بعد تأسيس شبكة الخبراء والمبدعين السوريين في المغترب (نوستيا) في بدايات العقد الماضي، واجهت الشبكة معضلة حقيقية تتمثل في الترويج لأهدافها وفعالياتها.

مما زاد في تفاقم هذه المعضلة أن جميع أعضائها هم من المغتربين من جهة حيث كان من الصعب على هؤلاء استكشاف آليات الترويج في سورية، وهم من غير الإعلاميين من جهة أخرى، وتالياً فإن قدراتهم الترويجية ضعيفة.

الأمر يعتمد على مدة الخطاب، فإن كان 10 دقائق أَحتاجُ أسبوعاً، وإن كان 15 دقيقة قد أحتاج 3 أيام وإن كان لنصف الساعة، فإن الأمر يتطلب يومين، أما إن كان الخطاب مدتُه ساعة، فأنا مستعدٌ الآن

ذات مرة، حيث كنت في زيارة لمكتب الشبكة، وصلت رسالة من إحدى الشركات تحمل دعوة للشبكة للمشاركة في فعالية اجتماعية، والغريب في الرسالة أنها حملت عنوان "مدام نوستيا"، وهذا يعني أن مرسلها لم يتعرف على طبيعة الشبكة، بل وصل إلى اسمها فقط وربما إلى تصنيف اهتماماتها.

حملت عنوان الرسالة إلى مكتبي، لأصنع منه بطلاً في زاوية صحفية نشرتها في آذار 2003 في صحيفة تشرين، ومن بعدها ذهبت قصة هذا العنوان مثلاً، لايزال في ذاكرة الناس حتى إن أحد الأصدقاء ذكرني به منذ مدة قصيرة.

بعد هذه المادة الصحفية، كان لـ"نوستيا" فعالية مميزة عن برمجيات المصادر المفتوحة، ارتبط اسم الشبكة بها، وصار للخبراء والمبدعين السوريين في المغترب مكانهم في خطط التنمية الاجتماعية، وصارت "نوستيا" في ذاكرة الناس.

إعلام العنوان

ثمة من يرى أن الكتابة عن موضوع العنوان ليست ذات قيمة، وأن أهمية العنوان معروفة لدى الجميع، لكننا اليوم ـ شئنا أم أبينا ـ نعيش إعلام العنوان، الذي لم يعد مجرد بوابة أو جواز سفر للدخول إلى المادة الصحفية، بل أصبح كياناً قائماً بذاته.

قيمة مضافة

يشكل العنوان أنموذجاً معرفياً مكثفاً للمادة الصحفية من خلال القيمة المضافة التي يقدمها سواء عبر بناء الصياغة اللغوية للمعلومات أو بالدلالة والإيحاء وتشكيل الصور التخيلية، وهو يمثل من خلال ذلك محور المادة الصحفية، من دون أن يكشف كل خفاياها، أو يصرح بضمونها، حيث إنه يتكامل مع النص والمضمون، مع الحفاظ على استقلاليته.

ويتشكل العنوان عبر دمج عدد من الكلمات (البيانات) باستخدام أدوات الربط المناسبة (الصياغة) وفق منهجية الصحفي الشخصية، وبما يتوافق مع تصنيف المادة، بالاستناد إلى ما ورد في متن المادة، أو من خلال الكلمات الدلالية، أو الصور الجمالية، وتبنى علاقة العنوان مع المتلقي من خلال ارتباطها بحاجته، بالأسلوب الذي يرغبه وفي الوقت الذي يحتاجه.

موقع الرأس

يشغل العنوان موقع الرأس في المادة، تماماً كموقع الرأس في الجسد، الذي يحتوي على مركز الخلايا العصبية، ويرتبط من خلاله بكل عضو من أعضاء الجسم، حيث إن فقرات المادة الصحفية هي بمنزلة الأعضاء في الجسم.

وهنا ترتبط كل فقرة من فقرات المادة بالعنوان بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو ما يعني أن أي فقرة لا ترتبط بالعنوان هي فقرة مقحمة (حشو أو إنشاء)، لا يوجد ما يسوغ كتابتها، وفي الوقت نفسه فإن الفقرات- في مجموعها- تغطي حاجة العنوان من حيث التفصيل والشرح والتوثيق، بما يحقق تكامل المشهد الصحفي.

البطولة

هناك من ينظر إلى العنوان كنجم، سواء من خلال تميزه واستقلاليته عن أي عنوان آخر، أم من خلال تمثله موقع البطولة في المادة، حيث إن أي عنوان لا يملك الاستقلالية والبطولة، هو مجرد فقرة من فقرات المادة، أو مجرد ممرّ للعبور إليها، وهو في ذلك يبتعد عن التفرد والتميز.

في فترات سابقة احتلّ الكاتب موقع البطولة في المادة، وفي أحيان أخرى احتلّ النص هذا الموقع، لكننا اليوم نعيش مرحلة نجومية العنوان أو بطولته.

اليوم نحن أمام حالة يتم تعريف الصحفي من خلالها بأنه صاحب العناوين كذا وكذا، أي إنه معرّف بمجموعة العناوين التي تدخل الذاكرة ولا تخرج منها.

أما مقياس الاختبار في ذلك فهو البحث في شبكة الإنترنت عن العنوان أو عن جزء منه، فإن كان العنوان عادياً أو مستهلكاً ظهرت في نتائج البحث لنا آلاف المواد، وإن كان بطلاً أو نجماً، فسوف تظهر لنا نتيجة واحدة.

ملكة النحل

ثمة من يربط بين العنوان وملكة النحل، من حيث إن العنوان هو الملكة التي ترتبط بها خلية النحل ومكانها وكل نحلة فيها، وهنا يختصر هذا الربط علاقة العنوان بكل مكونات المادة الصحفية، الفقرات والجمل والصور والتصنيف... الخ.

للعنوان أنواع كثيرة، منها المجازي والدلالي والخبري والمعرفي والإنشائي والتحريضي... إلخ، ولكل منها طريقته الخاصة في التشكيل والصياغة.

العنوان اختزال

عندما سئل الرئيس الأميركي الأسبق، وودرو ويلسون يوماً، عن المدة التي يحتاجها من أجل كتابة خطاب يلقيه، أجاب: «الأمر يعتمد على مدة الخطاب، فإن كان 10 دقائق أَحتاجُ أسبوعاً، وإن كان 15 دقيقة قد أحتاج 3 أيام وإن كان لنصف الساعة، فإن الأمر يتطلب يومين، أما إن كان الخطاب مدتُه ساعة، فأنا مستعدٌ الآن».

ما يقوله ويلسون يؤكد أن موضوع الاختزال الذي يمثل الأداة التي يستخدمها الصحفي لصياغة العنوان يتطلب جهداً مميزاً قد يتجاوز الجهد الذي يحتاج إليه في صياغة المادة ذاتها.

مقومات

ثمة مقومات لابد من التركيز عليها أثناء صياغة العنوان ومنها:

• الابتعاد تماماً عن استعمال الصفات وأفعال التفضيل، فالقارئ يتجه مباشرة إلى الفعل أو المصدر في العنوان لأنهما اللذان يحملان المعنى،

• تحاشي استخدام التساؤل قدر الإمكان،

• عدم استخدام علامات الاستفهام أو التعجب أو الفواصل في العنوان لأن أيا منها يشعر القارئ بأنها استخدمت لتغطية عجز المحرر الذي صاغ العنوان، كما أن القارئ ينتظر منا إجابة عن الأسئلة وليس طرحها،

• تجنب استخدام الأسماء الموصولة مثل الذي والتي.

أمثلة

طرح "محمد رشيد العويد" مدير تحرير مجلة النور الكويتية مجموعة من الأمثلة والمقاربات حول العنوان نذكر منها عنوان المَثَل، ولكن بعد تغيير وتحوير فيه، كعنوان "قلبي على امتحانات ولدي وقلب ولدي على الفضائيات" وهو تحوير للمثل القائل "قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر"، فكان التحوير في المثل بإضافة كلمة "امتحانات" إلى "ولدي" وتـغيير "الحجر" إلى "الفضائيات".

ومن عناوين تغيير المثل عنوان "الأشجار تموت مقطعة في الـ"…"، وهو تحوير للمثل القائل "الأشجار تموت واقفة".

ومنها "درهم مشي خير من قنطار علاج".

ومنها أيضاً "العربية بين اهتمامهم وإهمالنا" وأراد الكاتب بهذا العنوان بيان ضعف اهتمامنا بتعليم العربية وتعلمها في الوقت الذي تحرص فيه جامعات ومراكز أوروبية وأميركية على تعليم العربية، ويحرص مواطنون غربيون على تعلمها.

ومنها أيضاً العنوان الذي يحمل مفارقة، مثل هذا العنوان "خادمات تخدمهن أنت" وجاء عنواناً لاستطلاع صحفي تحدث عن رفاهية بعض الخادمات وكثرة طلباتهن وتزايد أعبائهن على مخدوميهن.

ومنها أيـضاً العنوان الطريف، وخاصة إذا كان فيـه شيء من السجع، مثـل هذا العنوان "المتسول الكسيح يسابق الريح" وجاء لخبر عن نصاب أوهم الناس بأنه كسيح ليستدر عطفهم ونقودهم.. وحين كشفت الشرطة أمره ولّى هارباً.

وهذه نماذج من عناوين "مدونة وطن eSyria" اللافتة:

  • إكسل.. يرعى الأغنام والماعز،

  • "بلبل".. شريك الملح والماء،

  • "شيخة الحسن" تنجب عائلتها دفعة واحدة،

  • "المدرسة الشبلية".. قاعة الأيتام المربعة....