يسهم الفنان الإسباني "داريو الباريث باصو" لدى زيارته إلى سورية بتقديم وجهة النظر الفنية عبر لوحاته وفنه ليشكل معبراً بين الشعوب بخطاب شاعري يمتلك محتوى اجتماعياً وثقافياً لتسهيل فتح الحوار بين الثقافات في عالمي الشرقي والغربي، حيث يغوص "داريو" في تشابك العلاقة التجريبية بين المادة والثقافة لاستغلال مصادره التشكيلية وخلق لغة جديدة ونظام جديد "الأرقام تتكلم"؛ وهي تجربة فنية ولدت من مفاهيم تجعل من الفنِّ لغةً كونيةً وتعبيراً عن السلام والتفاهم والتجديد.

موقع "eSyria" بتاريخ 12/7/2009 كان في زيارة خاصة للفنان الإسباني" داريو باصو"، وذلك في معهد "ثربانتس" بـ"دمشق" ليحدثنا بدوره حول أهمية تقديم معرضه في سورية وسبب اختياره "خان أسعد الباشا" مكاناً لعرض لوحاته فيقول: «هناك حالة هامة لا يمكن أن يستغنى الفنان عنها، وهي طريقة التعاطي مع التاريخ والماضي وهواجس الإنسان المشترك، وكما هو معلوم أن سورية مهدّ الحضارات والثقافات، وتعتبر من أكثر الدول التي أنتجت الثقافات وقدّمتها للبشرية جمعاء، حيث كانت تعيش الحضارات في سورية جنباً إلى جنب في حالة الوئام والسلام، فهناك الكثير من المعالم المعمارية الجميلة في سورية ومن هذه المعالم "خان أسعد الباشا". أما الدافع الأساسي وراء رسوماتي يكمن في العلاقة بين لوحة وفنِّ العمارة الشرقية، فالقبب التي تحيط بالخان تعبر عن تشابه كبير للعين التي تتوسط في لوحاتي وربما تكون قبة سماء أو استدارة جامع، حيث يجد المشاهد نفسه مأخوذاً ومحمياً وكأنها أيضاً عين الإله الحارسة، وهي علاقة جدلية بين فنٍّ العمارة والرسم».

منذ 20 عاماً بدأ اهتمامي بالأثر العربي الموجود في إسبانيا بالبحث عن أسلوبي الفني في أصول الثقافة الإسبانية. وأنا أنشد مدّ جسور الحوار من خلال الفنِّ بين الشعوب، والبحث عن نقطة التقاء وتواصل بين الحضارة الإسلامية والعربية وإسبانيا، وبما أن البحر الأبيض المتوسط يمثل الطريق الواسع ما بين الثقافات العربية والأوروبية، قمت بأداء هذه الأعمال الفنية وترجمة مفهوم الأفكار الرقمية التي بدأت عند "الخوارزمي" ومن ثمّ نقلت في عصر النهضة الإيطالية إلى اللغة اللاتينية

وعن تأثيرات الثقافة العربية والإسلامية في أعماله يجيب "باصو" بقوله: « منذ 20 عاماً بدأ اهتمامي بالأثر العربي الموجود في إسبانيا بالبحث عن أسلوبي الفني في أصول الثقافة الإسبانية. وأنا أنشد مدّ جسور الحوار من خلال الفنِّ بين الشعوب، والبحث عن نقطة التقاء وتواصل بين الحضارة الإسلامية والعربية وإسبانيا، وبما أن البحر الأبيض المتوسط يمثل الطريق الواسع ما بين الثقافات العربية والأوروبية، قمت بأداء هذه الأعمال الفنية وترجمة مفهوم الأفكار الرقمية التي بدأت عند "الخوارزمي" ومن ثمّ نقلت في عصر النهضة الإيطالية إلى اللغة اللاتينية».

مجموعة من لوحاته

وعند سؤالنا "باصو" حول التقنية التي استخدمت في معرضه في "خان أسعد الباشا"، فأجاب بقوله: «المعرض يحتوي 260 متراً من قماش الخيم ونحو طن من الألوان والخامات تمّ استخدامها في التجربة التي انطلقت بها من مصر إبان زيارتي لها في عام 2001، حيث أبهرتني الخيم المصرية، ولمعت الفكرة بذهني لأستفيد منها كمادة بصرية.

والرسومات تقوم على فكرة المفاهيم الحرّة، حاولت باختياري للألوان إيجاد انعكاس باروكي، حيث نبدأ العمل بوضع الألوان الصارخة لإبراز مدى تباين الثقافات، ومن ثمّ تداخل الألوان لتشكل التناغم فيما بينها، لذا حاولت العمل على الفنِّ التجريدي لأن هذا التقليد عاش في الثقافة العربية الإسلامية، وهناك فنُّ تصوير عربي من محاولة انعكاس على هيكلية رياضية للتصميمات، لذلك تشاهد هذه الخلفيات في أعمالي، حاولت أن أجد نقطة التقاء بين ثقافتين».

لوحتين من قماش

وحول دور رسالة الفنّ لحوار الحضارات يؤكد "باصو": «تحاول رسوماتي توحيد الثقافات ويتضح ذلك انطلاقا من اختيار الدعائم والاستعارات الإيقونة الشرقية، لا يمكن أن نطالب بفهم الحضارة دون التفاهم والمعرفة المشتركة بين الإنسانية جمعاء. الرسالة التي قدّمته في معرضي تشمل التباين الثقافي من خلال الرموز والتعابير، بالإضافة إلى تحويل الكتابة المسمارية أو آثار الأجداد المقدسة من الصين والهند والشرق الأوسط إلى رموز رائعة، فجميع الخطوات يقوم بها الإنسان منذ ولادته حتى لحده، ترسم في زمن شخصية لا يمكن تصورها. الفنُّ والحياة يرتبطان من خلال التركيب الحسي أو إحساس الجميل، وبالخلاصة تنتج اللوحة من هذا الإيجاز لكثافة الإحساس مثل عمليةٍ حسابيةٍ للوصول لحلّ المسألة بطريقة ما حتى لو كانت عن طريق الصدفة فتتوحد المشاعر الإنسانية في هذا الإطار».

والجدير بالذكر "داريو الباريث باصو" من مواليد 1966 "كاركاس" في فنزويلا، تأثر كثيراً في بداية حياته بالأدب والفنِّ، حيث نال في سن الخامسة إحدى جوائز مسابقات الرسم للأطفال، ومن ثمّ توجه إلى الورش الفنية التي يسيرها فنانون معروفون، وفي تلك البيئة ابتدأ يعرض ضمن معارض جماعية وبرز نجمه عام 1985. ساعد في التدريس في الجامعة الدولية في "سانتدير"، وحصل على الجائزة الأولى في مسابقة "سانتا لوثيا"، كما حصل على بعض المنح الدراسية في "روما" و"باريس". تنتشر أعماله في العديد من المتاحف والمؤسسات الحكومية الإسبانية، كوزارة الثقافة ومجلس غاليثيا، ويعدُّ "باصو" من أكثر الفنانين المبدعين الذين ظلوا مخلصين للفنّ.

جانب من الحضور