كانت احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية /2008 فرصة لإطلاع الجمهور السوري عامة والدمشقي خاصة على عددٍ من التجارب الموسيقية المعاصرة في سورية والعالم، حيث كان ملف الموسيقا المعاصرة أحد أهم ملفات الاحتفالية، وأكثرها غنى وتنوعاً.

فعلى مدى عامٍ كامل احتفلت "دمشق" بموسيقا العالم على طريقتها الخاصة، حيث رددت جدران قلعتها التاريخية أصداء موسيقا أفريقيا وأمريكا وألمانيا وسويسرا، كما احتفلت دار الأوبرا بموسيقا "أنور إبراهيم" من تونس، و" ميرديث مونك" من الولايات المتحدة، وفي قصر العظم كان اللقاء مع "معلومة بنت الميداح" من موريتانيا، بينما كان ثالث ثلاثاء من كل شهر الموعد الأكثر حميميةًً مع التجارب الموسيقية السورية المعاصرة على مسرح مجمع "دمّر" الثقافي..

أظن أن السر يكمن في الناس لا يختلفون على حبهم للموسيقا، وهي أصلاً تحمل طابع الاحتفال..

كل تلك الفعاليات الموسيقية المميزة وأكثر، استعادها موقع "eSyria" مع " جمانة الياسري" المسؤولة عن ملف الموسيقا المعاصرة في احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية/2008.

من ليالي موسيقا العالم " أجليك كيدجو".

"جمانة الياسري" خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية – قسم الدراسات المسرحية، وكانت من أول المنضمين إلى فريق عمل الاحتفالية منذ الشهر الأول من العام /2007، التقينا "جمانة" في مقر الاحتفالية بمجمع "دمّر" الثقافي، بينما كانت تسطر تقاريرها الأخيرة عن عملٍ لم يعرف التوقف على مدى عامين متتاليين.

بدأنا حديثنا عن رؤية الاحتفالية لملف الموسيقا المعاصرة، وعن ذلك قالت "جمانة": «أردنا في الاحتفالية أن نقدم للجمهور السوري نماذج مختلفة من الموسيقا العالمية المعاصرة، وذلك عبر استضافة عروض موسيقية عربية وعالمية مميزة لم يسبق مشاهدتها في سورية، وعلى هذا الأساس قسمنا الجمهور إلى جمهور عام، وجمهور متخصص من الموسيقيين يمكن أن نفتح لهم آفاقاً جديدة من خلال التواصل مع عددٍ من التجارب الموسيقية العالمية، كما أردنا في الوقت ذاته أن ندعم اتجاهات الموسيقا المعاصرة في سورية، عبر إقامة الحفلات لعددٍ من الفرق الموسيقية الشابة الناشطة في هذا المجال..»

ثم استعرضنا مع "جمانة الياسري" أهم محطات العروض الموسيقية الدولية في برنامج الاحتفالية: «كان لدينا محطات مهمة في هذا البرنامج، ففي شهر "شباط"/2008 أقمنا حفلتين للموسيقي التونسي "أنور إبراهيم"، وكانت من أنجح الحفلات، وفي شهر "آذار" استضاف مسرح الأوبرا بدار "الأسد" للثقافة و الفنون حفلة للمغنية الأميريكية "ميرديث مونك" التي تعتبر مدرسة في الموسيقا الحديثة بما تقدمه على صعيد التأليف والتلحين والغناء، ولــ "ميرديث" مشوار غني بدأ في ستينيات القرن الماضي ومازال مستمراً إلى الآن في الأوبرا والسينما والوتريات، ووجودها في الاحتفالية خلال العام الماضي كان من أهم الأحداث على برنامج الاحتفالية.

ثم أتت ليالي موسيقا العالم في شهر" تموز"، وانطلقت فكرتها أن نأتي بالموسيقا إلى "دمشق" من أماكن بعيدة، وأن نشتغل على هذا النوع الموسيقي "world music" الموسيقا الآتية من تراث الشعوب والممتدة باتجاه المستقبل، هذه الموسيقا ليست تراثية تقليدية بقدر ما هي متجددة جداً، وموسيقا العالم بشكل عام مرتبطة بأفريقيا بما فيها من تنوع وتلون، وكان أهم ما في هذه الفعالية تقديم الموسيقا الأفريقية في سورية لأول مرة وبأكثر من صورة، والأهم منذ ذلك الإقبال الجماهيري الذي لقيته هذه الحفلات ومن شرائح عمرية واجتماعية مختلفة، حيث كان لدينا جمهور تم تقديره بحدود الــ /2000/ شخص يومياً، على مدى خمس ليالي.. »

تضع اللمسات الأخيرة على حفل " إبراهيم كيفو" شهر 12-2008

وتابعت "جمانة": «ليالي موسيقا العالم كان لها امتدادها في شهر "أيلول"، حيث استضاف قصر "العظم" التاريخي بــ "دمشق" المغنية الموريتانية "معلومة بنت الميداح"، وهي موسيقية عربية أفريقية مهمة جداً، بالإضافة إلى كونها أحد أعضاء البرلمان الموريتاني، ومن أهم النساء العربيات الناشطات في مجال حقوق المرأة، حفلة "معلومة" كان لها صداها المميز في المدينة رغم انشغال الدمشقيين بشهر "رمضان" المبارك، ثم أتى ختام برنامج الموسيقا المعاصرة في شهر "كانون الثاني" /2009 مع المغنية الفلسطينية "ريم بنا"، وحفلة "ريم" برأيي هي الختام الطبيعي والأصح لبرنامج الموسيقا المعاصرة في الاحتفالية، وكانت من أكتر الحفلات التي طالب بها الجمهور منذ أن بدأنا التحضيرات لهذا البرنامج.. »

وفيما يتعلق بالحفلات التي أقامتها الاحتفالية لدعم الفرق الموسيقية السورية الشابة قالت "جمانة الياسري": «تم إدراج كل تلك الحفلات ضمن إطار إحدى الفعاليات الثابتة على برنامج الاحتفالية (ثالث ثلاثاء من كل شهر)، وهي فعالية بسيطة وغير مكلفة وفي غاية الأهمية، كنّا نقيمها باستمرار على مسرحٍ صغير بمجمع "دمّر" الثقافي، يتسع المسرح لــ/300 / شخص، والدعوة عامة.

تكمن أهمية هذه الفعالية بأنها جمعت خلال عام واحد أهم التجارب الموسيقية الشابة في سورية، وأكثرها احترافاً، حيث قررنا منذ البداية التوجه للشباب المحترفين. انطلقت الفعالية في شهر"آذار"، وتلونت بألوان موسيقية مختلفة: حيث قدمت فرق "إطار شمع، باسل رجوب، وارتجال" أنماطاً متنوعة من موسيقا الجاز، كما قدّم "خالد جرماني" نموذجاً للتجديد في الموسيقا الشرقية، وغنت "مزكين طاهر" ألواناً موسيقية منوعة من المنطقة الشمالية في سورية، في حين قدّمت فرق:"أنس آند فريندز، جين، ومرمر": موسيقا الــ ( بوب والروك، والفونك)، كما انتقينا مجموعة مهمة من الشباب الموسيقيين السوريين هم: "خالد عمران، ناريك عبجيان، فراس شهرستان" لتأليف موسيقا لثاني فيلم صامت في تاريخ السينما السورية : "تحت سماء دمشق"..»

وأضافت "جمانة": «كنا نحاول دائماً القول بأن الموسيقا المعاصرة ليست فقط موسيقا شبابية، بل كنّا نسعى بشكلٍ مستمر لتأكيد هذه المقولة، باعتبار أن معظم الموسيقيين السوريين الشباب يخطون باتجاه الموسيقا الغربية، ويجب أن نأخذ تجاربهم بالكثير من الاحترام و الجدية، ولابد من توضيح المفاهيم للجمهور في هذه المرحلة عبر تقديم المزيد من الأمثلة الموسيقية، ومن الملفت أن جمهور(ثالث ثلاثاء من كل شهر) لم يقتصر فقط على الشباب وإنما العائلات، وكان الجمهور مفاجئاً بتنوعه وشرائحه العمرية المختلفة، ودائماً كان عدده أكثر من المتوقع، وهذا بحد ذاته كان نجاحاً لنا.. »

برنامج الموسيقا السورية المعاصرة في الاحتفالية لم يكن مسرحه "دمشق" فقط، حيث استضافت مدينة "أوزنابروك" الألمانية عدداً من التجارب الموسيقية السورية المعاصرة ضمن مهرجان "مورغن لاند: بلاد الشرق" في أواخر شهر "أيلول"/ 2008، وذلك احتفالاً بــ "دمشق" عاصمة الثقافة العربية، وعن ذلك قالت "جمانة" : «كان مهرجان هذا العام تحت شعار "دمشق" عاصمة الثقافية العربية، وبمشاركة الموسيقار "نوري اسكندر"، والأوركسترا السورية للجاز، والعرض الموسيقي "تحت سماء دمشق"، و"رباعي وجوه"، كما شارك في المهرجان عازف العود السوري "كنان إدناوي" بقطعة ألفها لهذه المناسبة عزفت مع أوركسترا "ميونخ"، ولقيت هذه المشاركات صدى طيب، وكتبت عنها الصحافة الألمانية.. »

وعن السر في كون الفعاليات التي نظمتها "جمانة" خلال العام الماضي من أكثر الفعاليات جماهيرية، ابتسمت قائلةً : «أظن أن السر يكمن في الناس لا يختلفون على حبهم للموسيقا، وهي أصلاً تحمل طابع الاحتفال.. »

تجربة العمل في احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية /2008 كان لها أثرها على الصعيد الشخصي والمهني بالنسبة لــ "جمانة الياسري"، وعن ذلك قالت : «أضافت لي الاحتفالية الكثير على الصعيد الشخصي والمهني، حيث خضت تجربةً مهمة جداً على الصعيد العملي، أما من الناحية الإنسانية فجمعتني مع باقي فريق الاحتفالية علاقات جميلة وقوية جداً سادها الكثير من المرح رغم ضغط العمل الشديد، وأهم ما في هذه التجربة أننا كنّا نحب عملنا كثيراً، و لدينا إحساس عالي بالمسؤولية.. »

وختمت بالقول: «واجهتنا بعض الصعوبات، لاسيما في تأمين المتطلبات الفنية للفرق العالمية التي دعوناها، لكننا نجحنا في التغلب عليها، ويبقى في ذاكرتي ساعات العمل الطويلة التي كنّا نقضيها، لكننا جميعاً نتذكرها بكل حب، وربما حان وقت الراحة».