رينالدو صبّاغ مواطن تشيلي من أصلٍ سوري، وجد نفسه تحت الضوء مجدداً ليس لأنه رجل أعمال ناجح أو أستاذ جامعي له العديد من المؤلفات، ولكن بوصفه كاتباً من نوعٍ خاص،

لفت كتابه ( جذوري أصلها من سوريّة) النظر بقوّة إلى القيم التي يرسخها الآباء في نفوس أبنائهم ومنها حب الوطن، رغم أنهم لم يروا وطنهم الأم يوماً إلا بعيون آبائهم، ومن الآباء سمعوا الكثير عن ذكرياتٍ بعيدة لوطن بعيد، ليأتي اليوم الذي يكتب في أحد الأبناء سيرة ذاتيّة مفعمةً بالحنين، هي سيرة مغتربٍ عربي اسمه (شكري صبّاغ) هاجر من سوريّة تحت وطأة الظروف الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة في العام 1907 م تاركاً و راءه أماً حزينة ظلّ يستعيد صورتها سنيناً طويلة وهي تقف موّدعة في محطة القطار بمدينة حمص.

بعد إلحاحٍ طويلٍ من أبناءه قرّر (رينالدو) كتابة سيرة أبيه، و من المفارقة أن السيرة التي ظل يستعيدها لسنواتٍ طويله كتبها في عشرة أيام بينما كان في رحلةٍ سياحيّة على متن باخرة شقّت طريقها عبر البحر الأبيض المتوسط، في جولةٍ بين أكثر من مدينة متوسطيّة، منها (مرسليا) الفرنسيّة إحدى محطات الرحلة الكبرى للأب (شكري) قبل مائة عام.

الأب شكري صبّاغ في عمر ال52 عاماً

يقول (رينالدو) : (مررت بالقرب من مرسيليا .. هذا هو البحر المتوسط الذي اجتازه والدي قبل مائة عام تقريباً إلى تشيلي.. عشت تلك الأحاسيس التي عاشها والدي ذات يوم، وأدركت قيمة الخدمة الكبيرة التي أسداها لنا، وكيف كانت حياته عندما قرّر اجتياز المتوسط في رحلةٍ مليئةٍ بالآمال والآلام بدون أي وسائل اتصال.. ما أبعد الفرق بين الرحلتين، رحلتي و رحلة والدي)

أصدر(رينالدو) الكتاب( جذوري أصلها من سوريّة) في العام 2006م، وتمّ تقديمه في الملعب السوري في عاصمة الجمهوريّة التشيليّة بحضور سفراء سوريّة ولبنان وفلسطين. وقد استأثر باهتمامٍ كبير في (تشيلي) مما جعل السفير السوري في ( سانتياغو) السيد (فارس شاهين) يدعو الكاتب لحضور المؤتمر الثاني للمغتربين السوريّين الذي انعقد في دمشق عام 2007م،و هذه كانت زيارته الأولى لوطنه الأم، وفيها تعرّف على السيد (توفيق الفقيه) المترجم الرسمي للحكومة السوريّة باللغة الإسبانية وأهداه نسخة من كتابه.

غلاف الكتاب

رحلة (رينالدو) إلى سورية قادته إلى مدينة حمص، وهناك زار محطّة القطار القديمة التي انطلق منها والده إلى ( تشيلي)، وفوجئ بكونها مازالت محتفظةً بملامحها القديمة كما قيل له، كما وضع وردة على قبر جدّته و بذلك فعل ما لم يستطع أبوه فعله ذات يوم، كما زار المدرسة الأورثوذوكسيّة التي درس فيها والده و لم ينل من العلم إلا القسط القليل بسبب ظروفه القاسية، وفي هذه الرحلة أيضاً تعرف إلى أقاربه وقد وجدهم بجهوده الخاصّة في محاولةٍ لمدّ جسرٍ بين فرعي العائلة الأمر الذي مثّل مغامرةً استثنائيةً بالنسبة له.

هذه الرحلة كان لها عميق الأثر في قلب (رينالدو)،و لم تتوقف حدودها عند انتهاء أعمال مؤتمر المغتربين الثاني، فالكتاب الذي أهدي للأستاذ ( الفقيه) أصبح موضوعاً لست مقالاتٍ نشرت في جريدة البعث، وتصدّرت المقالة الأولى صورة الأب (شكري)، الأمر الذي أسعد (رينالدو) كثيراً فهاهو الأب يعود إلى وطنه عن طريق نشر الكتاب في سوريّة، ليس ذلك فقط بل سرعان ما تداولت الإذاعة والتلفزيون السوري هذه القصّة، ليتلقى الكاتب دعوةً ثانيةّ لزيارة سوريّة، ولكن هذه المرّة من السفارة التشيلية بدمشق ممثلة بالسفير(ريكاردو فيجيليست شميدت)، ليتم توقيع ملخص عن الكتاب باللغتين العربية والإسبانيّة يضم مجموعة المقالات التي نشرها الأستاذ (الفقيه) في جريدة البعث، لبى (رينالدو) الدعوة في أواخر شهر أيار 2008، وتم توقيع الكتاب في مستهل أسبوع للثقافة التشيلية أقيم في المركز الثقافي الإسباني بدمشق ( سرفانتس)، وفي هذه المناسبة أعلن الكاتب أنّ (جذوري أصلها من سوريّة) و الذي يتواجد في أكثر من ثلاثمائة مكتبةٍ عامّةٍ في أنحاء (تشيلي)، هذا الكتاب سيصدر قريباً في سوريّة بنسخته العربيّة ربما في شهر أيلول القادم، كما سيصدر كتاب آخر يحكي قصّة عودة ( رينالدو) إلى جذوره.

رينالدو يوقّع كتابه في (سرفانتس)

(رينالدو صبّاغ) من مواليد (سان أنطونيو)- 1939 م لأبٍ و أم من أصلٍ سوري (شكري صبّاغ، و إميليا شاهين)، جدّته لأمه ( نعيمة الخوري) كان لها عميق الأثر في حياته حيث شاركت الأب في غرس القيم الدينية و العائلية و حب الوطن.

في العام 1965 م تزوّج من (سليفيا) ذات الأصل ( الإسباني- الألماني)، وقد أحبّت الزوجة التقاليد العربيّة التي تربّت عليها أسرة (صبّاغ)، وشاركت (رينالدو) حبّه و حنينه لتاريخ عائلته الذي انتقل إلى الأبناء.

(رينالدو) مجاز في الهندسة التجارية من جامعة تشيلي الوطنية- سنتياغو، مارس التدريس في عدة جامعات ومنها الجامعة البابوية الكاثوليكية، وشغل منصب مستشار في هيئة الأمم المتحدة، كما تولى إدارة ورئاسة مجالس العديد من المؤسسات الوطنية الهامة في تشيلي.

عائلة ( صبّاغ) من العائلات العريقة في مدينة (سان أنطونيو)،وصل عدد أفرادها في العام 2006 إلى نحو234 فرد، وهم من الحاصلين على شهاداتٍ دراسيّة عليا ودرّس معظمهم في جامعات تشيلي، وتقلدّوا مناصب رفيعة سواءاً في المؤسسات الحكوميّة أو الخاصّة، و هم يسعون اليوم من خلال (رينالدو صبّاغ) إلى مد الجسور بين فرعي العائلة في سوريّة و تشيلي.