تبعده المسافات والسنين عن وطنه إلا أنه يحمله في قلبه أينما ذهب، وبصدق انتمائه يعبر عن حزن وطنه ليجرد الحقيقة من كل زيف فترويها ريشته من غربته المكانية، أما اليوم فهو بيننا الفنان التشكيلي "فؤاد أبو سعدة" يبوح لنا أسرار روحه هنا في غاليري "كامل" بانفعالاته اللونية ينهي بوحه ويعود إلى غربته ليغيب فيها مجدداً.

"eSyria" بتاريخ 21/4/2009 التقى بالفنان "أبو سعدة" في معرضه المقام حالياً بغاليري "كامل"، وبداية حديثنا معه كان عن مسار حياته الفنية حيث قال: «بدأت مبكراً بالرسم منذ كان عمري حوالي العشر سنوات على مقاعد الدراسة الإبتدائية، ثم بدأنا في المدرسة نشكل مجموعات طلابية وجمعيات بسيطة لنمارس نشاطاتنا فيها بعد انتهاء الدوام وأيام العطل وكلما سمحت لنا الفرصة، قدمنا بعض المعارض في المدارس بإشراف مدرسينا، واستمريت بالرسم اشتركت بعدة معارض بحيث أهلني مستواي الفني للدراسة في كلية الفنون الجميلة وهنا كانت محطتي الرئيسية مع استمراري بالرسم وإقامة المعارض».

الالتزام بالقضية الوطنية يفرض عليّ هذا النوع من الأعمال لأبقى واقفاً أمام هذه الحالة وأبحث عن جوانب جديدة فيها لتصعيدها وجعلها قضية مركزية فنياً، وثقافياً، وإنسانياً

يتابع "أبو سعدة": «بعد ذلك سافرت للعمل في "الجزائر" كمدرس للرسم لمدة عشر سنوات تقريباً كنت من خلالهم كثير الاحتكاك بالبيئة الجديدة، وأدخلت لتجربتي العديد من العناصر التي لم تكن موجودة سابقاً لونياً.

ألوانك يادمشق

موضوع، ورؤية، وتأمل مختلف حيث أضافت لي هذه البيئة مخزوناً جديداً بجغرافيتها، وسكانها، وعاداتهم وثقافتهم، الأمر الذي كوّن لدي مرحلة مختلفة فرضتها ردة الفعل من الذهاب إلى مكان مختلف».

"أبو سعدة" مقيم بمدينة "برشلونة" في "اسبانيا" منذ عام 1987 وحضّر فيها رسالة الدكتوراه بعنوان "أثر تونس في أعمال بول كلي" وعن تأثير المكان بأعماله يقول: «"اسبانيا" زادت من احتكاكي أكثر بالفن العالمي، والأوروبي، والأفريقي وبشكل عام صار تواصلي بعناصر الفن الموجودة هناك منذ الثمانينيات وإلى الآن أعلى، كل هذه الأمور شكّلت لدي نوعاً جديداً من الإيقاعات وتفكيراً مختلفاً بالبحث الدائم عن الجديد، الأمر الذي انعكس في أعمالي التي قدمتها من خلال معارضي».

أقام "أبو سعدة" أكثر من ثلاثين معرضاً فردياً في مختلف دول العالم وتواصله دائم مع بلده سورية وعن ذلك يقول: «أقمت هنا معارض عديدة لكن بشكل غير منظم أي "بحسب ما تسمح به الظروف والفرص"، لكن هذه الفترة امتلكت وقتاً أكثر للعودة إلى الوطن، وربما من الآن فصاعداً سأبدأ بتقديم نشاطات أكثر في سورية».

وعن لوحاته التي تحمل تطرفاً لونياً مصقولاً بأشكال وعناصر إنسانية تلقائية يقول "أبو سعدة": «أعمل بتجريد تعبيري، قد أبدأ بلوحة تجريدية وانتهي بها تعبيرية، ففي بعض الأحيان يعايش الإنسان حالتين مختلفتين في نفس الوقت، وهناك وجهان أو أكثر يجتمعان في شخص واحد أو وجه يحمل تعبيرات متعددة ومختلفة هذه الحركة الدورانية بشكل ما تعطي تنوعاً يجعل العمل ديناميكياً ومتحرراً بعيداً عن التقليدي بعفوية ليست سهلة مطلقاً».

ابو سعدة في لقائه معنا

وعن مضمون أعماله يتابع "أبو سعدة": «لم تكن البيئة الإسبانية كثيرة التأثير علي بشكل مباشر في لوحاتي لكنها ساعتدتي كما ذكرت على التأثر بالفن العالمي وهذه الأعمال التي رسمتها هناك وجئت لأعرضها هنا ليست إلا في موطنها الآن فهي تحمل عبق "دمشق" في ألوانها وتمثل البيوت العربية القديمة ومعاناة الإنسان العربي والفلسطيني بشكل خاص، من زوايا مختلفة».

من كان مؤمناً يوماً بقضيته فلن يتزعزع إيمانه لمجرد تغيير مكانه بل يحملها معه أينما حل، يبدو أن هذا ما هو عليه الفنان "أبو سعدة" وقد كرس ريشته للقضية التي يقول لنا عنها: «الالتزام بالقضية الوطنية يفرض عليّ هذا النوع من الأعمال لأبقى واقفاً أمام هذه الحالة وأبحث عن جوانب جديدة فيها لتصعيدها وجعلها قضية مركزية فنياً، وثقافياً، وإنسانياً».

ويبقى هواء الوطن هو الأنقى وشمسها الأكثر دفئاً، ويؤكد الفنان التشكيلي "فؤاد أبو سعدة" ذلك في نهاية لقائه معنا فيقول: «الإضاءة في "تونس"، أو "دمشق القديمة" مختلفة عن "برشلونة" فكل مكان بحسب نمط العمارة فيه يعكس إضاءة الشمس بطريقة مختلفة وكل الإضاءات التي عشت معها طفولتي وشبابي وتعودت عليها في "دمشق"، و"تونس"، و"الجزائر" تعيش داخلي ولست بحاجة للبحث عنها في "اسبانيا"، أما عن العناصر الموجودة في "اسبانيا" فهي عالمية تؤثر أحياناً على طريقة التعبير خاصة العفوية منها لكن تبقى عناصري وأشكال الناس الذين أرسمهم مأخوذة تماماً من هنا».