اختار وطناً غير موطنه الأصلي، عشقه لطبيعة وجمال سورية دفعه لذلك، باستطاعته تقبل وتفهم كل من حوله، لإيمانه بأهمية دور كل فرد في هذه الحياة، هو راهب يسوعي من "هولندا" درس فلسفة اللاهوت وتخرج من كلية علم النفس، كما نال درجة الدكتوراه بالتحليل النفسي في "فرنسا"، الأب "فرنسيس أندر لوخت" أصبح من أبناء هذا البلد منذ عدة عقود، يقدم الكثير بكل حب وصدق ويسخر كل حصيلة علمه وخبراته من أيام شبابه ليقدمها هدية لأبناء سورية حباً لها.

موقع "eSyria" بتاريخ 3/4/2009 كان معه في لقاء حمل بعض ذكرياته وأفكاره من خلال حديثه الممتع والمصقول بالعلم والثقافة والأمتع من أن ينتهي، كما تطرقنا إلى الجانب العملي من حياته ليحدثنا عن مشاريعه فيقول: «استقريت في سورية عندما كان عمري 27 سنة، في عام 1966 وعملت كثيراً أعمالاً ذات امتداد لدراستي، الآن عندي مشروع الأرض وهو باختصار مشروع ضخم مساحة أرضه 450 دونماً، يبعد 7 كم عن منطقة القصير على الحدود اللبنانية وأهدافه متعددة، فيه بيت للمعاقين يضم 45 معاقاً من "منطقة القصير" و"الربلة" يأتون من 12 قرية نستقبلهم بشكل يومي، ونظمنا لهم برنامج أعمال يدوية وفنية، كما يضم المشروع "دار السلام" وهو دار لكل الأديان للعبادة والتأمل تجمع طقوس الصلاة والتأمل وقراءة الإنجيل والقرآن للوصول بالصمت والإصغاء إلى علم ذي عمق مختلف عن القراءة السطحية ولدينا إمكانية استقبال من يريد الإقامة لعدة أيام بوجود 6 غرف كبيرة مخصصة لذلك».

الرياضة الروحية مهمة جداً بالنسبة لي، وأحب أن أساعد كل الناس لفهم روحهم بالصمت والتأمل والإصغاء

ويضيف "فرانسيس": «أما الأشخاص القادمون من خارج سورية تدعوهم دار "الضيافة" للإقامة يوماً أو يومين ليتعرفوا على إحدى جوانب سورية من خلال هذا المشروع، ولدينا معمل نبيذ الأرض الذي خصصنا ريعه لمصاريف المعاقين في الدار، بالإضافة لمشغل سيراميك والذي بالتعاون مع جمعية الفردوس سنفتتح ورشات في القرى لتعليم الرسم على السيراميك حيث سيتم تدريب المواطنين في القرى واختيار أفضلهم ليكونوا مدربين، كما يضم المشروع /4/ منازل للمقيمين في الأرض للاهتمام بالمكان واستقبال الضيوف، ومشاريع أخرى مرتبطة بالأرض مثل "جمعية الأرض للبيئة والتنمية الريفية" نقدم من خلالها أفكاراً تخص الاهتمام بالبيئة والآن على سبيل المثال نحضر "بروشورات" عن الماء وكيفية الحفاظ عليها بالتعامل الأمثل معها وسنقوم بنشاطات مختلفة على مستوى التنمية الريفية والبيئية».

خلال المسير

ويتابع الأب "فرنسيس" حديثه عن باقي مشاريعه ونشاطاته: «وأمارس مع من ينضم إلينا بدمشق في دار "السلام" الساعة السابعة مساءً من أطراف مختلفة رياضة "اليوغا"، بالإضافة إلى نوع تأمل بوذي اسمه "زون" أقدمه مرة في الأسبوع ولدينا حالياً مجموعات ممارسة "زون" في عدة محافظات، واجتمعنا منذ مدة مع أصدقاء هذه الرياضة في مدينة "سلمية" بمحافظة "حماة"، حيث يشمل برنامج هذه اللقاءات تمارين صمت قطعي في عطلة نهاية الأسبوع لمدة يوم كامل ونقوم كل ساعتين بتأمل مدته نصف ساعة والباقي جولة بين الطبيعة».

يعلمنا الأب "فرانسيس" لغة للتواصل مع ذاتنا من خلال هذه التدريبات الروحية، ومحاضراته عن الأمور النفسية والتربوية الموجهة لحل مشكلات الشباب ومشكلات الأهل بالتعامل مع أولادهم بمختلف أعمارهم، كما يزيد من عمق انتماء كل من معه بمعرفة أصالة كل ذرة تراب من سورية من خلال تنظيمه لأكثر من مسير كل عام وعن هذا يخبرنا: «خصصنا موقعاً الكترونياً يحوي برنامج العام بأكمله وتاريخ كل مسير والأماكن التي سنزورها، ونحن نهدف من خلال هذا المسير إلى تعرف الشباب السوري على كل المناطق في كل المحافظات ففي المناطق المعروفة نسلط الضوء على ما وراء الأشياء الواضحة لمعرفة مكنوناتها ودلالاتها التاريخية العميقة، بالإضافة إلى وجود أماكن مجهولة رغم أبعادها الحضارية فمن المهم دراستها أو على الأقل الإطلاع على أبرز تفاصيلها، هذا أهم أهداف المسير علاوة عن ذلك أنه ظاهرة اجتماعية راقية تجمع بين فئات عمرية وثقافية مختلفة، رغم اختلاف اهتماماتهم وديانتهم وأفكارهم إلا أنهم يجتمعون في كل مسير من كل المحافظات في مكان واحد ضمن جو غاية في البساطة والعفوية يتعرفون من خلاله على مختلف الأنماط المجتمعية الموجودة في سورية ليقتربوا من ماضيهم وحاضرهم أكثر».

لقاء في الطبيعة

مشاريع الأب "فرانسيس" تختصر أبعاده الفكرية لتجسد رقي روحه الإنسانية، هنا يختم حواره العبق بالحب واحترام الآخر وتقبله باختلافه بقوله: «الرياضة الروحية مهمة جداً بالنسبة لي، وأحب أن أساعد كل الناس لفهم روحهم بالصمت والتأمل والإصغاء».