جالت بين أروقة الأدب والفنّ بكلّ شغفٍ وإبداع، فنقلتها تجربتها إلى فضاءات ساحرة جمعت بين التشكيل والكلمات، كما أن أعمالها الأدبية ترجمت لعدة لغات، تم اختيارها ضمن أهم مئة كاتب على مستوى العالم من قبل منظمة "الصحافة الدولية"، كما أنها اختيرت من المثقفين العرب الأكثر تأثيراً ونشاطاً من قبل "الجمعية الدولية للمترجمين العرب".

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 16 نيسان 2020، مع الأديبة والتشكيلية "لبنى ياسين" المقيمة في "هولندا" لتحدثنا عن تجاربها المتنوعة فقالت: «نشأت ضمن بيئة مكتظة بالألوان والكتب والقصص والسياسة أيضاً، فأمي كانت ترسم، وأبي كان كاتباً، هذه البيئة تركت أثراً كبيراً في توجهي للكتابة والرسم، سواء أكان ذلك وراثياً أم بالاكتساب، كانت البدايات في معهد "أدهم إسماعيل" في "دمشق" هناك تعلمت الأسس الأولى لفني الرسم والنحت، لكنني لم أمارسهما بعده مباشرة، فقد كنت مشغولة بالأدب والصحافة، وحظي الكتاب بأهمية كبيرة في بيتنا، وطالما سمعت من المرحوم أبي أن الكتاب بأهمية أولاده، وكانت الفكرة تزعجني وقتها، وعندما كبرت أدركت قيمة ما يقوله والدي وكتبت مقالاً بعنوان "هل ما زلت أساوي كتاباً يا أبي؟" ومن خلال قراءاتي المبكرة كونت حصيلة معرفية ولغوية قيمة، وهذا التأثير المباشر الذي تركه كل كاتب قرأته له، بالإضافة إلى أنه أثناء عودتي لفن الرسم كان لدراستي الأكاديمية التي تلقيتها بالمعهد دور مهم في متابعة مسيرتي الفنية، وساهم زوجي الفنان "فائق العبودي" في تعليمي بعض التقنيات، وطورت موهبتي بالبحث والتجريب عن طريق الإنترنت».

القاصة السورية "لبنى ياسين" في مجموعتها القصصية الأولى "ضد التيار" تؤكد أنها كاتبة وأديبة صاحبة قلم له أسلوب بارع، فأهم ما يميز هذه الكاتبة هو انحيازها إلى طبقة البسطاء، لذلك فهي تأخذ من رحيق الإنسان البسيط الطيب وتغزل فناً

وعن العلاقة بين الأدب والتشكيل قالت: «لكل نوع أدبي أو فني مساحة حرة يجد الفنان أو الكاتب نفسه بها، فبالنسبة لي، أجد نفسي فيما أعمله سواء كنت أكتب حروفي أو أمزج ألواني بلوحتي، ولكن الفرق بينهما أن الحرية التي تمنحها مساحات اللوحة أوسع من تلك التي تكون في فضاءات الكتابة، فالكتابة تكون غالباً في منطقة العقل الواعي، أما في الرسم فإن منطقة اللاوعي هي التي تمسك بدفة التعبير، كما أن اللوحة كالقصيدة مرآة تعكس ما بداخلي من أحاسيس، وتارة تكون نافذة أطل من خلالها على العالم الخارجي، فمن خلال أعمالي لا أدري إن ارتبط الرسم بالكتابة بشكل أو بآخر، ولكنني كتبت قصيدة بعنوان "ثمة كلمات لا بدّ أن تقال" ورسمت لوحة استخدمت فيها الخط لأكتب عنوان القصيدة ليكون هناك ارتباط بين اللوحة والقصيدة».

مجموعة إصداراتها الأدبية

وعن رؤيتها للفن قالت: «الفن كان منذ بداية الإنسان بشكله البسيط العفوي، كالكتابات على الجدران التي دلت على حضارتنا ووجود الإنسان منذ القديم، كما أنه اللغة البصرية التي تخترق حاجز المسافات، وتصل إلى الجميع دون ترجمة، ربما كان الوضع الاقتصادي والسياسي سبباً في جعل الفن من الكماليات لدى أغلب الشعوب العربية، لكن هذا لا يمنع أنه بطريقة أو بأخرى وسيلة تسجيلية للمراحل المختلفة التي يمر بها المجتمع، وإلا لما كان هناك مادة تدرس تاريخ الفن على اعتباره تاريخاً وليس مجرد لغة بصرية جمالية مكملة للمشهد الثقافي».

وعن الأنواع الأدبية تابعت: «لم أعتمد في كتاباتي نوعاً أدبياً واحداً، وإنما تنوعت أعمالي الأدبية ما بين القصة والرواية والشعر والمقالات الساخرة، فكل فكرة تأتي بوعائها سواء كانت شعراً، أم قصة، أم مقالاً ساخراً، الفرق الوحيد بأجواء الرواية بطولها وامتداد وقت كتابتها، فالرواية تجعلك تنفصل عن الواقع، كأنك تعيش حياتين مختلفتين إحداهما ورقية والأخرى واقعية، كما أن أعمالي الأدبية والفنية، تعنى بالإنسان بالدرجة الأولى، ففي الفن أحب رسم الوجوه، لأنني أرى أن الوجه مرآة الروح، وفي الأدب سلطت الضوء على الإنسان المظلوم والفقير والمتعب والمهموم، كما أنني كتبت عن الوطن والحب والعلاقات الإنسانية التي احتلت جزءاً مهماً في نصوصي، فالإنسان هو شغلي الشاغل، وما أريده من خلال أعمالي هو إحداث تغيير ولو صغيراً نحو الأفضل، فالسعادة التي يمنحها شعورك بإحداث تغيير إيجابي لا توصف، أثناء عملي الصحفي، وفي ردود للقراء على بعض مقالاتي الساخرة، كان بعضها يخبرني أن هذا المقال أو ذاك أحدث تغييراً في نظراتهم إلى أمر ما، وبرأيي أنها الرسالة الأهم للإنسان بشكل عام، وليس للأديب، والفنان فحسب».

الأديبة "لبنى ياسين" في إحدى مشاركاتها الأدبية

قال عنها الأديب "أسامة أنور عكاشة": «القاصة "لبنى ياسين" أدهشتني في أول مجموعة قصصية لها تلك التي صدرت بعنوان "ضد التيار" والدهشة هي الانطباع الوحيد الذي يؤكد الجدارة، فالأدب الجيد هو الذي يدهش ويثير ذلك المزيج الساحر من التجاوب بالعقل مع ما يلمس أوتار القلب، وهذا ما لمسته في قصص "لبنـى ياسـين"، توقفوا أمام هذا الاسم راصدين متابعين، لأنه لكاتبة واعدة ومبشّرة سنقرأ لها كثيراً وندهش».

الكاتبة "فتحية العسال" رئيسة "جمعية الكاتبات المصريات" قالت عنها: «القاصة السورية "لبنى ياسين" في مجموعتها القصصية الأولى "ضد التيار" تؤكد أنها كاتبة وأديبة صاحبة قلم له أسلوب بارع، فأهم ما يميز هذه الكاتبة هو انحيازها إلى طبقة البسطاء، لذلك فهي تأخذ من رحيق الإنسان البسيط الطيب وتغزل فناً».

من مشاركاتها الفنية بإحدى المعارض في الصين

الكاتب "محفوظ عبد الرحمن" قال عنها: «التجربة الأولى دائماً مأزق، فهي تعرفنا إلى الناس، لكنها في الوقت ذاته تورطنا بصورة دائمة، ومن الصعب معرفة الكاتب من تجربته الأولى، إلا إذا كان مبدعاً حقاً مثل "لبنى ياسين" في مجموعتها القصصية الأولى، وبالتأكيد عندما تكتب مجموعتها الثانية ستكون أكثر رسوخاً، فهي تمتلك قدرات كبيرة، والقصة التي تصدرت مجموعتها بها التي حملت عنوان "موت صابر" تضعها بين كتاب القصة الراسخين، إنها أجمل مجموعة قصصية أولى».

الناقد التشكيلي" أديب مخزوم " قال عنها: «تتجه التشكيلية المغتربة "لبنى ياسين" في لوحاتها نحو الاختبار التشكيلي الحديث والمعاصر الذي يعبر عن ثقافة فنون العصر، فهي تركز على الموضوعات الإنسانية والوجوه، وتقوم بتحويرها و احتوائها ودمجها مع التجريد الهندسي كالمثلثات والمستطيلات والمربعات وبعض الأقواس والخطوط المستقيمة، وهذا يعني أنها تعمل على الاستفادة من مشاهداتها وقراءاتها لأعمال كبار الفنانين المعاصرين، فهي تستفيد من التجريدية في ملامح تغييب الأشكال في أقسام من اللوحة، وتستفيد من التعبيرية في ملامح تبسيط الوجوه والشخوص وإبرازها في أقسام من اللوحة، كما تبدو بعض لوحاتها قريبة من التكعيبية، رغم أن الأعمال منفذة بروح واحدة، وبذلك فهي تحقق في لوحاتها وحدة التنوع أو وحدة الاختلاف».

يذكر أن الأديبة والتشكيلية "لبنى محمود ياسين" مواليد "دمشق"، رئيسة تحرير مجلة "ننار" التي تصدر في "السويد" منذ عام 2016، ومراسلة لمجلة "حياة" في "سورية" سابقاً، عضو هيئة تحرير مجلة "حياة" في "السعودية" سابقاً، تم اختيارها ككاتبة من أهم عشرة كتاب عرب على مستوى الوطن العربي في القصة من قبل مؤسسة "نور الأدب للثقافة العربية"، فازت بالجائزة الأولى للقصة القصيرة لأدب المهجر في مسابقة "الهجرة" في "هولندا" عام 2014، ترجمت أعمالها إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإسبانية والإيطالية والبنغالية والهندية والكردية والبلغارية والروسية، أقامت العديد من المعارض الفنية في "هولندا" و"الصين" و"كوريا"، لديها عدة إصدارات منها:" السماء تخون أيضاً" و"نساء الأصفر" و"تراتيل الناي والشغف" و"رجل المرايا المهمشة" و"سيراً على أقدام نازفة"، و"ثقب في صدري"، و"شارب زوجتي" ومجموعة القصصية "ضد التيار" التي نالت من خلالها العضوية الفخرية للكاتبات المصريات وهي البادرة الأولى للجمعية في إعطاء العضوية لكاتب غير مصري عام 2003، وغيرها من الإصدارات الجماعية.