق بالإبداع اللحظي وهنا يتميز مصور عن آخر، "دمشق" تعني لي الكثير، فبالإضافة إلى أن هذه بلدي، فإن تاريخها وأشياءها هي مصدر رزقي

أحد أبطال هذه المهنة هو العم "صابر أبو محمود"، الذي لا تستطيع وأنت تعبر بمحاذاة قلعة دمشق إلا وأن تلمحه، يستفزك منظره ويجذب انتباهك ولو للحظات، لكن أليست هذه اللحظات هي التي يعتمد عليها لكسب رزقه؟، تحدث لنا "العم صابر" عن مهنته قائلاً:

كادر ثابت بجوار القلعة

«تعلمت التصوير ومارسته منذ سنة 1970 في محل تصوير اسمه "قرطبة" في "دمشق"، حيث كنت أصور بالأبيض والأسود فقط، ولكن مع مرور الزمن واختلاف الأحوال المادية وبحثاً مني عن التجديد، امتهنت التصوير الفوري، الذي يعتمد على المشي في شوارع ومناطق أثرية وسياحية في المدينة، ظروف التصوير الفوتوغرافي الفوري أصعب من التصوير في الأستوديو، حيث تتحكم بالإضاءة وظروف العمل الجيدة، أما هنا فعليك أن تسيّر ظروف الكادر كلها لصالحك وبسرعة لتولد صورة جميلة، امتهنت التصوير الفوري في شوارع "دمشق" منذ 15 عاماً، والآن أنا متواجد فقط في "ساحة المرجة" وبجوار "قلعة دمشق" و"سوق الحميدية، أعمل يومياً حوالي 10 ساعات، أعتمد بشكل شبه كلي على السياح والزوار الذين ربما يحملون كاميراتهم المتطورة في أيديهم، لكنهم يصرون على التقاط صور توثق زيارتهم لسورية من كاميرتي التي يرجع عمرها إلى عام 1979 منذ أن اقتنيتها، ألجأ أحياناً إلى بعض المناسبات والمعارض السياحية والثقافية لأصور فيها، كمعرض الزهور مثلاً في حديقة تشرين، أجيد التعامل مع زبائني فأنا لا أحشر وأفرض نفسي وكاميرتي عليهم مثلما يفعل البعض من باب التخجيل مثلاً، فلكامرتي ومهنتي هوية ووجه حضاري أحاول الحفاظ عليهما طالما بقيت حياً.

حفظت كل شبر من هذه المناطق التي أعمل فيها، فارتسمت كوادر ثابتة في مخيلتي وبأوضاع مختلفة حتى بات العمل شبه روتيني أو تلقائي، ولكن لا بد أن يعشّق بالإبداع اللحظي وهنا يتميز مصور عن آخر، "دمشق" تعني لي الكثير، فبالإضافة إلى أن هذه بلدي، فإن تاريخها وأشياءها هي مصدر رزقي».

صديقة العم صابر

كتلة من الأحاسيس والمشاعر، يضاف إليها (أصنص) من الإبداع، تتجول في أرجاء "دمشق"، تقّلب المدينة القديمة على شكل لقطات توّثق في مخيلة هذا الرجل، الذي أعطى بإحساسه بعداً جمالياً أكثر من كاميرته الفورية، فقزحيته هي التي تلون وتشكل لوحات لها (كاريزمتها) الفريدة.

بعيداً عن التفكير التجاري والاقتصادي لمهنة "العم صابر"، لكنه يشكل طقساً عبثياً يتعاضد به مع عدسة كاميرته التي لا تفارق كتفه الذي اعتاد عليها، ويديه اللتين أدمنتا وأحسنتا محاورة تفاصيل الكاميرا وبلغتها التي تريدها، ليكوّن لنا شكلاً فنياً يرتسم أمام أعين المارين في القلعة القديمة، كاميرا "العم صابر" هذه هي بطلة القصة دائماً، وهي الجاذب الوحيد عند الكثيرين، لكن "العم صابر" يضفي بعفويته وبساطته حس الفكاهة في التعامل مع زبائنه، ليخلق ثقافة خاصة به تميزه عن نظرائه من المصورين الفوريين، وأصبح هذا الرجل الآن جزءاً من كادر جميل في "دمشق" المدينة القديمة، التي لطالما كانت تشكل كوادره طوال أيام عمله.

صورة ولكن ليست بكاميرا العم صابر