«تتميز شخصية الرحالة باللياقة البدنية والثقافة اللغوية والاجتماعية الكبيرة، كما عليهم أن يكونوا أصحاب فطنة وسرعة بديهة في تدارك الحدث الآني، إضافة إلى معرفتهم الجيدة بالآلة التي سوف يتجولون عليها المناطق المستهدفة من قبلهم، وعلى الرحالة قبل كل شيء أن يتخذ من نفسه سفيراً لبلاده ووطنه ويعرف العالم على معالمه وثقافته التاريخية والوطنية الماضية والمستقبلية».

هذا ما تحدث به الرحالة العربي "عدنان حسني تللو" لموقع eSyria بتاريخ 22/11/2008 وأضاف يقول: «لقد أمضيت أكثر من سبعة عقود من الزمن وأنا الآن في عقدي التاسع، وعندما أفكر بالماضي ومدى المعاناة التي مررت بها أقف مذهولاً أمام نفسي قائلاً: ماذا فعلت بعد كل هذا، قمت برحلة حول العالم وعلى دراجتي النارية، وقابلت كبار الملوك والرؤساء في العالم ووقع على سجلي الذهبي أكثر من مائة وخمس وستين توقيعاً من زعماء العالم وقادتها، وبعد أجلس الآن على كرسي ولا أحد يفكر في هذا الرحال العربي الأول كيف يعيش الآن ومن أين يعيش، سؤال أتركه بين يدي أصحاب الشأن بذلك لأسرد رحلتي ومعاناتي إلى موقع eSyira تاركاً هموم عيش جانباً مستذكراً معاناتي التي لا توصف»

لقد أمضيت أكثر من سبعة عقود من الزمن وأنا الآن في عقدي التاسع، وعندما أفكر بالماضي ومدى المعاناة التي مررت بها أقف مذهولاً أمام نفسي قائلاً: ماذا فعلت بعد كل هذا، قمت برحلة حول العالم وعلى دراجتي النارية، وقابلت كبار الملوك والرؤساء في العالم ووقع على سجلي الذهبي أكثر من مائة وخمس وستين توقيعاً من زعماء العالم وقادتها، وبعد أجلس الآن على كرسي ولا أحد يفكر في هذا الرحال العربي الأول كيف يعيش الآن ومن أين يعيش، سؤال أتركه بين يدي أصحاب الشأن بذلك لأسرد رحلتي ومعاناتي إلى موقع eSyira تاركاً هموم عيش جانباً مستذكراً معاناتي التي لا توصف

بداية أنا من مواليد "حي القنوات" "بدمشق" عام 1918، والدي "حسني تللو" من أشهر ظرفاء "دمشق" وممن كانوا يضفون الفرح والمرح أثناء سهراتهم وجلساتهم،عرفت عائلتي من خلال تاريخها بمحاربة الاستعمار الفرنسي، وقد حكم علي من قبل الفرنسيين بأحكام كثيرة نتيجة لقيام بعمليات ضدهم.

شهادة الدكتوراه

في بداية عام 1957 كانت رحلة فريدة من نوعها في العالم العربي ومغامرة كبيرة على الدراجة النارية وبمفردي حيث قمت بزيارة أربع وستين دولة في خمس قارات في العالم، وقطعت خلالها 153 ألف كيلو متر، ووضعت عنها كتاباً ضخماً يتجاوز 800 صفحة دوّنت فيه التفاصيل المثيرة في هذه الرحلة التي استمرت سبع سنوات، وعرضت فيه الحوادث العجيبة والمفاجآت التي مررت بها، ومقابلاتي مع ملوك وزعماء العالم الذين حصلت على تواقيعهم، وخلال رحلتي لابد من حدوث عوائق كالحادث الذي واجهني عندما صدمتني سيارة شاحنة في "سيراليون" بتاريخ 1962 فهشمت ساقي وحوضي وبعض من عظام صدري، لكن العناية الإلهية كانت رحيمة بي، إذ استطعت بعد سلسلة من المعالجات في عدة دول أن أنهض لليسير على قدمي، وقد أفردت في كتابي فصلاً عن هذا الحادث الرهيب الذي تعرضت له».

وعن فكرة الرحلة وبدايتها وكيف أضاف قائلاً: «في سنة 1944 قمت برفقتي الأستاذ "فؤاد حبش" والمرحوم "مظهر تللو" برحلة على دراجة هوائية إلى معظم المدن السورية ومنها مدينة "حلب الشهباء واللاذقية وطرابلس" التي دامت الرحلة أكثر من ثلاثين يوم، كانت هذه الرحلة فاتحةُ لعدة رحلات وأهمها رحلتي أيضاً مع الأستاذ "فؤاد حبش" إلى "لبنان الشمالي" عن طريق "بعلبك دير الأحمر" ومنها إلى قمة "ظهر القضيب" وهي أعلى قمة في "سوريا ولبنان"، وفي رحلتنا تلك تعرضنا لكثير من المعاناة العوامل الجوية السيئة إذ كانت في فصل الشتاء والبرد قارص جداً، الأمر الذي جعل دراجة زميلي "فؤاد حبش" تتعطل فاضطررت أن أحمله على دراجتي وفي نزول جبلي قوي حتى وصلنا إلى مدن والقرى ثم إلى "بيروت" ومنها إلى "بلودان" لحضور المخيم الكشافي الأول وبعدها إلى "دمشق".

عندنان تللو على كرسيه

أما بالنسبة لرحلتي على دراجة نارية حول العالم، فقد كانت بمفردي حملت الإثارة مع ما حملته من معلومات وخرائط وصور من مختلف أنحاء العالم، وقد نشرت تلك الصور التي التقطتها آنذاك مع ما كتبته عن الرحلة في مجلة "الأيام" الصادرة يومها في "دمشق" وبعض المجلات والصحف العربية والأجنبية، بدأت برحلتي منطلقاً من دمشق عاصمة التاريخ والثقافة حاملاً على دراجتي النارية أغراضي الشخصية، واضعاً العلم السوري على سارية الدرجة ولوحة بالمناطق التي أمر بها متوجهاً بالبداية لزيارة "المملكة الأردنية الهاشمية" حيث كانت في بداية نهضتها الحديثة، ومن "الأردن" انطلقت إلى "القدس الشريف" عام 1957 لزيارة "المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة وبيت لحم"، ثم عدت إلى "الأردن" لانتقل إلى "بغداد" وزيارة "كربلاء والنجف والكوفة" وفيها قمت بتقديم العديد من المحاضرات وتحدثت عن آثار "بابل"، ومن "العراق" إلى "إيران" ثم "باكستان" وزرت ضريح الشاعر "محمد إقبال"، ومن "باكستان" إلى "الهند" وقبل خروجي من الهند قمت بإعداد كتاباً خاصاً عن القارة ا"لهندية" متضمناً لغاتها ولهجاتها وآثارها وأضرحتها ومعابدها وحدائقها، وكذلك عن "تاج محل" أحدى عجائب الدنيا وكيفية استقبال الزعيم "جواهر لال نهرو" ومن "الهند" توجهت إلى "الصين" إلا أن واجهتني صعوبة في الأمور الإدارية فلم أحصل على تأشيرة دخول الأمر الذي جعلني أقطع ثلاثة آلاف كيلو متر عائداً إلى "دلهي" لأتوجه إلى "الاتحاد السوفياتي" عن طريق "أفغانستان" التي زرت فيها غالبية مدنها وخاصة عاصمتها "كابول" لأنتقل عن طريقها إلى "الإتحاد السوفياتي" ماراً "بطشقند" ودار الأوبرا وحدائق الأطفال، وفيها قمت بإعداد دراسة عن المسلمين في "طشقند" وكانت دراسة قيمة، أما "موسكو" فزرت الجامعة والمناطق المهمة والمعارض وقصر "الكريملين" ثم انتقلت إلى "لينينغراد" ومتحفها الشهير ثم "فنلنده" إلى "السويد" وفيها لم أجد نفسي غريبا على دراجتي النارية إذ أن أكثر أبناء "السويد" يركبون الدراجات في تنقلاتهم كما الحال في "بريطانيا" وبلدان "الكومنولث" ثم قطعت 2000كم حتى وصلت "استوكهولم" حيث تعتبر هذه المدينة المحرك الرئيسي للسياسة بين عواصم الدول "الاسكندنافية"، ومن ثم انتقلت إلى "النرويج" حيث المنازل مبنية على التلال تحيط بها الأشجار والزهور وزرت عاصمة "أوسلو" ولاحظت فيها الأسواق وأعمال النساء مثل الحبكة، وكانت حديقة "التيفولي" من أجمل ما لفت اهتمامي في "الدانمارك" مع جمال النساء الذي لا يوصف ووجود عدد كبير من المخيمات مفتوحة ليلا نهارا لاستقبال السياح والرحالة وقد عقدت في مدينة "أروس" أجمل مدن "الدانمارك" مؤتمراً صحفياُ تحدثت فيه عن رحلتي ومن ثم سافرت إلى "برلين" عاصمة "ألمانيا الديمقراطية"، وقطعت 600كم إلى "صوفيا" عاصمة "بولونيا" وفي "وارسو" عرفت ما قاست تلك المدينة من أيام الحرب مع النازيين وسجلت ذلك بالتفاصيل لأنتقل إلى "تشيكوسلوفاكيا"، التي تسمى مدينة الألف برج وبعدها غادرتها إلى "براغ هنغاريا" وتمتعت بالنظر إلى نهر "الدانوب"، وزرت "بودابست" وانتقلت إلى "النمسا" لأسترجع في ذاكرتي أسم عاصمتها "فيّنا" وأغنية الموسيقار "فريد الأطرش بصوت اسمهان" /ليالي الأنس في فيّنا/ بالإضافة إلى آثارها ومتاحفها ولاحظت أن رجال الشرطة فيها هم أكثر رجال الأمن دماثة في العالم، وفي كل بلد أنزل فيه وبعد أن أعقد خيمتي يتهافتون رجال الصحافة علي لينشر في اليوم التالي عن الرحالة العربي الذي جاء إلى بلدهم على دراجة نارية فيبدأ العرب يبحثون عن إقامتي وندر أن زرت مدينة إلا وأقمت فيها ندوة حوارية عن رحلتي وبحضور الجالية العربية وكبار الشخصيات الرسمية.

وبعد "النمسا" كانت "ألمانيا الاتحادية" ثم "ميونخ"، مهد النازية، ورأيت إصلاح ما أفسدته الحرب كما شاهدت متحفها الشهير، وتحدثت عن مدينة "مانهايم" التي دُمرت بالكامل في الحرب ثم أعيد بناؤها، وتبيّن لي من جميع هذه الرحلات أن أهالي البلاد التي زرتها يعرفون القليل عن البلاد العربية، وذلك نتيجة لانعدام وجود الإعلام العربي لكنهم يفاجؤون بجود العلم السوري على سارية الدراجة، وتقديم مجموعة من المنشورات عن تاريخ سورية وحضارتها، وكنت أدون في كل منطقة أصل إليها على لوحة مرفقة في دراجتي ليعرف العالم كم مدينة زرت وإلى البلاد التي إليها وصلت.

في البرازيل

وفي "إيطاليا" تعرضت لحادث مروري ثاني بسبب الضباب ولكنه انتهى على خير، وانطلقت من "إيطاليا" إلى "إسبانيا" في الباخرة، بعد أن تعذر علي دخول "فرنسا" بسبب حرب "السويس" حيث مررت "بمدريد وبرشلونة وآثار الأندلس"، وشهدت رقص "الفلامنكو" ومصارعة الثيران، بعدها ومن "إسبانيا" إلى "البرتغال" حيث استغربت حقيقة أن الشعب "البرتغالي" متأثر بالعادات والتقاليد العربية أكثر من شعب المغربي، وعدت إلى "إسبانيا" لأنتقل منها إلى "المملكة المغربية"، حيث جمال الطبيعة فيها يأخذ بمجامع القلوب، وقد تمكنت من زيارة مدينة "طنجة"، وضريح "ابن بطوطة" الرائد الكبير للرحالين العرب الذي ذكر أن أهم رحلاته الأولى عندما كان قاصداً "مكة المكرمة"، ومررت "بمراكش والجزائر وتونس وطرابلس وبلاد العجم والأناضول"، لأقوم برحلة ثانية إلى "الأندلس" مروراً "بطنجة وسبتة وجبل طارق وملقة وغرناطة رجوعاً إلى فاس"، ورحلة ثالثة إلى "بلاد السودان" ثم رجوعي إلى مقري "بفاس".

وفي كلَ أنحاء العالم التي مرر بها الرحالة العربي أو أقامت بها دونت ذكرياتي وثبت لحظة العمر في صور مع مقابلاتي للشخصيات العالمية من ملوك ورؤساء الذي منهم من دوّن توقيعه وكلماته السامية في أرشيفي وجميعهم يمدحون ابن "سورية" ويبدون إعجابهم إذ كنت أضع علم "سورية" على سارية ويبقى مرفرفا لأنه محفوظا بقلبي.

يذكر أن الرحالة العربي "عدنان حسني تللو" قد منح من الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية درجة الدكتوراه الإبداع في طموحات الإطلاع، والسؤال هل هذا يكفي لرحالة كمثله وبإمكانياته أن يبقى منتظر الصحافة تكتب عنه بدورياتها دون تعويض مادي له ليعيش كما يعيشون الرحالة العاديين في العالم وبأقل إمكانية مما قدم لبلادهم؟.