لم يكن أبي يوفر وقتاً إلا ويستغله في الحديث الجدّي معنا؛ يناقشنا، ويطرح علينا الأسئلة، ويحاول تزويدنا بأكبر قدر من المعلومات، وعلى الرغم من انزعاجنا كأطفال من ذاك الأسلوب، إلا أننا مع الوقت بدأنا نقطف ثماره، وما أسعدنا بما نقطف! ففي كل مناسبة سعيدة كأعياد ميلاد أفراد الأسرة، وعيد رأس السنة الميلادية، كان الاحتفال يبدأ بأسئلة محددة حول العام الذي مضى، ويأخذ كلّ منا وقته للتعبير عما يجول في خاطره، فعلى سبيل المثال: نذكر أسوأ الأشياء التي مرت معنا في تلك السنة، وأجملها أيضاً، إضافة إلى ما نتمناه للعام الجديد. هذا العرض البانورامي التقييمي العفوي -إن صح التعبير- الذي كنا نجريه في تلك اللحظات، بدأ يتجلى لي كأهم الخطوات التي عليّ محاولة تنفيذها بأسلوب أكثر عمقاً، ليكون بداية لوضع مخطط العام الجديد.

فبعد الانتهاء من (عجقة) المعايدات الواقعية والإلكترونية، ومراسم احتفالات رأس السنة الميلادية المتواضعة منها، كجلسة أمام التلفاز مع كأسٍ من الشاي الساخن، أو الباذخة كسهرة في أحد المطاعم (ذات الخمس نجوم)، التي وصلت تكلفة البطاقة للشخص الواحد إلى 150 ألف ليرة سورية

(6 أضعاف مرتبي الشهري)، جميعنا نحتاج إلى جلسة مع الذات نقيم بها أنفسنا، ونطرح أسئلة مهمة على ذواتنا لنبدأ بها عامنا الجديد، أسئلة تدور حول عنوان واحد: (ماذا أنجزت العام الذي مضى؟)

يمكنك أن تسأل نفسك: ما الذي حققته في مجال عملي ودراستي وحياتي الاجتماعية؟ كيف طورتُ

ذاتي؟ ما الأشياء والمهارات الجديدة التي تعلمتها؟ وما التميز الحقيقي الذي أُضيف إلى سيرتي

الذاتية؟ ما عدد الأصدقاء الحقيقيين الذين حافظت عليهم للسنة الجديدة؟ وما عدد الأصدقاء والمعارف المهمة التي كسبتها خلال عام؟ كم مساعدة قدمتها لمحتاج؟ وما الذي أفدت فيه من حولك بما يعود بالفائدة على أهلك وبلدك؟

والكثير من الأسئلة التي تعرض ما حققته أو لم تحققه خلال عام كامل.

أجوبة تلك الأسئلة قد تكون الأساس الذي تنبي عليه خططك للعام الجديد، بعد أن تعرف أين أصبت، وأين أخفقت في العام الماضي، وتعرف جيداً العقبات والثغرات التي حالت دون تحقيق أفضل ما يمكن في كافة مجالات حياتك، وبعدها تحدد ما الذي تريد أن تقوم به في عامك الجديد من تحسين وتطوير، وأنت على يقين بأنك العام القادم في مثل هذا اليوم ستكون أمام محاكمة ذاتية لنفسك لمعرفة ما أنجزته خلال 365 يوماً من عمرك.