رغم مرور حوالي ستة عقود على نشأتها التي جاءت مع انطلاق بث إذاعة "دمشق"، إلا أنّ الدراما الإذاعية السورية لا تزال تحافظ على حضورها متحديةً كل الظروف، من التطور التكنولوجي الهائل إلى سنوات الحرب القاسية.

بدأت الدراما الإذاعية مع انطلاقة الإذاعة السورية، وكانت البداية مع تمثيليات "حكمت محسن" بالتعاون مع "تيسير السعدي" الذي كان يدرس في "القاهرة"، وقد عاد إلى "دمشق" بعد انطلاقة الإذاعة السورية، وشكّل مع "حكمت محسن" ثنائياً يرافقهما عدد من الممثلين منهم "فهد كعيكاتي" و"عبد السلام أبو الشامات" و"أنور البابا"، بالإضافة إلى مجموعة من الممثلين المعتمدين في دائرة الدراما الإذاعية منهم "وصفي المالح" الذي كان يكتب ويمثل، و"عدنان بركات" و"يوسف شويري" و"ثراء وثناء دبسي" و"هدى شعراوي" وغيرهم، بعدئذٍ أُسس نادي الفنون الجميلة لتدريب الممثلين، وكان من بين الكتّاب بالإضافة إلى "حكمت محسن" الكاتب "وليد مدفعي" و"عادل أبو شنب" و"نجاح السمان"، وقد توسعت دائرة الدراما الإذاعية واستقطبت عدداً من الكتاب الجدد الذين رفدوا العمل الإذاعي بكتاباتهم.

نفخر أننا نقدم منتجاً ثقافياً رائداً على مستوى الوطن العربي، وكقطاع عام تدعم الدولة الإنتاج وتتيح له مساحات البث المناسبة، أما القطاع الخاص فلم يتشجع بعد لإنتاج أعماله الخاصة بسبب ما يترتب عليه الأمر من تكلفة عالية من جهة، وعدم تحقيق أي مردود ربحي من جهة أخرى

يقول رئيس دائرة التمثيليات الإذاعية المخرج أ."باسل يوسف" لمدوّنة وطن "eSyria": «الدراما الإذاعية من أقدم الفنون في "سورية، جاءت بعد انطلاقة إذاعة "دمشق" مباشرةً، وعمل فيها آنذاك بعض المذيعين والمسرحيين، وهي فن التخيل، يحمل جملةً أدبيةً ممزوجةً بموسيقا معبرة مع مؤثرات مناسبة تشكل صورةً جميلةً في مخيلتنا، ولكل منّا خياله الخاص المنعكس عما يسمعه، والدراما الإذاعية هي إحساس ممثل وإبداع كاتب وروح مخرج، وقد شهدت تطوراً جاء من إيمان العاملين في هذا القطاع بضرورة الاستمرار بتقديمه، كما أنها تمثل مدرسةً حقيقيةً للفنان من خلالها يُصقل الصوت وتزيد جرعة الإحساس، والنهوض بها حالياً هو أمر هام جداً، وأهم عناصر هذا النهوض التسويق والانتشار الأوسع، وهذا ما نعمل عليه بحيث نزيد من مساحة الدراما على خارطة البث الإذاعي في كل الإذاعات المحلية، وأيضاً من خلال تحميلها على موقع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، على الرغم من بعض المعوقات كضعف الأجور التي يتقاضاها العاملون في هذا القطاع، علماً أننا نستقطب كبار الكتّاب والنجوم للعمل بها».

من كواليس تسجيل حكم العدالة

للدراما الإذاعية السورية دور هام في مواكبة مختلف الأحداث، وفي هذا الخصوص يرى أ."باسل" أن سهولة وسرعة الإنتاج تتيح رصد هموم المواطن وملامسة أوجاعه، وهنا يتم تكليف الكاتب بتحويل فكرة تعبر عن حدث ما إلى نص درامي، والقيام بما يتبع ذلك من عمليات تسجيل ومونتاج لإخراج الفكرة بالشكل اللائق خلال أيام، وبث النص مباشرةً لمواكبة الحدث، وهذا ما لا تستطيع الدراما التلفزيونية فعله.

ما يزال هذا الفن الإذاعي محصوراً بالقطاع العام، في هذا الخصوص يضيف: «نفخر أننا نقدم منتجاً ثقافياً رائداً على مستوى الوطن العربي، وكقطاع عام تدعم الدولة الإنتاج وتتيح له مساحات البث المناسبة، أما القطاع الخاص فلم يتشجع بعد لإنتاج أعماله الخاصة بسبب ما يترتب عليه الأمر من تكلفة عالية من جهة، وعدم تحقيق أي مردود ربحي من جهة أخرى».

المخرج الإذاعي أ."محمد عنقا"، وبعد خمسين عاماً من العمل الإذاعي وبرصيد يفوق أربعة آلاف وخمسمئة عمل سواء ككاتب أو كمخرج، يرى أن المخرج الناجح هو الذي يفهم النص جيداً، وبعد قراءته يستطيع انتقاء الشخصيات والموسيقا والمؤثرات المناسبة، فالإبداع بالإخراج كالإبداع في أي فن من الفنون، يحتاج الإتقان والمهارة والموهبة ومن دونها لا يمكن أن يتحقق النجاح، ويضيف بحكم خبرته إلى هذه الشروط الإخلاص في العمل وبرأيه أنه الأساس لكل نجاح، وعن ميزات الإخراج الإذاعي عموماً والدرامي على وجه الخصوص يقول: «لكل مخرج روحه الخاصة ونكهته الإخراجية ابتداءً من انتقاء الموسيقا، مروراً بتوزيع الأدوار واختيار الممثلين، وانتهاءً باللمسات الأخيرة إلى حين وصولها إلى المستمع، هذه الروح الفردية هي ما يميز أحدنا عن الآخر، ولكلٍ أسلوبه وطريقته، وعبر عقود من الزمن تميزت الدراما الإذاعية السورية على الرغم من انتشار الفضائيات وتطور التكنولوجيا ما جعل مهمتها غايةً في الصعوبة من ناحية استقطاب المستمعين إليها، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإذاعة تمكنت من اختراق تلك الصعوبات والحواجز والدليل ما يحققه برنامج حكم العدالة من انتشار وحصوله على العديد من الجوائز والميداليات الذهبية، والذي يعدُّ علامةً فارقةً في الدراما الإذاعية وقد تتالى على إخراجه العديد من المخرجين، ولكل مرحلة فيه مميزاتها منكهةً بروح مخرجها».

ويضيف: «يتحدث الكثير من العاملين في الدراما الإذاعية عن وجود أزمة نص، وهذا ما نفتقر إليه حقّاً، لكن في الآونة الأخيرة حرصت دائرة التمثيليات الإذاعية على الاتصال مع الكتاب في "دمشق" والمحافظات والتعامل مع عدد كبير منهم إلى جانب الكتّاب الدائمين فيها، مع الإشارة إلى أن دائرة التمثيليات هي الحامل الوحيد للدراما ومن خلالها نصل إلى جمهور المستمعين، وقد لاحظنا من خلال استبيان للآراء اهتمامهم بما نقدمه من أعمال إذاعية درامية ومتابعتهم لمعظم البرامج والمسلسلات التي تنتجها الدائرة».

أما من ناحية مميزات الممثل الإذاعي فقد تحدثت مديرة فرع "دمشق" لنقابة الفنانين الممثلة "تماضر غانم" بالقول: «لا بد أن يكون الممثل المشارك في الدراما الإذاعية متمكناً من لغته العربية الفصحى، وأن تكون مخارج الحروف لديه سليمةً وتنطق بشكل صحيح، وأن يتمتع بإحساس عالٍ بالجملة التي يقولها ليتمكن من إيصالها إلى أذن المستمع ومنها إلى قلبه، والعمل في الدراما الإذاعية يضيف لنا كممثلين هذه الفوائد من ناحية تمكننا من أدواتنا اللفظية والحسية، ويضعنا أمام تحد أكبر لأنّنا متحدثون فقط وغير مرئيين، وهنا يبرز دورنا في نقل الفكرة للمستمع عن طريق الإحساس، وخلال الأزمة السورية لم تتوقف الدراما الإذاعية، بل تابعت وبكل شفافية الموضوعات التي تهم الحياة اليومية للمواطن وواكبتها وأضاءت على منبر الشهداء وقصص استشهادهم، إلى جانب تناول الأزمات الاقتصادية وغيرها من الموضوعات، أما نحن كنقابة فنانين فنسير مع الإذاعة في مركب واحد وفي حالة تشاركية دائمة، ومن خلالنا يتم رفد الإذاعة بالممثلين الجدد وتقديم كل التسهيلات لعملهم».

وقد رسخت الدراما الإذاعية السورية حضورها القوي من خلال مشاركتها في كل المهرجانات الخارجية، وحصولها على جوائز عديدة منها:

ذهبية الإبداع لبرنامج ظواهر مدهشة في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون 1995، ذهبية أفضل ممثل "ثراء دبسي" و"رفيق سبيعي" 1995، ذهبية الإبداع لأفضل إخراج عن مسلسل "مفترق المطر" للمخرج "مازن لطفي" 1997، ذهبية أفضل مخرج عن مسلسل "السماعتان العجيبتان" 1999، ذهبية الإبداع لأفضل مخرج وأحسن ممثل لمسلسل "أحلام مؤجلة" 2002، ذهبية أفضل إخراج لبرنامج "حكم العدالة" للمخرج "محمد عنقا" في كل من مهرجان "القاهرة" ومهرجان "تونس" للإذاعة والتلفزيون، أيضاً للمخرج "محمد عنقا" ذهبية مهرجان "القاهرة" كأفضل إخراج عن مسلسل "حي الصالحية" وأفضل ممثلة "وفاء موصلي"، والجائزة الأولى عن برنامج "محكمة الضمير" في مهرجان "الغدير" في "النجف"، إلى جانب عشرات الجوائز في مسابقات ومهرجانات محلية.