دخل عالم النحت مصادفةً، ولكنه أبحر فيه بكلِّ شغفٍ وحبّ، فجذبه فنُّ النحت الإيطالي، لتبدع أنامله بتشكيل منحوتاته الرخامية التي جسدت الإنسان بأحاسيسه ومعاناته، وكانت المرأة عنصراً مهماً بمنحوتاته لما لها من أهمية تعبيرية وجمالية، فحصد جوائز عدة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 17 شباط 2020، مع النحات "الياس نعمان" المقيم في "إيطاليا" ليحدثنا عن تجربته النحتية: «عندما كنت في السنة الأولى في كلية الفنون الجميلة "دمشق" دخلت قاعة النحت، وعندما لمست يدي لأول مرة الصلصال اكتشفت جانباً مهماً من ذاتي كنت لا أدرك أهميته ومدى عمقه في شخصيتي، وكأنني وضعت قدمي في بداية مستقبلي ومسيرة حياتي، بالإضافة إلى أنني كنت أرافق والدي في عمله كنجار فاكتسبت من خلاله مهارة العمل اليدوي، ولكن لم يخطر في ذهني حينها أنني سأوظف هذه الخبرة في عملي النحتي، فوالدي هو معلمي الأول في الحياة وفي مجال النحت أيضاً، كما أنني ابن مدينة "يبرود" الغنية بجبالها الصخرية وبتشكيلاتها الفريدة والمشهورة بتيجانها التي أثرت في عملي النحتي، فأنا أعتبر جبال مدينتي منحوتات عملاقة عريقة بتشكيلاتها المتميزة».

يبحر النحات "الياس نعمان" بعيداً في الرخام، يغويه، فيغوص بتفاصيله ويذهب لأبعد من الشكل ليلامس التعبير وعمق التعبير الداخلي جاعلاً الرخام يتألق بمنحوتات تعبر عن مكنوناته وهمومه، إنه يطلق إمكانية الرخام والحجر ليفتح بذلك آفاقاً تعبيرية للمادة وللموضوع حين يترك أثر الأداة بقرب سطح مصقول يريد أن يحدث فرقاً وتميزاً، فهو يتناول مواضيع إنسانية ما بين البورتريه والجسد والثنائيات التي يجسدها بعمله، بالإضافة إلى أنه مسكون بحب عميق يطفو برومانسية الفرسان على سطح منحوتاته، أعتقد أن علينا أن نفخر بهذه الطاقة والإمكانية لنحات سوري حقيقي، فهو دائماً يدهشنا بجديده

وتابع: «منذ بداية مشواري في كلية الفنون كان هاجسي وعشقي فن النحت الإيطالي في مرحلة عصر النهضة، فتوجهت إلى "إيطاليا" لتحقيق حلمي في دراسة النحت الإيطالي في أكاديمية الفنون الجميلة في "كرارا" المشهورة بمجال النحت، وتعرفت على الرخام الإيطالي الذي جذبني بلونه وتشكيلاته كونه الخامة الأنبل للنحت، فنحت جميع منحوتاتي به، وبدأت تراودني فكرة التخلي عن الأدوات الكهربائية والحديثة لتنفيذ المنحوتات، وبدأ بحثي عن الطرق التقليدية التي كانت مستخدمة منذ أكثر من خمسمئة عام مضى في تنفيذ الأعمال الفنية، وفعلاً تمكنت من تنفيذ منحوتاتي بالطريقة القديمة نفسها معتمداً على مطرقتي وإزميلي فقط، وخصوصاً أنّ العمل اليدوي يكشف عن تفاصيل عميقة، ويعطي للعمل لمسةً وجودةً خاصة تكون بيد النحات نفسه، فكان بحثي بحثاً معمقاً في طرق وأساليب النحت المباشر على الرخام يدوياً، وكان هذا البحث موضوع أطروحة تخرجي الأخير من أكاديمية "كرارا"، واكتشفت من خلال البحث أنّ تنفيذ المنحوتات بطريقة مباشرة دون وساطة الآلات تمكّن الفنان من نقل مشاعره وأحاسيسه بشكل مباشر وأكثر مصداقية في المنحوتات وتخلق حواراً متناغماً بين النحات ومنحوتته، فكل منحوتة تبدأ كحوار حبّ بيني وبين الحجر، وهو حوار عفوي لا أدري مصيره أو أيّ اتجاه سيسلك، ولكنني أبدأ بكل حماس وشغف لتفريغ كل ما بداخلي في الحجر، وعندما أشعر أنّ مكنوناتي وهواجسي وأحاسيسي تجسدت على الحجر أدرك أنّ المنحوتة انتهت وأنجزت بالشكل الفني الذي أريده، كما أن عملي في النحت هو مصدر متعة لا متناهية، وأصبح حاجة لا يمكنني الاستغناء عنها، فهو رافقني بكل أيامي وبكل ما أحمله من مشاعر مختلفة ومتغيرة».

من أعماله بعنوان "زنوبيا"

وعن مواضيع منحوتاته قال: «تدور مواضيع منحوتاتي حول الإنسان وأحاسيسه ومعاناته وكل ما تفرضه الحياة عليه من مشاعر متضاربة أحياناً ومتناغمة أحياناً أخرى، فالجسد الإنساني هو الوسيلة المثلى بالنسبة لي للتعبير عن كل ما يدور في داخلي، فهو الوسيلة الأجمل التي من خلالها تنطق الروح والحجر، ومن خلالها تخاطب أرواح من يشاهدها، وتأخذ المرأة الدور الأهم في منحوتاتي لما لها من أهمية تعبيرية وجمالية، وخصوصاً أنّ ما أقدمه هو فنّ إنساني مقدم للإنسان ويجب أن يكون مفهوماً ومقروءاً من الجميع، بالإضافة إلى أنّ بلدي "سورية" في السنوات التسع الأخيرة كان صدى وجع في كل ضربة لمطرقتي على إزميلي، وبرأيي أن الفن هو الوسيلة التي يعبر بها الفنان عما في داخله بطريقة جمالية تجسد آلامه وهواجسه الداخلية، وهو المؤشر والدليل على المستوى الحضاري الذي يعيشه المجتمع، والفنّان لا بدّ أن يكون ناقلاً لرسالة الفن بكل أمانة وصدق».

النحات "إياد بلال" قال عنه: «يبحر النحات "الياس نعمان" بعيداً في الرخام، يغويه، فيغوص بتفاصيله ويذهب لأبعد من الشكل ليلامس التعبير وعمق التعبير الداخلي جاعلاً الرخام يتألق بمنحوتات تعبر عن مكنوناته وهمومه، إنه يطلق إمكانية الرخام والحجر ليفتح بذلك آفاقاً تعبيرية للمادة وللموضوع حين يترك أثر الأداة بقرب سطح مصقول يريد أن يحدث فرقاً وتميزاً، فهو يتناول مواضيع إنسانية ما بين البورتريه والجسد والثنائيات التي يجسدها بعمله، بالإضافة إلى أنه مسكون بحب عميق يطفو برومانسية الفرسان على سطح منحوتاته، أعتقد أن علينا أن نفخر بهذه الطاقة والإمكانية لنحات سوري حقيقي، فهو دائماً يدهشنا بجديده».

الفنان "إلياس نعمان" في أحد الملتقيات النحتية بإيطاليا

الجدير بالذكر أنّ النحات "الياس نعمان" مواليد "ريف دمشق" "يبرود" عام 1980، دخل كلية الفنون الجميلة عام 1998، سافر إلى "إيطاليا" عام 2003 للالتحاق بالدراسة بأكاديمية الفنون في مدينة "كرارا الإيطالية". قدم أطروحته بعنوان "رحلة في النحت بين سورية وإيطاليا" وحصل على مرتبة الشرف، حصل على شهادة الماجستير في "الفن المقدس الكنسي" بعام 2011، أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية في "إيطاليا" و"سويسرا" منها: معرض فردي في غاليري "NAG "بيتراسانتا إيطاليا"، ومعرض جماعي في المركز الثقافي المصري في "روما" وغيرها. وحصل على الجائزة الأولى في معرض "ميلانو" عام 2015.

من أعماله النحتية