قدّمت الفنانة "فاتن المتولي" نفسها كإمرأةٍ دمشقيةٍ خارج بلادها من خلال لوحاتها التي حاكت فيها الأحداث وأعادت صياغتها بأسلوبٍ جديدٍ، فدفعتها تراكمات الحياة وامتلاء الروح لتعميق علاقتها باللوحة ليصبح التشكيل هاجساً وملاذاً.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 28 آذار 2020 مع الفنانة "فاتن المتولي" المقيمة في "هولندا" لتتحدث عن دخولها للوسط الفني فقالت: «الفن بالنسبة لي إحساس وخلق، والقدرة على إعادة تشكيل الأحداث والأشياء بأسلوب لا يشبه إلا نفسي، كنت سيدة اللحظة التي تلتقط ما يدور حولي منذ الصغر، حيث لجأت في البداية إلى عالم الحروف أرسم بالكلمات قصائدي المتواضعة وأشاركها مع الأصدقاء في منتديات أدبية في المرحلة الإعدادية والثانوية، ولكن الكلمة لم تعد تكفيني لإعادة تشكيل ما أختزنه من رؤى وهواجس، فبدأت بدراسة الفن التشكيلي من تصوير، رسم زيتي، ونحت في مركز "أدهم إسماعيل" للفنون التشكيلية في "دمشق"، إضافة لدراستي في كلية الآداب قسم اللغة الانكليزية في جامعة "دمشق".

نهضت من غيبوبة الأمس لأجد نفسي في أماكن غريبة غير مألوفة ولا تشبهني، وحدها ريشتي وألواني من أعاد لي توازناً كادت روحي أن تلفظه. عملت كمتطوعة في مركز الأنشطة الفنية للكبار، ونظمت دورات لتعليم الرسم والنحت والسيراميك، وشاركت في معارض جماعية متعددة ومفتوحة بالأسواق، وحصلت أعمالي على إعجاب وتقدير الكثيرين. وفي العام 2019 عملت كمساعدة معلمة في مدرسة هولندية

كان المركز نافذة لروحي وذاكرتي، ألتقط اللحظة وأعيد صياغتها بروح جديدة، كنت محظوظة بالمدرسين وقتها، منهم "ميلاد الشايب"، "حمود شنتوت"، "باسل أيوبي"، "يوسف البوشي"، "عدنان حميدة" و"أحمد النابلسي"».

من أعمالها الدمشقية

وتكمل عن مشاركاتها الداخلية: «شاركت في معارض مشتركة عام 1987،وكان لي معرضي الخاص في المركز الثقافي الروسي؛ حيث شاركت بمنمنات نحتية تعبيرية كانت تحمل طابعاً إنسانياً لحالات المرأة بشكل خاص وما تعانيه من انكسارات وإحباطات، وتلقيت جائزة عن تمثال "بورتريه" بالحجم الطبيعي للكاتب الروسي "أنطون تشيخوف"، وكانت عبارة عن جواز سفر ومنحة إلى "روسيا" لدراسة الفن التشكيلي، لكنني فضلت البقاء في "دمشق"، ومتابعة دراستي الجامعية، عملت تلك الفترة مراسلة في مجلة "المستقبل"، ومجلة "فن"، حيث أجريت عدة لقاءات مع فنانين تشكيليين ومسرحيين، وهذه الأعمال زادت من مخزوني الثقافي».

الظروف القاسية في ظل الأزمة دفعتها للسفر خارج "سورية" في العام 2016، ولكنها صنعت من نفسها في هذه المصاعب امرأة دمشقية قدمتها من خلال لوحاتها الفنية، حيث تقول عن ذلك: «نهضت من غيبوبة الأمس لأجد نفسي في أماكن غريبة غير مألوفة ولا تشبهني، وحدها ريشتي وألواني من أعاد لي توازناً كادت روحي أن تلفظه.

منحوتة لسيدة سورية قديمة

عملت كمتطوعة في مركز الأنشطة الفنية للكبار، ونظمت دورات لتعليم الرسم والنحت والسيراميك، وشاركت في معارض جماعية متعددة ومفتوحة بالأسواق، وحصلت أعمالي على إعجاب وتقدير الكثيرين. وفي العام 2019 عملت كمساعدة معلمة في مدرسة هولندية».

لكل فنان عمل خاص أو لوحة تكون هي الأقرب والأجمل بالنسبة له، فعبرت عن ذلك بقولها: «كنت دائماً العنصر المؤثر الذي يفرض نفسه على مساحة اللوحة، أشكلها كما لو أنها أنا بألوان لا أدرك مسارها أو حتى مكان استقرارها إلا بعد أن أنهي ما بدأت، فاللوحة بالنهاية هي توأم الفنان.

التحضير للوحة من السيراميك

منحوتة "دمشق" كما سميتها كانت المرأة -التي رغم حصارها- شامخة وصامدة بكل انكساراتها، كانت أنا بحضورها وغيابها، فالروح سباقة دوماً لاختيار مسكنها على المساحات البيضاء وفي كل تشكيل من صلصال، فأصيغ تفاصيل حياتي اليومية لنوع خاص من الفن من حيث الشكل والمضمون، هذا البوح الداخلي كان يعطيني سلاماً داخلياً يعينني على متابعة حياتي رغم فترات الألم».

الفن التشكيلي لم يكن بالنسبة لها طموح بقدر ما هو بحث مستمر عن كل ما هو جديد ومختلف، حيث قالت في ذلك: «نقلت وجهة نظري إلى مجموعة من الفنانين حيث أشعر بأن الشوارع ينقصها أعمال فنية نحتية وزخارف سيراميك لكسر روتين منظر الأبنية المتشابهة في كافة الأحياء، وقد لاقت الفكرة التشجيع والإعجاب، ولكن الوضع الحالي أجل العمل على تنفيذها، تعجبني مقولة للفنان العالمي "مايكل أنجلو" حيث كان يؤمن أن مصدر الفن هو الأحاسيس الداخلية التي تنتج من تأثير الفنان بالبيئة المحيطة، فالإنسان لا يتوقف عن البحث، والوصول ليس الغاية وإنما وجود البصمة هو الأهم».

"حسن إدلبي" فنان كاريكاتور قال عنها: «تتنوع أعمال الفنانة "فاتن المتولي" بين الرسم والنحت والسيراميك، لكل له لغته ورسالته البصرية، فالألوان أحياناً لا تفي بالغرض؛ فتلجأ للنحت أو لقلم الرصاص وغيره في رسم الطبيعة، ترسم ما تشعر لا ما تراه، فهي تتكئ على البصيرة لتنقل إحساسها ومشاعرها في أرض الغربة، تركت خلفها الحرب وأخذت مدينتها "دمشق" معها لتنهل منها وما بقي من ذكريات، وعندما رسمت بيت جدها كانت روح المدينة على الباب، وخلفه كل الأنين والحنين، كل هذا بأجواء صامتة كصمت الفنانة التي لم تبحث عن الشهرة يوماً، فهي تقول بأدواتها وتبوح بصرياً.

تجدها في النحت المرأة الحاضرة بقوة وأنفة وكبرياء، وفي وجه الحرب والظلم تقف في منحوتاتها صامدة قوية راسخة تمنح القوة للآخرين حولها، أما في أعمال السيراميك كأنها تجمع انكساراتها الملونة وتناغمها مع انكسارات السيراميك، والنتيجة أعمال مميزة أراها لأول مرة، وفي أعمالها حزن دفين مغلف بالفرح والأنين والحنين إلى "دمشق"».

يذكر أنّ الفنانة "فاتن المتولي" من مواليد "دمشق" عام 1966.