بين الحرف التقليدية الدمشقية والعادات والتقاليد علاقة متبادلة، جعلت الباحثين يدرسون تأثيرها على الرؤى الاجتماعية والثقافية، ويقدمون العديد من الدراسات لكل عادة منها، إذ يعد الحفاظ على هذه الحرف ومفرداتها الثقافية أمراً في غاية الأهمية، لأنها جزء مهم من ذاكرة الأفراد وتؤدي إلى التطوير الاقتصادي للمجتمع.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 نيسان 2014 الباحث "محمد الفياض" للحديث عن أهمية الحرف التقليدية في التنمية المستدامة، الذي قال: «المنتج الحرفي ليس فقط مجرد منتج لغاية وظيفية أو فنية أو لكليهما معاً، إنما هو تجسيد لهوية الشعب وحضارته، لأن الحرف تعدّ الجزء المهم من ذاكرة الأفراد لما تحتويه من قيم ثقافية وذاكرة جمعية، كما أنها مهمة من ناحية التطوير الاقتصادي للمجتمع لما تتضمنه من قيم اقتصادية واجتماعية إن أحسن استغلالها بالتخطيط السليم للتنمية المستدامة وبالإدارة المنتجة لتلك الحرف بمختلف بيئاتها».

دخلت الأغاني الشعبية في حرفة الشراشف ومن هذه الأغاني "الزعاريد" فهي أحد أجزاء الأغنية الشعبية عندما يبدع الحرفي شرشفاً جيداً يزغرد له.. ومن هذه الزغاريد: "يا شراشف العز يا شراشفنا... ويا زمان الهنا يلي تعرفنا... وياالله تفضلوا على مناسفنا"

ويبين "الفياض" بالقول: «عُرفت "دمشق" في معظم عصورها بأنها مدينة الحرف ومهد الفنون كلها، ويعود توفيقها في صناعاتها إلى وفرة المواد الأولية المستخرجة من جنباتها، وكل صنعة لها خصوصيتها، فالصوف والقطن والكتان والقنب والحرير تنسج من بَزَّها وديباجها وأطلسها وعباءاتها، والحديد والفولاذ والنحاس تصنع منه نحاسها وآلاتها وقِرَبها، ومن أخشابها تصنع مقاعدها ومناضدها وبيوتها، ومن تربتها تعمل زجاجها وآنيتها وآجرها، قال الإدريسي: "ولكل بلد ومدينة خاصية تحتفظ بها في نوع من الصناعة، وأهَمُّ ما كان منها في مدينة دمشق"».

الباحث محمد مفلح البكر

وأضاف: «لما حرق الجامع الأموي الحريق الأخير أخذ العارفون يفكرون في إرجاعه إلى رونقه السابق، فأحييت صناعات دمشقية دقيقة في النقش والحفر والتخريم كادت تضمحل، واشتهرت هذه العاصمة قديماً بالزّجاجة "صناعة الزجاج"، وكان يضرب المثل بصفائه، وكانت معامل الزجــــاج ممتدة على طول الجامع الأموي، وصفها الرحـالة "بوجيبوجي سنة 1346م"».

وبين الباحث "محمد خالد رمضان" حول الأمثال والأغاني في الحرف التقليدية بالقول: «الحرفة إبداع ينتج عنها أثر معين من نوع خاص غير معروف سابقاً، وهي عمل يومي، والعامل فيه لا بد من مؤنس يسليه ويرضيه على الاستمرار، ويبث فيه النشاط، لذا كان للتراث الشعبي اللا مادي من طرفة وأغنية ومثل، أثر يساعده في إتمام عمله على أكمل وجه، ويعطيه الفرصة للحوار مع ذاته، فإن للعادات والتقاليد دوراً مهماً في كيفية مواجهة التحديات، وإنّ احتمال الصعوبات يرتبط دائماً بالقيم الاجتماعية، لأنه يتصل بالقدرة على الثبات والسعي إلى تحقيق النجاح المنشود من خلال الصفات الإيجابية المتوارثة».

وأضاف: «دخلت الأمثال المحكية في حرفة السلال فحرضت العمال على العمل، فقالوا فيها:

"يا خيمة البتل ملياني سلل... ما خلق ربي فيك ولا علل

يا سلة العنبات والتين الحلو... يا سلة الآهات اللي فيك الأمل".

أما في المثل فقالوا:

"سلة وسلال والنوم حلال"..

"التين للسلة والسل للغلة"..

"اللي بيحط المي في السلة بيكون في علة"..».

ويضيف: «دخلت الأغاني الشعبية في حرفة الشراشف ومن هذه الأغاني "الزعاريد" فهي أحد أجزاء الأغنية الشعبية عندما يبدع الحرفي شرشفاً جيداً يزغرد له.. ومن هذه الزغاريد:

"يا شراشف العز يا شراشفنا... ويا زمان الهنا يلي تعرفنا... وياالله تفضلوا على مناسفنا"».

وأوضح الباحث "محمد البكر" حول القيم الجمالية للحرف بالقول: «يبقى التراث ينبوعاً لا ينضب للإلهام والإبداع، لما فيه من أفكار مذخورة ورموز وفنون، والمقتنيات الرائعة تشكل نماذج يحتذى بها في كيفية استلهام التراث، وترتبط عراقة الحرفة بالإرث الحضاري الذي يلعب دوراً أساسياً في تراكم المعارف والخبرات، ويفتح الآفاق لأفكار جديدة تناسب المراحل الحضارية».

وأضاف: «لا تسمح الفوضى بإنتاج إبداع يستحق الذكر، فالمرحلة الذهبية للحرف التقليدية في "سورية" كانت بإشراف تنظيمات حرفية صارمة أشبه بالنقابات، منها "شيخ كار" نافذ الكلمة، وكان الحرفي يتدرج في العمل من الصغر كأجير يقدم الخدمات للمعلم، إلى أن يتقن الصنعة بعد سنين طويلة، ولا يجيز له "شيخ الكار" مزاولة المهنة إلا بعد أن يشهد له معلموه بأنه أتقن عمله».