على الرغم من صغر سنها استطاعت دخول عالم البحث العلمي من أوسع أبوابه، وأصبح اسمها لامعاً بين أهم المخترعين السوريين، فعملت واجتهدت وطوّرت أبحاثها بما يخدم مرضى الشلل الرعاشي.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت مع الدكتورة "نور مجبور" بتاريخ 25 نيسان 2020 لتحدثنا عن مسيرتها فبدأت بالقول: «ولدت في "الإمارات العربية المتحدة" من أبوين سورييّن، وجئت إلى "سورية" بعد الانتهاء من مرحلة الثانوية العامّة لدراسة الصيدلة في جامعة "دمشق"، وتخرجت عام 2010، كنت من الأوائل على دفعتي، وبالسنة الأولى خلال دراستي الجامعية حصلت على جائزة "الباسل" للتميز، وعملت لمدة سنة قبل عودتي إلى "الإمارات" لأكمل دراسات عليا للماجستير في مجال العلوم الطبية والعلوم الصيدلانية، وانهيتها خلال سنتين، وكنت أيضاً من الأوائل على دفعتي.

لا توجد مرحلة مفصلية في حياتي بل كان لدي العديد من المحطات المهمة، وفكرة الاغتراب ليست فكرة سهلة خصوصاً أني بمفردي في "قطر"؛ لكني أؤكد دوماً على أهمية الرسالة التي على المرء التمسك بها وإيصالها على أكمل وجه، وهذا ما يدفعني للاستمرار، ونحن بحاجة دوماً للدعم من الأهل الذين يمسكون بيدنا في كل لحظة نقرر التوقف بها عن العمل والطموح

عند بدئي بدراسة الماجستير كان لدي شغف كبير في علوم الدماغ لأنه يتحكم بالحركة والمشاعر وكل شيء في الحسم، وهنا حاولت اللحاق بشغفي من خلال اختيار رسالة ماجستير تتعلق بعلم الدماغ، فعملت على الأمراض المتعلقة بالتقدم بالعمر مثل مرض (باركسنون، الزهايمر، والدمنشيا)، وكان أكثر تركيزي على إيجاد طريقة للبحث عن البروتين الذي له دور في إحداث المرض، ودراستي للماجستير جعلتني أتعلق أكثر في هذا المشروع، وقررت أن أكمل دراستي للدكتوراه في مجال قريب من موضوع رسالة الماجستير، وعلى إثره حصلت على قبول من جامعة "VO" في "أمستردام" العام 2015، وكان تركيزي في مشروع التخرج على كيفية تطوير الوسائل القادرة على تشخيص مبكر لمرض (باركنسون)، وما يسمي بمرض الشلل الرعاشي».

أثناء إلقائها محاضرة تتحدث عن مشروعها في إحدى المؤتمرات

أكملت حديثها عن مشروع التخرج قائلة: «تشخيص المرض يعتمد على فحص عينات من الدم، وعينات من السائل الدماغي الشوكي، ومن خلال هذه الفحوصات نستطيع تحديد البروتين الذي يغير شكله تحت ظروف معينة، فكانت فكرتي تدور حول سؤال واحد: لماذا يعيش بعض الأشخاص لعمر الثمانين والتسعين دون الإصابة بفقدان الذاكرة أو المعاناة من مشاكل في الحركة، وبالمقابل يوجد أشخاص يتم تشخيص حالتهم كمرضى (باركنسون) على الرغم من صغر سنهم، وهذا كان محور رسالتي للدكتوراه، وتخرجت في عام 2019.

وفي عام 2018 شاركت في برنامج "نجوم العلوم" بموسمه العاشر، وحصلت على المركز الثاني بعد إثبات نظريتي في المشروع الذي قدمته، والذي تدور فكرته حول تطوير وسيلة تشخيص لمرض (باركنسون) بحيث تكون بسيطة وغير مكلفة وسهلة التوفر والاستخدام في أي مخبر، ولا تشترط وجود مخابر عالية الجهوزية أو متطورة الأجهزة، وعن طريق قياس شكل معين من البروتين الممرض؛ ومن خلال تركيز هذا البروتين استطعت التمييز بين الأشخاص الأصحاء أو المرضى، حيث تكمن مشكلة هذا المرض أنه بمجرد أن يتم كشفه بعد ظهور الأعراض السريرية يكون تقديم العلاج في هذه المرحلة متأخراً جداً، فمعظم الخلايا العصبية تكون في حالة تلف، ومن هذا المبدأ قدمت مشروعي "كابي"، وكانت هذه التجربة ممتعة جداً، خصوصاً أنه كان لدي خجل وتخوف من الظهور على التلفاز، وأعدها تجربة تغير الشخص بمقدار 360 درجة فكرياً وعلمياً بدءاً بتطوير الشخصية وكيفية تعاملي وزملائي مع المجتمع، وكيف نقوم بتقديم معلوماتنا بطريقة بسيطة لمن هم أقل درجة علمية، وأيضاً تطوير بحوثنا من خلال الأجهزة المتطورة والتشارك فيما بيننا، وبالنتيجة كانت تجربة فريدة قادرة على إضفاء الخبرات الجديدة لنا»

أثناء مناقشة رسالة الدكتوراه

وأضافت عن المشروع الجديد: «"كابي" هي عدة تشخيص ذكية، وهي الحجر الأساس لأول شركة "بايوتك" في "قطر" كوني مقيمة هناك، وهذا الشيء الذي بدأت التركيز عليه منذ نهاية البرنامج في عام 2018 وحتى يومنا هذا، وتعتمد على فكرة تطوير الشركات الناشئة بحيث تستطيع إيصال الاختراع الذي قدمته إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس. أما عن عملي الحالي فأنا أعمل في مركز "قطر لبحوث الطب الحيوي"، ووظيفتي هي باحث مساعد، وتركيزي على طرق بحثي السابق، وأيضاً جميع الأمراض العصبية المتعلقة بالتقدم بالعمر، وأيضاً أقوم بتعليم البعض من طلاب الدراسات العليا الذين أشرف على مشاريعهم.

وفي جانب آخر تمت دعوتي لإلقاء المحاضرات في العديد من المؤتمرات التي تهتم بالبحث العلمي، فحاولت تسليط الضوء على أهمية المرأة في تطوير البحث العلمي سواء من خلال اليوم العالمي للمرأة في مجال العلوم، أو يوم المرأة العالمي، أو حتى من خلال وسائل الإعلام، حيث توجد نسبة كبيرة جداً من الفتيات اللواتي يحملن شهادات علمية سواء جامعية أو دراسات عليا مقارنة مع الفتيات اللواتي يعملن في مراكز البحث العلمي، وكثيراً ما أقوم بتشجيع الطالبات على المغامرة لأن فكرة البعض تدور حول أن مجال البحث العلمي للرجال فقط، وهنا يكمن دوري في التشجيع على إيجاد الحلول والتنظيم المناسب، وأحاول التركيز على فكرة أن البحث العلمي لا يقل أهمية عن الطب بتصنيفه كعمل إنساني وكل شيء يتطور ويبنى على البحث العلمي».

صورة من الحلقة الأخيرة بالموسم العاشر من برنامج نجوم العلوم لنور وزملائها

وتابعت في سياقٍ آخر: «لا توجد مرحلة مفصلية في حياتي بل كان لدي العديد من المحطات المهمة، وفكرة الاغتراب ليست فكرة سهلة خصوصاً أني بمفردي في "قطر"؛ لكني أؤكد دوماً على أهمية الرسالة التي على المرء التمسك بها وإيصالها على أكمل وجه، وهذا ما يدفعني للاستمرار، ونحن بحاجة دوماً للدعم من الأهل الذين يمسكون بيدنا في كل لحظة نقرر التوقف بها عن العمل والطموح».

"إلهام يحيى عبدي" طالبة من "كينيا" ومتدربة لدى "نور" قالت عنها: «هي شخصية مثابرة، مجدّة ومجتهدة، لديها شغف كبير بالعلم والأبحاث، ولا سيما أبحاث العلوم الصحية كمرض (الباركنسون)، عملت "نور" في السنوات السابقة على تطوير أدوات بحثية مبتكرة للتمكن من الكشف المبكر عن المرض، ونشرت أبحاثاً عديدة في مجلات مرموقة. وبجانب عملها كباحث مساعد، تقوم بتدريب طلاب الدراسات العليا على وسائل البحث المخبري، وتشرف على مشاريع العديد منهم؛ من ضمنها المشروع الخاص بي، وتتسم بشخصية قيادية غاية في التنظيم والتخطيط، كما أن لديها أسلوباً تعليمياً ممتازاً، ما ساعدني في فهم أسس البحث العلمي في بداية مشواري الدراسي».

يذكر أنّ "نور مجبور" من أصول سوريّة من مواليد "أبو ظبي" عام 1988.