عدم وجود آلية واضحة، وتغيير آلية التفكير، وغيرها من الصعوبات التي تواجه تطوير المحتوى الرقمي العربي، تمت مناقشتها على مدار ثلاثة أيام من قبل المشاركين في فعاليات مؤتمر "المحتوى الرقمي العربي الثاني" في "مكتبة الأسد"، التي انتهت بتوصيات وتكوين لجنة إشراف ومتابعة للقيام بخطوات حقيقية في هذا المجال.

مدونة وطن "eSyria" حضرت المؤتمر في مكتبة "الأسد" بتاريخ 2 أيلول 2018، والتقت الدكتور "منصور فرح" استشاري في مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصالات من أجل التنمية، من مجلس أمناء "الجامعة الافتراضية السورية"، الذي يقول: «بدأ المجتمع متأخراً في المجال الرقمي، ومعظم الناس يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي التي تفتقر إلى الاحترافية، بينما نركز في هذا المؤتمر على الجانب المعارفي، وينقصنا سياسة واضحة لتنمية المحتوى المعارفي العربي، مع أن "سورية" متقدمة في مجال التعريب، لكن لا تتم عملية تحويل المحتوى إلى رقمي في كل المجالات، ونرغب من خلال هذا المؤتمر التشجيع على إقامة استراتيجية واضحة، ووضع خطة عمل تشارك فيها كل الجهات، وتتضافر فيها الجهود لتطوير المحتوى الرقمي المعارفي، لنوصل من خلالها ثقافتنا إلى العالم، فبسبب الحرب كان هناك حالة من الجمود في هذا المجال، والمؤتمر اليوم يهدف إلى التحرك بجدية أكبر، والقيام بمهمات عملية على أرض الواقع، إذ لا يزال الإعلام الإلكتروني في بدايته، وكثيرون من الإعلاميين يتعاملون معه وكأنه إعلام تقليدي لكن إلكترونياً، كما أن هناك خلطاً من قبل الناس بين مواقع التواصل الاجتماعي، والصحافة الإلكترونية، وعليهم أن يتمتعوا بالوعي الكافي لمواجهة الأكاذيب التي يمكن أن تجدها مواقع التواصل الاجتماعي، ولا بد من تأهيل الإعلاميين لأنهم سيساهمون في تطوير المحتوى الرقمي العربي».

موضوع الاستثمار في المحتوى الرقمي صعب؛ إذ لا يمكننا صناعة المحتوى الرقمي بطريقة صناعة المعلبات أو الألبسة، هناك نموذج عمل جديد علينا التفكير به؛ إذ توجد لدينا معلومات كي نوصلها إلى من يحتاج إليها، ونحتاج إلى طريقة مختلفة؛ فهي ليست عملية بيع وشراء، يكون فيها المردود سريعاً، وفي المؤتمرين الأول والثاني نؤكد استراتيجية متكاملة لصناعة المحتوى الرقمي، ويعدّ المحتوى الرقمي الإعلامي جزءاً كبيراً منها، لذلك نرى أن هذه الصناعة تبدأ إعلامياً، وتنتهي بكل المستلزمات الثقافية والفكرية والأخلاقية في المجتمع

من جهتها الدكتورة "فاطمة بدر" نائب رئيس "الجامعة الافتراضية السورية" لشؤون التعلم مدى الحياة، تحدثنا عن الإنجازات في هذا المجال قائلةً: «رصدنا من خلال مداخلات المشاركين في المؤتمر جهود عدة جهات في الدولة في هذا المجال، منها تجربة المحور الثقافي، حيث أنجزت وزارة الثقافة العديد من المشاريع لتطوير المحتوى الثقافي الرقمي المنقول وغير المنقول، كالتحف الأثرية، أو الأماكن الأثرية المادية، وغيرالمادية كالعادات والتقاليد، وتوثيق كمّ هائل من الوثائق التاريخية بتصنيفات مختلفة، وتشمل عدة نواحٍ من الموروث الثقافي، وهناك موضوع الاستراتيجية الوطنية للحكومة الإلكترونية، وتجربة الأرشيف الوطني السوري، وفي القطاع التعليمي استطاعت "الجامعة الافتراضية السورية" تأسيس محتوى رقمي غني، وتسير الجامعات الحكومية على هذا الطريق، لكنها بحاجة إلى خطة ممنهجة للانتقال لكونها تعتمد الشكل التقليدي، ومن خلال هذه التجارب لاحظنا صعوبات مادية ملموسة تحتاج إلى إمكانات لوجستية، وخبرات تقنية، لتحويل هذا المحتوى من الشكل التقليدي إلى الرقمي بأسلوب جاذب، كما أن هناك صعوبات تشريعية تتعلق بالمعلومات الشخصية، وحق المواطن، فالصعوبات تنقسم إلى مادية، وتقنية، وتشريعية».

الدكتور "منصور فرح"

ومن الحضور التقينا الدكتورة "صفاء أوتاني" نائب رئيس "جامعة دمشق" لشؤون التعليم المفتوح، التي قالت: «فيما يتعلق بالمحتوى الرقمي تنقسم التحديات إلى مستويين: النوعي، والكمي، فهناك هوة شاسعة بين المحتوى الرقمي العربي، وغير العربي، ومن حيث الكم نستطيع أن نبذل الجهود لتطويره، لكن التحدي الأصعب على مستوى النوع؛ فنحن نفتقر إلى أخلاقيات البيئة الرقمية، يكفي أن نعود إلى أي رسالة علمية في أي كلية من كليات الوطن العربي، لندرك أننا بعيدون عن كل ما له علاقة بالتوثيق الرقمي، والأمانة العلمية في هذا المجال، إضافةً إلى التحديات على المستوى القيمي، ونتساءل: هل ما ينشر يرقى ليحمل هويتنا العربية؟ لن نستطيع أن نلحق بركب التطور إلا إذا تمسكنا بأخلاقيات حقيقية تتعلق بالبيئة الرقمية، وصنعنا محتوى رقمياً يحمل قيمنا الحقيقية. وفيما يتعلق بالجانب التشريعي علينا أن ندرك تحديات الملكية الفكرية في البيئة الرقمية، حيث تم تعديل حقوق المؤلف السوري في أكثر من مناسبة لتشمل حماية البرمجيات والتطبيقات، ولم تتم حماية حقوقه بالكامل من الناحية الرقمية».

من جهته الأستاذ "حسين الإبراهيم" رئيس مشروع المحتوى الرقمي في "الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية"، يحدثنا عن الصعوبات التي تواجه صناعة المحتوى الرقمي قائلاً: «هناك محاولة للتشبث بالمحتوى غير الرقمي، وهذا ناتج عن آلية الاستنساخ لدى الناس بوجه عام، هناك حالة استنساخ للماضي، وكي يكون لدينا محتوى رقمي هذا يعني عملية تجديد للشخصية، وآلية التقكير، والأدوات، ومن يتمسك بالجديد منها هو جيل الشباب، لأن قدرة التفكير تتطلب أفقاً مستقبلياً واضحاً، علينا أن نفهم أدوات المستقبل، والتطورات الحديثة التي يمكن استثمارها لخدمته، فنحن نعيش فوضى الهوية، وفوضى الانتماء، وهذه الفوضى تنعكس على صناعة المحتوى الرقمي، ومواقع التواصل الاجتماعي عبارة عن أدوات لصناعة موارد يمكن استخدامها لصناعة هذا المحتوى، نحن نستكشف المواد الخام؛ نعالجها، ونولد من خلالها قيمة مضافة، وعليه نحصل على مقومات لهذه الصناعة، عندما تكون لدينا مواقع كثيرة تحوي موادّ مفيدة، نحصل على موارد قوية لصناعة المحتوى الرقمي».

الدكتورة "فاطمة بدر"

ويتابع قائلاً: «موضوع الاستثمار في المحتوى الرقمي صعب؛ إذ لا يمكننا صناعة المحتوى الرقمي بطريقة صناعة المعلبات أو الألبسة، هناك نموذج عمل جديد علينا التفكير به؛ إذ توجد لدينا معلومات كي نوصلها إلى من يحتاج إليها، ونحتاج إلى طريقة مختلفة؛ فهي ليست عملية بيع وشراء، يكون فيها المردود سريعاً، وفي المؤتمرين الأول والثاني نؤكد استراتيجية متكاملة لصناعة المحتوى الرقمي، ويعدّ المحتوى الرقمي الإعلامي جزءاً كبيراً منها، لذلك نرى أن هذه الصناعة تبدأ إعلامياً، وتنتهي بكل المستلزمات الثقافية والفكرية والأخلاقية في المجتمع».

الأستاذ "حسين الإبراهيم"