حسب اللغة الدارجة يسمى "عرض حلجي"، ورسمياً يسمى كاتب العرائض، مهمته مساعدة مراجعي بعض المؤسسات على كتابة العرائض والمذكرات بطريقة تنسجم مع الأنظمة الإدارية والقانونية الرسمية وما تقتضيه مصلحة المراجع، ورغم حضور التقانة المعلوماتية إلا أن طاولات ممتهني تلك المهنة لا تزال موجودة أمام مؤسسات عدة.

على الرغم من التطور التكنولوجي الكبير الذي طرأ على مجتمعاتنا، وخصوصاً بعد أتمتة العديد من الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين، وارتفاع نسبة المتعلمين بين المواطنين، فإن مهنة "العرض حلجي" لا تزال موجودة وتستقطب الكثير من المراجعين أمام أغلب الدوائر والمؤسسات الحكومية، التي ترتبط بمصالح المواطنين اليومية كالمالية والمصالح العقارية والهجرة والجوازات والأحوال الشخصية والنقل والبريد وغيرها، ليس لأن هناك من لا يعرف القراءة والكتابة، بل لأن العديد من الناس ليس لديهم الخبرة الكافية لكتابة ما يريده بالصيغة القانونية أو الإدارية التي تحمل الدمغة الحكومية اللازمة للعديد من المراسلات والمعاملات الخاصة بهم.

أمام قصر العدل في دمشق تتناثر على رصيفه عدة طاولات صغيرة يجلس خلفها أشخاص، بعضهم منهمك في صياغة معروض لمراجع يقف بجواره، والبعض الآخر يشرح لمراجعيه ماذا عليهم فعله بعد أن سمع غايتهم، على تلك الطاولات أو بالقرب منها لافتات متوسطة الحجم كتب عليها: معاملات زواج، حصر إرث، وصاية شرعية، معروض وصاية، وجميع المعاملات، في حين أن بعضها الآخر هو ليبيع أضابير للمواطنين، يرفض البعض من أصحاب الطاولات الحديث للإعلام عن مهنتهم كون صوتهم ومطالبهم حسب رأيهم لم تصل من قبل إلى الجهات المختصة، وهناك من يكتفي بالقول إن عملهم بمنزلة خدمة للمواطنين، فهم يقدمون تسهيلات للمراجعين لإنجاز معاملاتهم الحكومية والتخفيف من أعباء الروتين المؤسساتي.

رجب بركات السيطي

"رجب بركات السيطي" كاتب العرائض ومجاز قانوني يقول لمدوّنة وطن: أعمل بهذه المهنة منذ عشر سنوات، فأقوم بكتابة الوكالة ومعاملات الزواج وحصر الإرث الشرعي وكل الأمور المتعلقة بالمحاكم، كتجهيز الأضابير ووضع الطوابع عليها، وأقوم بتوجيه المواطنين إلى الجهات التي لا بدّ أن يتجهوا إليها سواء كانت محاكم أو دوائر رسمية، تعلمت كيفية كتابة صيغ الدعاوى بمختلف أنواعها، ومع التدريب والوجود المستمر أمام المحاكم لسنوات احترفتها وأصبحت مهنتي، وكل ما علي هو الحضور كل صباح والوجود أمام المحكمة وعرض الحل على المواطنين الذين هم غالباً لا يعرفون كيفية إنجاز إجراءات الدعاوى التي يقومون برفعها أو كتابة العرائض التي سيدخلون بها إلى المحكمة مقابل مبالغ مالية بسيطة، وعملنا خارج القصر العدلي فلا يحق لنا الدخول إليه، وأضاف : هذه المهنة مشروعة ينظمها اتحاد الحرفيين، فأنا قمت بحلف اليمين القانوني أمام محاكم الصلح المدني في مركز المدينة، وحصلت على رخصة لممارسة الحرفة من الجمعية الحرفية بعد خضوعي للفحص المسلكي والتدريب لمدة عام على هذه المهنة ودراسة أصول المحاكمات الجزائية والقانون المدني وأصول تقديم الدعاوى للمحاكم".

أمام دائرة الامتحانات يقف "بهاء الدين المزعل" أحد المخضرمين بهذه المهنة، والذي يزاول مهنته أمام دائرة الامتحانات منذ ثلاثين عاماً منذ أن كان شاباً، وهذا ما أكسبه خبرة ودراية بأمور الامتحانات وتعليماتها، يبدأ دوامه يومياً من الساعة السابعة صباحاً حتى انتهاء دوام الامتحانات، وفي أوقات عدة يستمر حتى الخامسة مساءً وأحياناً أكثر وذلك سعياً لكسب لقمة عيشه، هو حاصل على إجازة باللغة العربية ودبلوم تأهيل تربوي، ومع ذلك فهو قد اختار هذه المهنة التي مكنته من تعليم أولاده وإدخالهم إلى الجامعات، وأكمل قائلاً: عملي ينحصر بمتابعة شؤون الامتحانات للطلاب كإجراءات سحب الشهادات، تسجيل طلبات الطلاب الأحرار للتقدم لامتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية وإعلامهم بالأوراق المطلوبة وتوجيه الطلاب إلى المكاتب التي ينهون معاملاتهم فيها، يوجد يومياً أمام دائرة الامتحانات حوالي خمسة كتاب للعرائض مرخصين ويحملون بطاقة مزاولة للمهنة من اتحاد الحرفيين، فالجلوس أمام الدوائر الحكومية وتوجيه المواطنين وحل مشكلاتهم هي مسؤولية تقع على عاتقنا يجب أن نمارسها بكل أمانة وصدق، وخصوصاً أننا نتعامل مع فئة الشباب المثقف كونها تتعلق بأمور مستقبلهم وحياتهم الدراسية.

"هويدا عبدو" وهي إحدى المراجعات لمؤسسة حكومية تحدثت لمدوّنة وطن عن تعاملها مع مهنة كتاب العرائض فقالت: ألجأ إلى كتاب العرائض كونهم يمتلكون الخبرة والمهارة في كتابة العرائض والمعاملات التي تحمل الدمغة الحكومية، وتوجيهنا إلى المكاتب الصحيحة التي نستكمل فيها معاملتنا، فجلوس كاتب العرائض أو العرض حلجي أمام المحاكم والدوائر الحكومية ومعايشتهم للقضايا سمح لهم ببناء خلفية معرفية طويلة توفر علينا الوقت والجهد للبحث عن المكتب أو الطابق المطلوب لإنجاز معاملاتنا فيه بوقت أسرع، وتقديم النصح والإرشاد لنا وإبداء الرأي بالمشاكل والنزاعات ولكن بصورة ودية وليست قانونية.

"يحيى جاموس" وهو أيضاً أحد المراجعين لإحدى الدوائر الحكومية قال: رغم أننا في زمن التكنولوجيا ودخول العديد من معاملاتنا ضمن شبكة متصلة تربط الدوائر والمؤسسات الحكومية، إلا أن معظمنا ما زال يعتمد على "العرض حلجي" في كتابة العرائض والمعاملات، وخصوصاً أن أي معاملة تحتاج إلى طوابع وتوقيع الموظف المسؤول عنها، وبرأيي أنه عندما يتاح دفع قيمة الطوابع إلكترونياً من قبل صاحب العلاقة وإرسال معاملته إلكترونياً عبر بريده الإلكتروني فذلك يوفر الكثير من الجهد والوقت والمال على المواطنين.

يؤكد رئيس المكتب الإداري والقانوني في اتحاد الحرفيين "صفوان اسطنبلي" أن كتاب العرائض هم بالنسبة لاتحاد الحرفيين مجازين بالأعمال العقارية والمالية والخدمية، والمرسوم التشريعي رقم 12 الصادر عام 2014 نظّم مهنة معقبي المعاملات وكتاب العرائض، وقد نص ذلك المرسوم على أن كاتب العرائض هو الشخص الطبيعي الذي أجيز له بموجب هذا المرسوم التشريعي أن يحترف كتابة العرائض نيابة عن أصحابها مقابل أجر وذلك فيما يتعلق بشؤونهم لدى الجهات العامة وغير العامة.

يشترط في كاتب العرائض أن يكون قد أتم الثامنة عشرة من عمره، عربياً سورياً منذ أكثر من خمس سنوات أو من في حكمه، حاصلاً على شهادة الدراسة الثانوية على الأقل، غير محكوم بجناية أو بجنحة شائنة، غير عامل في إحدى الجهات العامة بصفة دائمة أو مؤقتة، متفرغاً لممارسة هذه الحرفة في منطقة عمل الجمعية، ناجحاً في الفحص المسلكي الخاص بممارسة هذه الحرفة. ويعفى من هذا الشرط حملة الإجازات الجامعية ممن عملوا لدى الجهات العامة بالفئة الأولى مدةً لا تقل على عشر سنوات، منتسباً للجمعية الحرفية في المحافظة، ولكاتب العرائض موقع محدد من الوحدة الإدارية بناء على اقتراح الجمعية وبالتنسيق مع الجهة العامة.