أربعون عاماً من العمل الجاد، مقيماً في مختبره ساعياً لترك بصمته في تاريخ الطب الإنساني، وفي عشقه لعمله هذا، نجح في تقديم لقاح "الإنفلونزا" للبشرية، ووصل إلى مرتبة البروفيسور الفخري لعلم الأوبئة في كلية الصحّة العامة بجامعة "ميتشغان" الأميركية.

نجح السوري "حنين فادلو مصعب" المهاجر من "دمشق" منذ أكثر من نصف قرن في أن يترك بصمته في تاريخ الإنسانية، وتحديداً في مجال الطب الوقائي، وتكريماً له قامت جامعة "ميتشغان" الأميركية بتخليد ذكراه بتقديم منح دراسية باسمه، فبعد جهد كبير وتركيز طويل الأمد استطاع أن يقدم للبشرية لقاحاً جديداً أنقذ ملايين الناس حول العالم، هذا اللقاح هو لقاح الرذاذ الأنفي للإنفلونزا "FluMist".

بدأت محاولاته الأولى لعزل هذا الفيروس منذ العام 1960، حيث تمكن من عزل فيروس الإنفلونزا من النمط A-Ann الذي ينتقل عبر مفصليات الأرجل، وبعد عقد تقريباً طوّر فايروساً من نفس العائلة متكيفاً مع البرودة، طور بعد ذلك لقاحاً ثلاثي التكافؤ، ومتكيفاً مع البرودة (التي هي أهم سبب في حدوث الإنفلونزا بكل أشكالها)، يتميز بكونه لقاحاً حيّاً مُضعّفاً، ويمكن استعماله بسهولة

عن مراحل وصول العالم "حنين" إلى هذا الاختراع، تتحدث لمدونة وطن "eSyria" الدكتورة "سعاد نزهة" في 20 حزيران 2014 طبيبة أطفال عامة من دائرة الرعاية الصحية، المختصة باللقاحات في مديرية صحة "اللاذقية" قائلة: «بدأت محاولاته الأولى لعزل هذا الفيروس منذ العام 1960، حيث تمكن من عزل فيروس الإنفلونزا من النمط A-Ann الذي ينتقل عبر مفصليات الأرجل، وبعد عقد تقريباً طوّر فايروساً من نفس العائلة متكيفاً مع البرودة، طور بعد ذلك لقاحاً ثلاثي التكافؤ، ومتكيفاً مع البرودة (التي هي أهم سبب في حدوث الإنفلونزا بكل أشكالها)، يتميز بكونه لقاحاً حيّاً مُضعّفاً، ويمكن استعماله بسهولة».

علبة اللقاح التي توزع عالمياً

بدأت قصة "العالم السوري" مع اللقاح منذ العام 1955، كما تقول جريدة "نيويورك تايمز" في عدد يوم 12 آذار 2014، حينما كان طالباً لشهادة الدكتوراه، يستمع إلى البروفيسور الطبيب توماس فرانسيس الابن (Tomas Francis. Jr) وهو يعلن للعالم في محاضرة في جامعة "ميتشغان"، في 12 نيسان عام 1955، أن لقاح شلل الأطفال الـذي طوَّره الطبيب "يوناس سولك (Jonas Salk)" آمنٌ وفعَّالٌ وقوي، وقد شهد العالم "مصعب" تجارب التلقيح التي نفذت وقتها على مليوني طفل أميركي، وكان أحد الفاعلين الميدانيين في الأمر، هذا الأمر ألهم "جون" أن يبدأ عمله في تطوير لقاح للإنفلونزا، وفي 18 كانون الأول من العام 2002 أقرّت اللجنة الاستشارية للُّقاحات والـمُنتجات البيولوجية في إدارة الأدوية والأغذية في "الولايات المتحدة الأميركيّة" أن اللقاح الذي أمضى البروفيسور "حنين مصعب" أربعين عاماً في تطويره، هو لقاح فعّال وآمن للأشخاص الأصحاء الذين تبلغ أعمارهم بين خمس سنوات و49 سنة، وتم ترخيص اللقاح في حزيران من العام 2003 تحت اسم "FluMist" (ويعني بالعربية "رذاذ الإنفلونزا")، كان هذا الإنجاز خلاصة عمل استغرق عقوداً أربعة حتى تم تتويجه لقاحاً رسمياً استفاد منه الملايين حول العالم، يقول البروفيسور "حنين" الذي تقاعد بعد هذا الإنجاز: "أشعر بأنَّني أنجزتُ حُلم حياتي، وقد أمضيتُ عمري كاملاً في تطوير هذا اللقاح".

كان الدافع الرئيسي الذي دفعه للعمل في هذا المجال، كما يقول العالم "مصعب" في تصريح له عقب انتهائه من اختراعه، ما شهده مطلع القرن من وفاة ملايين البشر، وخاصة فترة انتشار وباء الإنفلونزا القاتلة العام 1918 في مختلف دول العالم.

هكذا يعطى اللقاح

ولد الراحل "مصعب" في "دمشق" في حزيران من العام 1926، وبقي فيها حتى هجرته إلى الولايات المتحدة في العام 1947؛ حيث حصل في العام 1960 على الجنسية الأميركية، يذكر موقع "وزارة الصحة الأميركية" الإلكتروني أن "جون" كما لقب نفسه بعد هجرته إلى هناك، حصل على شهادة البكالوريوس في البيولوجيا عام 1950، والماستر في الفيزيولوجيا والصيدلة عام 1952، وكلاهما من جامعة ميزوري، ثم شهادتي الماستر في الصحة العامة عام 1954، والدكتوراه في علم الأوبئة عام 1956، وهاتان الشهادتان نالهما من جامعة ميتشغان، وعَمِل كباحثٍ مساعد بنفس الجامعة في قسم الأوبئة عام 1956، وأصبح باحثاً مُشاركاً عام 1957، ثُم بروفيسوراً مساعداً ومشاركاً عام 1960، وفي النهاية بروفيسوراً أعلى عام 1973، ورئيساً لقسم الأوبئة من عام 1991 حتى عام 1997، كما كان المؤسس والمدير الأول لبرنامج "المستشفى وعلم الأوبئة الجزيئي" في كلية الصحة العامة، وفي شهر شباط من عام 2003 لُقِّبَ بروفيسوراً فخريَّاً لعلم الأوبئة.

شكل العالم "حنين" علامة فارقة في تاريخ الطب العام، وأمراض الأوبئة، يتحدث عنه عميد كلية الطب العام في جامعة "ميتشغان" البروفيسور "مارتن فيلبيرت" (Martin Philbert) قائلاً: "قضى "جون" أكثر من 4 عقود في قسم الأوبئة لدينا، يبني عمله على نتيجةٍ تِلوَ الأُخرى ليطور اللقاح الذي نعرفه اليوم باسم "FluMist"، وهو إحدى إنجازات كُلِّيتنا التي تدعو للفخر، حيث يساهم اللقاح في تقليل انتشار الإنفلونزا وعدد ضحاياها في جميع أنحاء العالم".

في مراحل العمل للإنتاج

وفي شهادة أخرى، يقول النائب الـمُساعد لرئيس جامعة ميتشغان لشؤون تقنيات البحث كين نيزبت (Ken Nisbet): "كان مُلهماً للكثيرين منا في الجامعة وفي مجتمع الرعاية الصحيّة، ومثابرته لتطوير السلالات الحية لتركيب اللقاح أُسطورية، والنجاح التجاري لـمُنتح "FluMist" سمح باستثماراتٍ مستمرة من قبل الجامعة في البحث والتعليم، كما ألهمَ أجيالاً أُخرى من الطُلاب والباحثين، إلا أن القيمة الحقيقية لعمله تكمن في الملايين من الناس الذين حصلوا -وسيحصلون- على لقاحٍ مٌبتكرٍ ضد مخاطر الإنفلونزا".

عامل العالم الراحل طلابه كعائلة واحدة، يقول الرئيس القائم على تطوير لقاح الإنفلونزا في وزارة الصحة الأميركية "أرمين دونابيديان (Armen Donabedian): "حنين وَهَبَنِي مُستقبلي".

في الشهر الثاني لهذا العام في ولاية كارولينا الشمالية فارقنا "حُنين(جون) فادلو مصعب" عن عمر يناهز الثامنة والسبعين، تزوج من الراحلة "هيلدا قيصر زحكة" (1929-2006) في الـ18 من كانون الثاني عام 1959، وهي أيضاً عالمة سورية في مجال الأدوية، ورُزقا في شهر تشرين الأول من نفس العام بولديهما التوأمين "سامي وفريد".

وقد خلدت كلية الصحة العامة بجامعة ميتشغان ذكرى البروفيسور "حنين" عبر ثلاث منح دراسية تقدمها للطلاب في علم الأوبئة، ليكون اسم "حُنين" ملهماً في حياته ومماته أيضاً، وسبيلاً لفتح الطريق أمام آخرين يرغبون في تخليد أسمائهم في سجل العلماء الخالدين.

المصادر:

موقع وزارة الصحة الأميركية.

موقع جريدة نيويورك تايمز، عدد 12 آذار 2014.