الوقائع وحدها هي التي تؤكد صحة التجارب الفردية والجماعية فمن خلالها يمكننا تلمس طريق النجاح والفشل لتلك التجارب، وفي هذا المقام تبقى تجربة السيدة "هدى الزعبي" المغتربة السورية في السويد تجربة متميزة وتستحق تسليط الضوء عليها لمعاينة ظروف التجربة وتفاصيلها والوقائع التي راكمتها المرأة السورية في طريقها لاحتجاز حيز يخصها في الاقتصاديات المعاصرة سواء ارتبطت في القطاع العام والخاص.

"هدى الزعبي" تلك السيدة الدمشقية التي عملت وما تزال في مجال يندر أن تعمل فيه النساء، ورغم ذلك أثبتت وجودها بقوة من خلال العديد من الفعاليات التي نظمتها في المغترب. لقد تمكنت من صنع المستحيل في بلاد الغربة إثر إصرارها على متابعة رسالتها السامية التي حملها إياها الوطن "سورية" ذلك البلد الذي لا تلبث أن تحن إليه أكثر وتتعلق به في كل زيارة لها.

موقع eDamascus التقاها أثناء زيارتها إلى "دمشق" وكان الحوار التالي:

السيدة هدى مع أحد السياح

  • "هدى الزعبي" سيدة أعمال من أصل سوري مقيمة في السويد، البداية ماذا تحدثينا عنها؟
  • ** مراحل حياتي التي مررت فيها لا يشبه بعضها بعضاً وغير مخطط لها، فقد سافرت مع عائلتي في منتصف السبعينيات من القرن الماضي إلى ليبيا، ومن بعدها إلى السويد التي لم يكن في حسباننا السفر إليها. في معظم أسفاري كانت الظروف هي التي تحملني إلى أقداري وهي التي رسمت لي منحى حياة آخر في الغربة، لتحمّلني رسالة من موطني حيث نشأت إلى أوروبا. الرسالة كانت دعوات مفعمة بروح الشرق إلى الغرب ليتعرفوا على حضارتي العربية التي نشأت وترعرت في كنفها، باختصار كنت ولا أزال رسول محبة وسلام وتراث.

    أنا سورية الأصل من مواليد 1953 نشأت في بيروت، وتعلمت في مدارسها، لأعود من جديد إلى مدينتي "دمشق" التي لا تزال رائحة ياسمينها تسكن ذاكرتي ومن "حي الميدان" إلى الاستقرار في منطقة "الحلبوني" ليكون السفر محطتي الأخيرة.

  • تعملين في المجال السياحي وتنظيم رحلات سياحية من أوروبا إلى الشرق العربي، ألم تواجهي صعوبات خلال سنوات العمل خصوصاً أنه مجال ليس من السهل على المرأة أن تعمل فيه؟
  • السيدة هدى الزعبي

    ** بالنسبة لي لا أعتبرها صعوبات وإنما تحديات تجاه نفسي واجهتها بعد أن أحببت العمل في هذا المجال لا بل عشقته ووجدت متعة في ممارسته لما يقدمه للمجتمع. وأنا بطبعي كل ما أؤمن به لا بدّ أن أسعى لتحقيقه ليكون واقعا، فالسياحة لم تكن بمنظوري التمتع بجمال الأماكن التي تتم زيارتها وإنما لا بدّ من تعريف زبوني إضافة إلى الأماكن التي يرغب في زيارتها برسالتي السامية وهي التعريف بالحضارة العربية.

    وأنا كنت قد اتخذت على عاتقي حمل هذه الرسالة وإيضاح روعة الشرق وخاصة سورية، فالإعلام الغربي لا ينقل الصورة الصحيحة عن الشرق ولهذا لم أقتصر في جهودي إلى التعريف بالحضارة السورية وإنما حضارات كل الوطن العربي على اعتبار أننا كل واحد. لا أخفيك أن البداية كانت صعبة فأنا أعيش في بلد غريبة عنه ولا أعرف حضارته وربما هو الشيء الذي زاد من عزيمتي.

    فكرة عملي في المجال السياحي لم تكن واردة إلى ذهني في أول إقامتي بالسويد، ولكن ما حدث في ملجأ العامرية يوم 13/2/1991 في تمام الساعة الرابعة والنصف فجراً حيث وصلت هدية بوش الأب لأطفال ونساء العراق فكانت جريمة حرق ملجأ العامرية والتي كان ضحيتها (14 رجلا و 26 شابا و 89 طفلا و 73 طفلة و 66 شابة و111 امرأة)، الحدث الذي فجّر أحاسيسي وأظهر الحزن الدفين في داخلي، إلى أن التقيت بصحفي سويدي رآني وأنا أبكي بحرقة على ما حدث فقال لي حينها: "هدى إذا أردت مساعدتهم فيجب عليك أن تدرسي وتتعمقي بدراسة تاريخ بلدك"، لتعرّفي العالم برسالتك الشرقية السامية وهكذا كانت البداية.

  • قبل الحديث عن نشاطاتك الأهلية في السويد، كيف أسست لمشروعك السياحي الثقافي في بلد له ثقافة مختلفة تماماً؟
  • ** بدأت بتنظيم مجموعات سياحية بالتعاون مع وزارة السياحة وأصحاب الشركات السياحية إلى سورية وجميع الجهات المذكورة قد أبدت تعاونها معي. أقدّم للسياح العديد من البرامج السياحية والثقافية المتنوعة أهمها برنامج "على خطا Arn" وهو مشروع سياحي يختلف عن مشروعات السياحة العادية المتعارف عليها.

    Arn هو شخصية صليبية رسمها كاتب سويدي ليظهر لنا علاقة الاحترام التي كانت بين فارس صليبي و"صلاح الدين الأيوبي"، كان قد أصيب في إحدى المعارك، فأحسن "صلاح الدين" معاملته وطلب من طبيبه الخاص مداواته إلى أن تحسن.

    Arn أحب العرب وعندما عاد إلى بلاده طلب من "صلاح الدين" أن ينهل من الحضارة العربية، فكان له ما أراد وأرسل معه العلم والمال إلى أوروبا.

    وقد لجأت إلى هذا الرمز لكونه يخدم قضيتي ومشروعي وتطور هذا المشروع ليشمل مختلف أوجه الثقافة من مسرح وأدب وفن بالتعاون مع باحثين سويديين يعملون على شرح التراث العربي إلى السياح السويديين.

  • ذكرت لنا، أنك تحضرين لفتح فرع لجمعية ثقافية كنت قد أنشأتها في السويد بسورية، ماذا تحدثينا عن ذلك؟
  • ** الجمعية هي جمعية الثقافة العربية وهي ثالث جمعية أعمل على تأسيسها خلال إقامتي في السويد، فأول جمعية قد أسستها هي جمعية المرأة العربية والتي تهدف إلى لم شمل النساء العربيات المغتربات في السويد وتنظيم عدد من الأنشطة والفعاليات التي تخدم ثقافتنا العربية وأحد أنشطتنا الثقافية هو تأسيس فرقة للفنون الشعبية تدعى "زنوبيا". الجمعية قدمت فكرة إحياء التراث العربي الذي يتلاشى في معظم الأحيان لدى المغتربين وذلك من خلال الزي والأغاني والمسرح.

    الجمعية الثانية هي جمعية المرأة والشباب العربي والتي بدأنا فيها إضافة إلى التعريف بالتراث العربي بإقامة نشاطات فنية ورياضية واجتماعية أيضاً.

    ومن خلال علاقاتي في السويد مع المعنيين استطعنا أن نوسع أعمالنا لتظهر بذور فكرة إنشاء الجمعية الثالثة وهي الجمعية الثقافية العربية- السويدية التي تضم نخبة من العرب والسويديين المهتمين بالثقافة العربية، وهي جمعية أهلية غير ربحية تأسست عام 2001 في مدينة غوتنبرغ بالسويد من أجل إيضاح غنى الثقافة العربية وتنوعها الحضاري، فالجمعية ترى أن انتشار الثقافة العربية في أوروبا لم يعط التقييم الحقيقي والموضوعي لها مع العلم أن الحضارات الإغريقية والرومانية وغيرها قد تأثرت بالحضارة العربية.

    باختصار هدف الجمعية إبراز أن الحضارة العالمية كان مهدها الأول هو الوطن العربي.

    إيمانها، بأننا أصحاب رسالة وغيرتها الإيجابية، على كل ما تحب، وسمو رسالتها التي تهدف باختصار إلى بناء جسور ثقافية بين الدول، لإبراز أن الثقافة أسمى لغة للحوار، ومن هذا المنظور لجأت إلى السياحة لتكون بوابتها للدخول إلى الحضارة العربية.