نشأ الفنان التشكيلي "معتز البشار" وسط أسرة متوسطة الحال في "دمشق" عام 1970، لديه أربع شقيقات وأربعة أشقاء وهو الأوسط بينهم، ومنذ الطفولة تنقل مع أسرته، كثيراً بين المناطق الريفية والجبلية، مثل "يبرود وعين منين"، فكوّن لديه ذلك تنوع بالمشاهد الواقعية، يجمعها ويختزنها في ذاكرته حتى يفرغها فيما بعد إلى لوحات مثالية الطرح في التشكيل، ولم يكن

يعلم مصيره في البداية، حتى توضحت معالمه خلال المعايشة ونداءات الموهبة الفطرية التي أوصلته بتلبيته لها إلى مكانته الفنية في وقته المعاصر، أما الإضاءة الأولى في حياته، فكانت أثناء زيارته منطقة "معلولا" مع خاله وهو فنان تشكيلي، فجلسا هناك للتأمل والرسم، ومن مشهد تشكيلي تتكون فيه جوانب الطبيعة، بدأ هاجس يتكون لديه، وهم إيجابي بأنه سيصبح فناناً ذات يوم، وشعوره هذا بات يذكره الآن في مرسمه وبين محبيه وفي مذكراته، يقول: «في تلك اللحظة شعرت بالرضا لأني أيقنت شيئاً مما سيوصلني إلى الخيوط، التي أعبر من خلالها إلى أفق الخيال والتعبير غير المحدود بنهاية، إنه وهمٌ إيجابي لكن لا تضاهيه متعة».

دراسة الواقع المنظور

وخلال نشأته في كنف "دمشق" واجتيازه الصعوبات التي مرت به، أقام أربعة معارض شخصية توج بها تجربته في التشكيل، المعرض الأول كان في الرسم الواقعي، والثلاثة الباقون تعلق موضوعها حول بحث تجريدي يستلهم الفراغ والفضاء اللوني كعنصرين أساسيين في اللوحة، يحيطهما بطقس صوفي صامت يخص طريقته وتعامله مع العمل. إلى جانب هواية مفضلة لديه وهي التعمق في قراءة تاريخ الفن التشكيلي السوري والاطلاع على المثولوجيات القديمة وما وجد من كتب تتحدث عن الفلسفة والديانات.

بنا "البشار" خليطه التجريدي وقف دراسة للواقع المنظور والإبحار به إلى ما بعد الشكل أو ما خلف الواقع من التصور اللامحدود، "الميتافيزيقيا"، فكانت عناوين معارضه "عوالم مفترضة، كونيات، حوار في نقطة".

ويقول هنا لـ"eSyria" التي التقته في مرسمه الكائن في حي "القيمرية" إلى جوار كافيتريا "تمر حنة" في 18/8/2008: «حققت أعمالي حضوراً لأن بحثي التجريدي تعلق بإيجاد فراغ من خلال خط يشكل معه صدمة وجوده أو كتلة لونية متقشفة المساحة، صغيرة الحجم، تسيطر على أجزاء اللوحة ككل، تثير قلقه وتعترض استقراره».

موقف من الذاكرة

وحول موقف جميل يختاره من خبايا ذاكرته، يقول: «قدمت من منطقة "عين منين" إلى "دمشق" باحثاً عن عمل، وبعد عناء واجهته وتحيّر وصلت إلى سوق المهن اليدوية، فسرت عبر شارعه الطويل قاصداً "التكية السليمانية"، فجأة صادفت فناناً تشكيلياً يدعى "ناجي عبيد" فسألته عن عمل، فقال: «ماذا تعمل»؟ قلت له: «أرسم»، فأعطاني صورة فوتوغرافية عن "دمشق القديمة" وقال لي: «ارسمها فإن أعجبتني اللوحة سأشتريها منك»، من هنا بقيت أسبوعاً كاملاً أعمل عليها وتدفقت في مخيلتي أحلام وردية بأنني سأرسم غيرها العديد من الأعمال وأبيعها، والصدمة أن الفنان لم يشتري اللوحة بعد انتهائها لأنها لم تحقق الشروط التي طلبها، فكوّن ذلك في نفسي ردّة فعل قوية بأن أصبح أفضل منه وأكون فناناً محترفاً».

وفيما يتعلق بالحكمة المستخلصة من حياته، يقول: «الموهبة الحسنة، حياة مثالية تستحق المغامرة، والبحث عن خطوات جريئة وثابتة لتحقيقها، دون التفكير بالتردد والتراجع، وأما تحقيقها والعمل بها يؤصل الذات ويعمق الوجود والحس الإنساني».

جرأة في القناعة والتفكير

ويقول الفنان التشكيلي السوري "غازي عانا" حول سمات الفنان وخصوصيته في العمل: «"معتز البشار" فنان جريء في دفاعه عن أفكاره وقناعاته ضمن مسار تجربته وفضاءاتها المفتوحة على أكثر من احتمال، وهو المجرب دائماً في المادة المكتشفة والمستنبط لمفردات غاية في البساطة لا تشابه في شكلها أو تشكلها المحدث أي مألوف للعين أو مما حفظته الذاكرة من مشاهدات مباشرة في زحمة المعارض التي تقام يومياً».