الأغنيةُ السورية ثريةٌ جداً وقديمة قدم التاريخ، وبالوقت ذاته تحتوي ألحاناً جميلةً وشجية، فكانت مائدةً دسمةً للفرق الشبابية الجديدة لتقترب من الناس بسهولة، منها من قدم الأغنية بصدقٍ وأمانةٍ ومنها من شوهها مبررين فعلتهم بالحداثة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 نيسان 2020 بعض الفنانين الذين لهم شأنٌ في الساحة الموسيقية السورية وتحدثوا عن هذه الظاهرة، والبداية حدثنا "عدنان فتح الله" عميد "المعهد العالي للموسيقا" وقائد "الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية" من مكتبه بالمعهد حيث قال: «من أهم واجبات أي موسيقي هو تقديم وصون تراث بلاده والحفاظ عليه، وهذا ما تعمل عليه الكثير من الفرق الأكاديمية وعلى رأسهم "الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية"، وذلك لتوثيقه والمحافظة على بيئته اللحنية مع العناية بالتفاصيل، إضافة إلى وجهات نظر بالتوزيع مرافقة لبعض الآلات دون خدش اللحن الأساسي للقطعة أو العمل الغنائي».

الجميل في هذا الموضوع بأن هذه الفرق تذكّر الناس بالأغاني التراثية، أما تنفيذها فيبقى وجهة نظر الموزّع والمؤدين، رغم أني لست مع تغيير اللحن أو تشويهه أو تغيير المقام الأصلي، ولا مانع من هارمونية بسيطة أو الاستعانة بآلة كلاسيكية غربية بشرط أن تكون بمكانها

وأضاف: «في الحقيقة تابعت بعض الفرق الشبابية منها مؤمنة بالرسالة التي ذكرتها، وتقدم التراث الصرف بكل صدق وبكل شفافية وبكل أمانة ولا بد أن نحترم هذه التجارب ونقدرها، وهكذا ينبغي أن نعود لتاريخ العمل ومن كتبه ومن لحنه والمقام الذي يغنى عليه ومن ثم نقدمه بتوزيع موسيقي ملائم وهذا ما نحن مسؤولين عنه ونساهم بحفاظه وتقديمه بروح شبابية جديدة، وبالمقابل هناك بعض الفرق التي تحاول أن تقدم التراث بطريقة مختلفة، غير صحيحة، فتغير مقام الأغنية، وهذا ما نرفضه رفضاً قاطعاً، لأن التراث هو حالة حساسة ومهمة ويجب أن نتعامل معها بمنتهى الأمانة، نحافظ على المقام والبناء اللحني لأنه مرتبط بالتاريخ وبيئة وطبيعة الكلمة واللهجة ولا نستطيع تغييره، أؤكد لست مع هذه تجارب».

روان الجندي مع مجموعة موسيقيين

وهنا تضعنا "روان الجندي" موسيقية ومديرة معهد "هارموني" للموسيقا أمام عدة أسئلة ومقترحات أحلاهم مر، أن نبقى مع الفرقة التي تقدم جدية التراث وقليل من المتابعين أو مع الفرق التي تشوهه وجمهورها كبير حين تقول: «مع الانتشار الواسع للفرق الموسيقية التي اعتمدت على استلهام التراث الشعبي كمادة أساسية لانتشارها، نتساءل ما بين حرصنا على التراث من الضياع والمحافظة عليه من التشويه: هل نَسعد بوجود تلك التجارب الموسيقية التي حققت انتشارها الواسع بين فئات الشباب خصوصاً في زمن موسيقا (الزمر والتطبيل)؟».

وأضافت: «بحكم اختصاصي الموسيقي لم أستطع تجاهل حقيقة أن تلك الفرق وعلى الرغم من حفاظها على سمات اللحن التراثي ببساطة في الإيقاع والجمل اللحنية إلا أنها تعبث بالطابع الأصلي للعمل وتفرض منظورها فيما تقدمه من أعمال تراثية لتكون أحياناً بديلاً مشوهاً عن الأصل ويبقى السؤال هنا متأرجحاً بين خيارين، أن يبقى التراث متداولاً من قبل أفراد أو مجموعات تحاول تقديمه بكل مهنيّة وأمانة، لكن دون أن يحقق له ذلك انتشاراً إلا بين قلّة من المهتمين لإحيائه! أو أنّ كسر المقدسات مسموح له أن يطال التراث الغنائي أيضاً، فنقبل له أن يُقدمَ بأسلوب جديد يغيّر في مقاماته وطابعه لصالح انتشاره من جديد، هذا التغيير الذي من شأنه مع الوقت أن يؤدي إلى إنحسار الأصل ولربما ضياعه».

هيثم أمين

وبدوره الدكتور "جوان قرجولي" الموسيقي والمدرّس في "المعهد العالي للموسيقا" يرفض رفضاً قاطعاً المساس بالتراث الغنائي حيث يقول: «رأيي واضح وصريح ويظهر ذلك جلياً فيما قدمته وأقدمه، أرفض المساس بكل عناصر الموسيقا الأساسية التي هي (اللحن والإيقاع والتوزيع) وأي تغيير بإحدى هذه العناصر يعدُّ تشويهاً، سواء قام به هاوٍ أو محترف، وأطالب بتقديم التراث كما هو، وتحديثه لا يعني المساس بالأشياء التي ذكرتها، إنما بالتوزيع الموسيقي».

يشجع "هيثم أمين" مدير معهد "الشبيبة للموسيقا" الروح الشبابية في الأغنية التراثية ولكن بتحفظ حين يقول: «هناك لفتة موسيقية جميلة يافعة في إحياء بعض الأغاني التراثية من خلال تسريع الإيقاع، وإضافة مؤثرات صوتية وبحناجر شابة، لا شك أنها مع إحياء التراث وتقديمه للجيل الجديد بصيغة جذابة قريبة من الرتم الشبابي حيث الإيقاعات السريعة والآلات الكهربائية كالعود والبزق والكمان، وبعض هذه التجارب جاءت بشكل مجموعات وفرق تستخدم أساليب هارمونية جميلة، وهذا ليس عيباً، أقلها إنها كلمات أغانٍ ناتجة من مجتمعنا ومن أصولنا، وأحبذ ذلك عوضاً عن التقليد الأعمى ورفع رايات فرق أجنبية».

سليمان حرفوش

ويتابع قائلاً: «ولكن لي تحفظ على هؤلاء الفنانين، وعليهم أن يبتعدوا عن تغيير اللحن مهما كانت الظروف، ولا سيّما تغيير بعض النوتات الشرقية واستبدالها بنوتات غربية لتوزيعها بشكل هارموني وتعدد الأصوات، لأن هذه الأعمال أمانة في أعناقنا وينبغي أن ننقلها للأجيال كما هي، دون زياده أو نقصان».

لا يبتعد "نزيه أسعد" وهو موسيقي وقائد أوركسترا عن الآراء السابقة مؤكداً ضرورة الإلتزام باللحن الأساسي، قائلاً: «الجميل في هذا الموضوع بأن هذه الفرق تذكّر الناس بالأغاني التراثية، أما تنفيذها فيبقى وجهة نظر الموزّع والمؤدين، رغم أني لست مع تغيير اللحن أو تشويهه أو تغيير المقام الأصلي، ولا مانع من هارمونية بسيطة أو الاستعانة بآلة كلاسيكية غربية بشرط أن تكون بمكانها».

وأخيراً يبرر المغني والفنان "سليمان حرفوش" استعانة الفرق الشبابية بالتراث نتيجة التكاليف الباهظة لإنتاج المواد الجديدة ويتابع: «المشاريع الموسيقية الناشئة عادة تعتمد على الإرث القديم، وهذا ليس في بلدنا فحسب، بل في المنطقة أيضاً، لأن الأغاني المعروفة والمحفوظة طريقها أسهل وأسلس للنجاح والاقتراب من الناس، إضافة إلى ذلك، الألحان الجديدة تحتاج لتكاليف من تسجيل وما إلى ذلك، وأنا مع فكرة تقديم موسيقانا وتاريخنا ومخزوننا الثقافي الفني الغني بالأشياء الجميلة، ولكن مع أن نحافظ على هوية وشخصية اللحن المعروف للجميع، أي دون تشويه أو إضافات».