برزت آراء كثيرة منذ أن دخل النص العالمي إلى المسرح السوري مع تأسيس المسرح القومي، منها ما يقف مع هذه الظاهرة، ومنها ما يفضل النص المحلي لكونه مستوحى من واقعنا والأقرب إلى هموم الناس.

مدونة وطن "eSyria" فتحت باب النقاش بتاريخ 4 أيلول 2017 مع بعض المعنيين بالمسرح السوري حول هذا الموضوع، والبداية كانت مع الممثل والكاتب "مروان اسماعيل"، حيث يجد أن أغلب النصوص العالمية التي قدمت على مسارحنا لم تخدم المسرح السوري إلا النص الذي لامس مشكلاتنا وواقعنا، ويتابع قائلاً: «استفدنا منه في طريقة طرح الأفكار، بينما نلاحظ أن النصوص التي كتبت بأقلام محلية تحقق رواجاً وانتشاراً، وهنا لا أنكر أهمية الاقتباس من العالمية وإعدادها لتناسب واقعنا، لكن اليوم وبعد أن أصبح للمسرح دوراً مهماً في توعية المجتمع يجب إيجاد النص المحلي المميز القريب من الناس».

المسرح حياة، وهو إحدى أدوات التعبير للمجتمع، والتي تحاول أن تغيّر فيه

ويبدو أن الروائي والكاتب المسرحي "داود أبو شقرة" ميالاً أيضاً إلى النص المحلي، ويصف النص الغربي بالغريب عن مجتمعنا، ويرى أن هذه مشكلة من المشكلات الكثيرة في مسرحنا السوري، حيث يقول: «المسرح حياة، وهو إحدى أدوات التعبير للمجتمع، والتي تحاول أن تغيّر فيه».

جان جوان

ويتساءل قائلاً: «فكيف يمكن التأثير إن كان المسرح في غربة عن الشعب؟ وهذه إحدى مشكلات المسرح السوري، حيث قدمت كثيراً من العروض الغريبة والغربية التي لا تنتمي إلى أرواحنا وواقعنا، هي عبارة عن مسرحيات مترجمة، لم يكلف المخرج نفسه عناء إعدادها، ولم يكلف كاتباً بتعريبها وجعلها تحاكي المجتمع المحلي، فجاءت كنبتة مدارية في الصحراء العربية، مع أنني لا أنفي بعض التجارب المهمة في هذا المجال، لكنها قليلة جداً».

ويجد "أبو شقرة" أن ترسيخ النصوص الغربية، أدى إلى ابتعاد الناس من المسرح، وفتح المجال للمسرح التجاري، حيث يقول: «هذا الأمر ساهم في غربة المسرح السوري عن شعبيته، وتوجه الناس إلى المسرح التجاري أحياناً، كما ساهمت المسرحيات التلفزيونية المصرية في انزواء المسرح الجاد أكثر فأكثر، حيث لعب التلفزيون السوري الدور ذاته ببثه ذلك النوع من المسرح، فتكرس على أنه هو المسرح، وصار الجاد غريباً، إنها جريمة ثقافية بحق أبي الفنون، فهل نعي حقيقة تشجيع النص المحلي لتعريب مسرحنا وجعله أكثر تأثيراً».

نورس برو

بينما يؤكد المخرج المسرحي "نورس برو" الفرق الشاسع بين النصين العربي بوجه عام والعالمي، إضافة إلى عدم وجود وجه للمقارنة بينهما، لأسباب شتى، منها طبيعة الثقافة المجتمعية، ويقول: «في تحليل منطقي وواقعي نرى أن المقارنة بين النص المسرحي العربي والعالمي لا تحتمل المجاملات أو التحاليل الأدبية المغالية في وصفها، الموضوع ببساطة ثقافة مجتمع؛ أي إن المسرح الأوروبي أو الغربي يركز في النهاية على عادات مجتمعية معينة تمنح كتابهم هامشاً كبيراً من الحرية وتجاوز القيود بعكس المسرح العربي الخاضع للعادات والتقاليد وغيرها، فمن الطبيعي أن ترى كبار المسرحيين الغربيين يقدمون عملاً نعدّه نحن العرب محرماً عندنا أو حتى عيباً، بعكس كاتب المسرح العربي الذي إن طرح فكرة كهذه، قد يهاجم أو يقصى أو يحارب، عموماً لا أظن أننا نحن الجمهور العربي نقبل أعمال كهذه نتيجة تربيتنا وثقافتنا المختلفة، وأساساً العمل الغربي لن يكون مفهوماً عندنا، بعكس عمل مثل "منمنمات تاريخية" للكاتب السوري "سعدالله ونوس"، الذي لن يكون مفهوماً للجمهور الأوروبي، ليس بفعل التاريخ، وإنما بفعل العادات والتقاليد، ومن البديهي أن تجد النص الغربي أهم من النص العربي طالما هو قادر أن يصل إلى قاع الفكرة من دون أي رقيب رسمي أو مجتمعي، وأضيف إلى ذلك الشح في وجود كتاب عرب يقارعون الغرب، فالمسرح العربي لا يطعم صاحبه خبزاً، بعكس المسرح الغربي تماماً».

وأخيراً، يجد المسرحي "جوان جان" رئيس تحرير مجلة "حياة المسرحية"، المتعة الثقافية والبصرية في النص العالمي لكونه يمثل حضارة متقدمة ولا بد لوجوده على مسارحنا، حيث يقول: «قبل عام 1960، عام افتتاح المسرح القومي في "دمشق" لم يكن جمهور المسرح على اطلاع واسع على النصوص المسرحية الأجنبية من خلال الأعمال المسرحية التي كانت تقدمها فرق الهواة التي كانت ناشطة في تلك المدة؛ إذ إن الطابع الشعبي كان غالباً على تلك العروض باعتبار أن الفرق الهاوية كانت تعتمد شبّاك التذاكر، ولم يكن همُّ المسرحيين آنذاك نشر ثقافة مسرحية بقدر ما كان همّهم الانتشار والتأسيس لحالة مسرحية تقوم على العلاقة الوثيقة بين الخشبة والصالة، وهذا لا يكون إلا بأعمال تمتّع الجمهور وتجعله يقبل على صالات المسارح باستمرار، مع أن النص المسرحي المترجَم تسلل إلى صالات مسارحنا منذ تجربة رائد المسرح السوري والعربي "أبو خليل القباني" من خلال قيامه بتعريب بعض الأعمال المترجمة، وإن كان ذلك في نطاق ضيّق جداً».

وينهي "جان" حديثه قائلاً: «بعد تأسيس المسرح القومي، وعودة العديد من مخرجينا المسرحيين من دراساتهم الأكاديمية في الدول الأوروبية، بدأ الجمهور الاطلاع على النصوص المترجمة أكثر من قبل، إذ قدم المسرح القومي في سنواته العشرين الأولى روائع النصوص المسرحية الأجنبية إلى الدرجة التي يمكن أن نقول فيها إن نسبة النصوص الأجنبية التي قدمها المسرح القومي تفوق نسبة النصوص المحلية والعربية التي قدمها وما يزال».

على العموم، المسرح السوري له تاريخ مشرّف، وقد أنجب العديد من الأسماء الكبيرة ودارت نصوصهم الساحة العربية كالرائد "أبو خليل القباني"، وجيل القرن العشرين "سعدالله ونوس، وفواز الساجر، ومصطفى الحلاج، وممدوح عدوان، ووليد إخلاصي"، وغيرهم، ومنهم من ترجم نصوصه إلى لغات أخرى، ووصلت إلى المسارح العالمية.