"زياد الشحف" خبير سوري في فنون القتال.. دائم البحث عن الفلسفة الرياضة والطبية، والتعمق في علم التأمل والقدرة الحيوية والطاقة الكامنة في النفس والجسد، مواظباً على تقديم علمه وخبرته للآخرين.. دؤوباً على ذاته في التمرين الحازم.

eSyria calendar كان له مع المدرب الدولي هذا الحوار، مستفسراً خلاله عن أبعاد "الكاراتيه" كفن ومذهب صوفي، وعلاقتها بالتركيز والمجال الحيوي في الطبيعة، وذلك أثناء لقائه في 13/1/2009 بمركز "الشباب الرياضي" في حي التضامن "بدمشق".

تميز "زياد الشحف" بفن "الكاته" ـ القتال الوهمي، وأبدع بمجال القوى الجسدية الكامنة.. وأظهرها في عروض مهارية تتطلب قوة عالية في التنفيذ، عمل خارجاً مع خبراء "الكاراتيه"، ونقل خبرته إلى "سورية" كمدرب فذ، تخرج على يديه أسماء لامعة في "دمشق"

  • ما أسس الوعي التـأملي برأيك؟ من جانب الرؤية البصرية، والإصغاء الموسيقي للطبيعة؟
  • ** يعتمد الوعي التأملي على قوة التركيز الذهني، وتفريغ الشحنات الفكرية الحاصلة بمركز المعاينة المخصص عن طريق التأمل الخيالي، بمعزل عن الرؤية البصرية، ثم الإصغاء للذات بجمع الحواس بنقطة واحدة، وأمر الذات بالسيطرة على النفس، وتسليط البصر بعد السيطرة على الهدف المراد بقوة تركيز عالية تستخدم الشحنات الدماغية المفرغة من الشوائب.. هذا التوحد يصل به المتأمل إلى القدرة الذهنية العليا فيبلغ السمو التأملي، وتحدث الإفادة من الطاقة البصرية المحققة.

    أما موسيقا الطبيعة فهي من أقوى مكونات الصفاء الروحي، لأن الإصغاء يكون بالحس والبصيرة قبل السمع، والجلوس التأملي جانب مياه ساكنة في طبيعة ربيعية عند شروق الشمس أو غروبها يتحرر العقل من الشحنات السلبية ويكتسب طاقة إيجابية، والبصر يأخذ مداه في الرؤية والتركيز، وبلوغ السمو الذهني.

  • يمكنك وصف تأثير تلك الأسس على النفس؟ وانعكاسها على مرونة الجسد؟
  • ** لمواظبة على رياضة التأمل تغذي الطاقة العقلية، المتحكمة بتأدية الحركات القتالية الدفاعية أو الهجومية، ومع التمرين الجسدي يصبح الأداء ليناً ومرناً، والرضا الحاصل على مدار السنين، يستبدل العنفوان وشراسة القتال إلى الرقي والصفاء الدائم وبالتالي طرد العدوانية من النفس، والالتزام بالقتال الفكري والتعامل الإنساني، وهنا تتجلى الخبرة والقوة والمقدرة، عندما يصل مقاتل الكاراتيه إلى مرحلة تستدعيه مواجهة أشخاص ما بعنف، يصبح أقوى إذا أجاد التحكم بالنفس، والسيطرة على الأعصاب، وحقن الغضب والعنف بالحكمة والهدوء وحسن التصرف، فإذا لجأ إلى الحركة مهر في استخدامها والتحكم في أثرها وخطورتها، وهذه الإجادة تنتج عن خبرة في التأمل الذهني، وسيطرة عقلانية على القوة الكامنة في الجسد.

  • من أساسيات "الكاراتيه" البعد الروحي، ما تصورك لهذا الجانب؟ علماً أن الغالبية تمارس اللعبة بعيداً عن هذا التفكير؟
  • ** مذهب "الكاراتيه" مبني على البعد الديني والروحي وانعكاسهما على الذات الإنسانية، فمنذ 5000عام نشأت هذه الرياضة في "الهند" كفن "بوذي"، ومنذ 2000عام انتقلت من "الهند" إلى جزر "إيكوناوا" في "اليابان"، وهناك اكتشفها الخبير الياباني "فونا كوشي جيشن" وطورها كفن قتال، مبدؤه الدفاع عن النفس بيد خالية من السلاح ونوايا مفرغة من العدوانية، وهو مؤسس "الكاراتيه" في العالم، ولحق به المعلم الصيني "ويب مان"، وأخذ ذات الفن إلى "الصين" طوره وسماه "الكونغ فو"، درّس بعد ذلك كلا الأسلوبين في "الصين واليابان" كفن صوفي لتطوير مقدرات الجسد، وكشف خفايا الطاقة الكامنة، وترويض النفس بتعذيبها وتعويدها الصبر والاحتمال، وخاصة في حروب الشوارع.. وتطورت المهارة في استخدامه عبر المراس الحركي والارتقاء التأملي، وبعد انتشارها في العالم كثيرون من ابتعدوا عن مبادئها وروحانيتها، واستخدموها للقتل والاعتداء على الآخرين بوحشية وفوضى دون رادع ديني أو ثوابت خلقية، والبعض عمل على تدريبها دون خبرة أو شهادات.. فباتت عند الكثيرين رياضة عابرة مجردة من بعديها الأساسيين.

  • في الجوهر المكنون لهذا الفن العريق، علاقة حيوية بين أسلوب القتال والطبيعة، واختلاف الفصول، ما تحليلك لهذا التصور؟
  • ** معروف أن القتال متعلق بالطاقة الجسدية، فكلما أحسن المقاتل استخدام الطاقة الكامنة في جسده كلما ازدادت مهارته الأسلوبية في تأدية الحركات القريبة من الأرض والعالية، والطبيعة لها دورها في تغذية الطاقة عبر العلاقة الحيوية بينها وبينها "الروح والنفس والعقل" والإفادة من طاقة "الين واليانغ" الشحنات السالبة والموجبة المتولدة من سقوط الشمس على الطبيعة وحركة الريح، وتعاقب الفصول، فالمقاتل يمكنه تخزين الطاقة الحيوية، لتغذية قواه الفكرية والجسدية، خصوصاً فصل "الربيع" من خلال تحسس الجمال وملامسته في الربيعيات من أوراق شجر وأغصان وزهور.

  • زرت "اليونان" لعدد من السنوات، ما الظواهر التي أثارت اهتمامك هناك في علم القتال؟
  • ** الأسس الأخلاقية والروحية المفروضة في تعلم فنون الدفاع عن النفس.. كتعويد الذات الإنسانية على الصبر، وتربية الروح على التعطش القتالي، والاستفادة من الطاقة العقلية في المواجهة قبل الجسدية، إلى جانب الحرص على معنويات اللاعب المرتفعة، وصدق الكلمة وحسن التعامل أثناء التدريب.

    الإشعاعات الحيوية لها خاصية الشفاء

  • ماذا عن القوى الكامنة في النفس.. وفعلها إن اكتشفت ونميت؟
  • ** كل إنسان يمتلك قوى كامنة في داخله متواصلة مع قوى كونية خارجة عنه ومحيطة به، لكن المسألة تعود إلى اكتشاف هذه الطاقة وكيفية التحكم بها واستخدامها دون تردد، كالتحكم برفع كرسي في الهواء مثلاً أو كسر لوح زجاجي بأشعة العين، أو القيام بحركات قتالية أو احتمالية خارجة عن المألوف البصري، أو شفاء المناطق المصابة عن طريق المجال الحيوي الأثيري، وهو وجه آخر من المعرفة الرياضية.

  • الشفاء بعلم المجال الحيوي ـ "الباربسيكولوجبا"، ما منظورك إليه؟
  • ** يمكن الشفاء بالمجال الحيوي عند تخصص المعالج بدراسة أعصاب الجسم، مهامها ونهاياتها والنقاط الأساسية التي تجتمع بها، وطرق معالجتها بالتدليك والمراهم أو بالمجال الحيوي الأثيري أو الإشعاعات الحيوية غير المرئية الصادرة عن مكامن الطاقة في الجسم، بحيث تتبع النهايات العصبية فتبلغ النقاط المصابة وتعمل على شفائها، كذلك المعالجة الفيزيائية لها أهمية بالغة في علاج الألم دون اللجوء إلى العمل الجراحي، كعلاج "الضمور العضلي، والمناقير، وانزلاق الفقرات، وتجمد المفاصل، والتشنجات العصبية والعضلية".

  • تقيم في فترات معينة من السنة عروضاً مهارية للطاقة الكامنة، كالمشي على الجمر الملتهب أو الزجاج، أو وضع اليدين في الرماد الساخن، كيف وصلت إلى هذه المقدرة؟
  • ** بعد السنين التي قضيتها في التمرن والبحث عن المعرفة الرياضية، وتمسكي بالبعد الديني والروحي "للكاراتيه" وصلت إلى مكامن الطاقة في داخلي، وعملت على إنمائها، والعروض أتت مؤخراً، عندما أجدت السيطرة عليها والتحكم بها، وقوة التركيز تبقي الجسد قوياً قادراً على احتمال الألم.

  • تحطيم سماكات الطوب بالرأس واليدين، ما وصفك له كعلم، وتحليلك له كفعل؟
  • ** كعلم هو دراسة نقاط الضعف في سطح السماكات بصرياً، وتحديد قياسات صحيحة لها، بشكل متوازن مع قياس بعد الفراغ بينها وبين الأرض. أما كفعل فتعتمد على قوة اليد والرأس، والضرب بثقة على موضع الضعف في السماكات دون تردد مع تركيز دقيق عليه، ومع سرعة الضغط والعودة يحدث تفريغ للطاقة الكامنة بالنقاط المحددة فيتم التحطيم..

    الأجمل أن يقدم المرء معرفته لبلده

  • فن "الساي والساموراي" هلا أوضحت لنا عمقه التاريخي، وبدايتك معه؟
  • ** "الساي والساموراي" فن قديم جداً، نشأ في "اليابان" قبل اكتشاف الأسلحة الحديثة، وهو خاص بحماية الملوك.. وقد استخدمته القوات العسكرية اليابانية كمهارة باستخدام السيف، ومواجهة الدخلاء القادمين للاعتداء والسطو.

    وبدايتي معه كانت في "لبنان" بإشراف المدرب السوري "مروان أرناؤوط" وأكملتها فيما بعد في أكاديمية "كوين كان" ـ اليونان" بإشراف شقيقه "لؤي"، وفي "سورية" لا يوجد اعتراض على تدريبها، لكنها تحتاج إلى اتحاد رسمي، ولجان تحكيم.

  • "الكبودو".. ما خطورة استخدامه في القتال؟
  • ** "الكبودو" مجموعة أسلحة يابانية مثل: "البودو، والسايل، والساموراي، والنيشاكو، والصن شاكو، والتونغا، والكيندوـ السيف الخشبي"، وهي قاتلة إن ارتكب خطأ في استخدامها أثناء التمرين أو في القتال.

  • لو أردنا حادثة خالدة في معالم الذاكرة لديك، ماذا يمكن أن تقول؟
  • ** كان ذلك في "بيروت"، فقد تعرضت لحادث صدامي مع فئة من الأشرار، حاولت تفادي الواقعة بالهدوء واللين، لكني لم أجد تجاوباً من الخصوم بل مواجهة عنيفة، فأجبرت عندها على استخدام بعض الحركات الدفاعية ليس من أجل الإيذاء، وإنما لإبعاد الخطر عن نفسي، "فالكاراتيه" في النهاية رياضة أخلاق تقوم على مبدأ تهذيب النفس، والتأني في ردود الفعل، والتواضع..

  • الغريب أن تميزك هذا يخولك التجوال في دول العالم، واستثمار طاقاتك في إحداها، لماذا لم تفعل؟ وفضلت البقاء هنا رغم الواقع الضيق للرياضة؟
  • ** الأجمل أن يقدم المرء معرفته وخبرته لبلده لأنها الأحق، وأنا ولائي لوطني "سورية"، رغم ضيق الأفق الرياضي فيها، وأرجو أن تتسع الرؤية أكثر، وتصبح الفرص مهيأة للرياضيين فتستثمر طاقاتهم بشكل أمثل عوضاً عن سفرهم للخارج.

    سمات رياضي

    حول سمات المدرب، قال الخبير السوري "خالد الآظون"، حائز على 5 دان في "الكاراتيه" و2دان "فايت نايت" محترفين ـ القتال الحر: «تميز "زياد الشحف" بفن "الكاته" ـ القتال الوهمي، وأبدع بمجال القوى الجسدية الكامنة.. وأظهرها في عروض مهارية تتطلب قوة عالية في التنفيذ، عمل خارجاً مع خبراء "الكاراتيه"، ونقل خبرته إلى "سورية" كمدرب فذ، تخرج على يديه أسماء لامعة في "دمشق"».

    وقال "حمدان السالم" مهندس معماري ومشرف على مركز "الشباب الرياضي": «تستند فنون القتال إلى جانبين عملي يعتمد على الخبرة والتمرين والأداء الفني المتقن، ونظري يهذب شخصية اللاعب وطريقة تعامله وأخلاقه مع الآخرين.. والغاية من توازن الجانبين بلوغ التفوق والمعرفة الرياضية، والمدرب الناجح هو من يملك تلك المقومات والأبعاد وينقلها كرسالة علمية إلى المتدربين.. وهذا ما يتسم به الخبير الرياضي "زياد الشحف" في تدريسه لفنون وأخلاق القتال».

    في سطور

    ولد الخبير الرياضي "زياد الشحف" في بلدة "مردك ـ السويداء" عام 1972، بدأ رحلته مع فنون "الكاراتيه" بعد انتسابه في سن 9 إلى نادي "شهبا" الرياضي في "السويداء"، بإشراف المدرب السوري "عدنان عامر"، وهو من مؤسسي اللعبة هناك.

    في العام 1990 تابع تدريبه في مدينة "زحلة ـ لبنان"، والتحق بدورات تدريبية خاصة في "بيروت" بإشراف الخبير العالمي "هيتوشي كاسويا"، وحصل منه على شهادة تدريب دولية، وفي العام 1996 غادر إلى مدينة "أثينا ـ اليونان" والتحق بأكاديمية "كوين كان" لفنون القتال وحاز فيها على حزام أسود ـ 4دان، ودبلوم في علم فلسفة التدريب والتحكيم، ونال أيضاً عدة بطولات أوروبية محلية..

    لم يكتفي "الشحف" بذلك بل عمل على تطوير نفسه بإجراء دورات خاصة بالمعالجة الفيزيائية والتدليك والمسّاج الطبي، والتحق بدورة مماثلة في "تركيا"، ونال في رياضة "الأيكيدو ـ 2 دان، والكبودوـ 3دان، والتشاينينز بوكسينغ ـ 2 دان، والكاراتيه دو ـ 4 دان، والساي، والساموراي ـ 3 دان"، وهو عضو سابق في مجموعة الاتحاد الأوروبي المشترك، وله موسوعة رياضية قيد النشر، تتحدث عن أدب القتال، ومقومات اللاعب الناجح، وأسس إتقان "الكاراتيه".