"الآرامية" لغة قديمة جداً تعود بدايات كتابتها إلى القرن العاشر قبل الميلاد، وسادت مناطق كثيرة، بدءاً من القرن الخامس قبل الميلاد بعد هزيمة المملكة "الآشورية"، وقد كتب بها سفرا "دانيال وعزرا"، ومخطوطات البحر "الميت"، وهي اللغة الرئيسية في التلمود. من المؤكد أن "الآرامية" هي لغة يسوع المسيح، وبها تأثرت لغات عديدة ومنها لغة الضاد.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 19 شباط 2014 الباحث "جورج رزق الله"، حيث حدثنا عن جوانب متعددة من هذه اللغة وتاريخها، وبدأ حديثه قائلاً: «اللغة الآرامية هي اللغة التي سادت هذا الشرق بعد أن تغلبت على جميع اللغات التي سبقتها أو عاصرتها مثل: "الآكادية والفارسية والفينيقية.."، بسبب سهولة أبجديتها وعدم تعقيد نحوها وصرفها وقدرتها على استيعاب جميع مستجدات العصر آنذاك، فقد تبنتها أو أخذت عنها شعوب كثيرة، وبسبب انتشارها الواسع فقد تعرضت لتطورات كثيرة وتفرعات عديدة، فالإمبراطورية "الفارسية" ومنذ أيام "داريوس الأول" 520- 485 ق.م، تبنت اللغة "الآرامية" كلغة رسمية، واعتمدت أبجديتها في المراسلات والعلاقات السياسية والتجارية بسبب المستوى الرفيع الذي بلغته من النضج والقوة وبلاغة التعبير، والمؤرخ الفرنسي "كلير مون غانو" وضع دراسة قيّمة عن نص كتب بالآرامية أيام الإمبراطورية "الأخمينية"، أثبت فيه أن "الفرس والمصريين" كانوا يتراسلون باللغة "الآرامية" التي كانت اللغة الرسمية، وبها تسجل الوقائع الإدارية وتصك العملات وتصور الأوامر ويتفاهم الحكام والملوك».

إن اللهجة الآرامية المتداولة في "معلولا" حالياً تعود إلى أصول لغوية تطورت إليها اللغة "الآرامية" منذ القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي. ومن المعروف أن اللغة "الآرامية" مرت بعدة مراحل كانت أقدمها الآرامية القديمة التي استمرت من القرن الحادي عشر قبل الميلاد حتى منتصف الألف الأول الميلادي. وأعقبتها "الآرامية الإمبراطورية" التي عاصرت زمن الإمبراطورية "الفارسية الأخمينية" سنة 530 ـ 330 ق.م. ودخلت اللغة "الآرامية" في مرحلة جديدة من مراحل تطورها من عهد "المكابيين" عام 195 أو 164ق.م

وتابع "رزق الله" حديثه قائلاً: «اللغة الآرامية تتداولها إلى الآن ثلاث قرى واقعة في سلسلة جبال "القلمون" وهي: "معلولا، جبعدين، بخعة". هذه اللغة ومنذ البداية وبسبب انتشارها الواسع اصطدمت بالكثير من الشعوب وتأثرت بألسنة شتى العناصر التي صادفتها في طريق انتشارها، فبعد أن كانت في القرن الرابع عشر ق.م لغة قبائل متفرقة تعيش في الصحراء العربية، أضحت كما يقول المستشرق الفرنسي "جاك شابو" اللغة الرسمية لشعوب الشرق الأوسط قاطبة، من بلاد "فارس" شرقاً إلى "سورية" غرباً، ومن "آشور" شمالاً إلى "فلسطين ومصر" جنوباً. وهذا بحسب اعتقاد الباحثين هو سبب تباعدها عن أمها السامية، وفي القرون الأولى من العصر الميلادي الجديد، كان الآراميون يشكّلون فيما بينهم مجموعة بشرية ضخمة العدد، ولكنها غير محددة الملامح والسمات العرقية، وتشمل سكان "سورية، بلاد الرافدين، بلاد ما بين النهرين"، حيث تلك البلاد حينذاك موزعة على إمبراطوريتين كبيرتين، وهما "الرومانية والفارسية"».

الباحث جورج رزق الله

ويتناول الباحث "رزق الله" اللغة الآرامية مع نشوء الديانة المسيحية قائلاً: «جاءت "المسيحية" وانتشرت بسرعة ولا سيما في "سورية"، وبدأت المواعظ والكرازات تلقى باللغة الآرامية "إنجيل متى الآرامي"، وبعد أن اعتنق السوريون الدين المسيحي أطلق على لغتهم اسم السريانية لتمييزها عن الآرامية الوثنية، وفي نطاق الإمبراطورية "الرومانية" أطلق على هذا الشعب اسم السريان "السوريون"، لتمييزهم عن الآراميين الوثنيين، ولعل سريانية "الرها" أو "أورهي" بالآرامية، كانت أهم اللهجات وأكثرها انتشاراً، وفي القرن الخامس الميلادي حدث الخلاف المعروف بين "اليعاقبة والنساطرة" حول طبيعة السيد "المسيح"، وطرد "النساطرة" إثر هذا الخلاف، من مدينة "أورهي" عام 449م ولجؤوا إلى مدينة "نصيبين" القريبة من مدينة "القامشلي"، وكانت مدينة "نصيبين" هذه ترسل علماءها وأساتذتها إلى الجامعات العالمية الكبيرة لدراسة الطب والفلسفة اليونانية، وأخذوا يترجمون المؤلفات العلمية والفلسفية من اليونانية إلى السريانية والفارسية، وبما أن اليونانية كانت تعيق انتشار السريانية غرباً، فانتشرت في الشرق، حيث إن لغة الكنيسة تتبعها أينما حلت، ولوجودها في بلاد "الفارس" حملها معهم المبشرون من "النساطرة" إلى "تركستان، الهند" وحتى إلى بلاد "الصين"».

من المعروف أن "الآرامية" نشرت في مناطق متعددة من أصقاع الأرض منها منطقة "بلوجستان"، وفي هذا السياق يقول "رزق الله": «"بلوجستان" يطلق على آرامية تلك الفترة التي توجت فيها اللغة "الآرامية الإمبراطورية"، حيث تبوأت الآرامية مكانة رفيعة واكتسبت أهمية كبيرة، لأن "الآراميين" اهتموا بالتجارة أكثر من اهتمامهم بالنواحي العسكرية، وفي حين نجد "الكنعانيين" احتكروا البحر بحكم تواجدهم على ساحل المتوسط، نرى الآراميين انفردوا بتجارة البر وتحكموا بالقوافل التجارية المتنقلة بين الشاطئ "الكنعاني وبلاد ما بين النهرين وفارس والأناضول"، ومن الطبيعي أن تنتقل اللغة "الآرامية" مع القوافل وتنتشر في أصقاع عديدة من الشرق الأدنى، وتساهم في تكوين بعض الأبجديات "فارس وآسيا الوسطى والهند"، ولكن بعد سقوط الإمبراطورية "الفارسية" أمام جيوش "الإسكندر المقدوني" سنة 331 ق.م، فقدت "الآرامية" سندها القوي الذي جعلها كما ذكرنا لغة التجارة والأعمال، وزال تجانسها وبدأ تراجعها أمام اللغة اليونانية، ولكن إلى حين، عندما جاء السيد "المسيح" كانت اللغة "الآرامية" لا تزال لغة عامة الشعب ولغة التعارف والتخاطب، وبها خاطب السيد "المسيح" الجموع. وصمدت "الآرامية" أمام لغات الدخلاء من "فرس وإغريق ورومان وبيزنطيين"، وصانت الوحدة اللغوية لوطننا العربي خلال اثني عشر قرناً تقريباً، من سقوط السلطان البابلي "الكلداني" عام 539 ق.م، وحتى عصر الفتوحات العربية الكبرى. والقول إن "العبرية" هي أقدم من "الأكادية والآرامية" هو بدع بعض المؤرخين مسايرة للفكر الصهيوني، فإذا تناولنا "التوراة" سفر التثنية، وجدنا الآية التالية: "قال الرب لموسى: ثم تصرخ وتقول أمام الرب إلهك، آرامياً تائهاً كان أبي"، لا شك أن الآرامي التائه هو جد الأنبياء "إبراهيم" أي إن "إبراهيم" كان آرامياً يتكلم الآرامية وليس العبرية "التوراة- الثنية - الإصحاح 26/5"».

منحوتة كتب عليها بالآرامية

تطورت الكتابة "الآرامية" عبر العصور ليتوصل الآراميون إلى كتابة خاصة بهم في القرن السابع قبل الميلاد بالترتيب الأبجدي، ولا سيما هذا التطور كان في القرن السادس قبل الميلاد وانبثق منها خطان في حضارة سورية "الداخلية الآرامية التدمرية"، و"السورية القديمة والآرامية السريانية"، وهنا يقول "رزق الله": «كتب الآراميون الأوائل الذين استوطنوا بلاد "الرافدين" لغتهم بالخط "المسماري" كما فعل "الأكاديون والسومريون" من قبلهم، أما الذين استقروا في "سورية" الداخلية بدءاً من عام 1200 ق.م، فقد كتبوا لغتهم بالأبجدية "الكنعانية" الجنوبية، بعد أن أدخلوا إليها بعض التعديلات، ثم ما لبثوا، وبدءاً من القرن السادس ق.م، أن طوروا لأنفسهم أبجدية خاصة بهم، نطلق عليها اليوم اسم الخط "الآرامي المربع".

وعندما رأى الآراميون أن لغتهم خالية من الأحرف الصوتية، شأنها شأن معظم الكتابات القديمة سارعوا إلى استعمال "الألف، الواو، الياء" كأحرف صوتية، وبهذه الإضافة تفوقت أبجديتهم على الأبجدية الفينيقية، وعدد الأحرف اثنان وعشرون حرفاً ساكناً، نقرؤها ونكتبها من اليمين إلى اليسار، وتتبع الترتيب التالي: "أبجد، هوّز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت". هناك ستة أحرف وهي: "بجد، لفت" لها لفظان لكي نحصل على "ف -غ - ذ - خ - ب تحتها ثلاث نقاط بدل الواحدة - ث"، وأضفنا أيضاً صوتاً واحداً متداولاً عندنا في "معلولا" وهو يشبه "ch" الإنكليزية في كلمة "chair"؛ وهكذا يصبح لدينا 29 حرفاً».

مخطوطة بالأحرف الذهبية (مقتطفات من الكتاب المقدس) بالآرامية

وعن خصائص "الآرامية والسريانية الآرامية" يقول: «كانت الكلمة تبتدئ بحركة على الإطلاق في "السامية الأم والعربية والآرامية القديمة"، يتضح ذلك من المثال التالي: "الآرامية القديمة: لَمَا شَبَقتني، عربية: لماذا تركتني، سريانية: لْما شْبقتن، معلولا: لْمو شَبقيجني تحت الجيم ثلاث نقاط". نلاحظ أننا في "معلولا" لا نحتفظ بالخاصتين كلاهما، وأننا ولكي نتفادى البدء بالساكن أضفنا همزة القطع المتحركة كسابقة قبل بعض الأفعال مثلاً "خْشب" السريانية ومعناها كتب. نقول في معلولا "إخشب"= "كتب"، آرامية معلولا والسريانية والعربية العامية تسكن كاف المخاطب والمخاطبة "علمّكْ، حبسكْ = "أيلفخ، وكذلك الأمر في الأفعال المتقدمة مثال: "أعطيتك = أبلّخ (ثلاث نقط تحت الباء)، علمناها = أيلفلحه"، وفي أمر المخاطبة تسكن السريانية وآرامية معلولا ما قبل الياء، فنقول: "كوم = قومي"، تسكين الفعل الماضي في العربية العامة: "باعْ، ربحْ، قامْ". تماماً كما هو بالآرامية، لفظ الضم العربي كالضم السرياني، مثلاً: "هْم، بينكمْ، منكمْ"، لفظ الكسر العربي كالضم الآرامي، الابتداء بالساكن، قلب الميم نوناً في الغائبين والمخاطبين».

يقول "يوسف نصر الله"، في كتابه "الحوليات السورية": «إن اللهجة الآرامية المتداولة في "معلولا" حالياً تعود إلى أصول لغوية تطورت إليها اللغة "الآرامية" منذ القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن السابع الميلادي. ومن المعروف أن اللغة "الآرامية" مرت بعدة مراحل كانت أقدمها الآرامية القديمة التي استمرت من القرن الحادي عشر قبل الميلاد حتى منتصف الألف الأول الميلادي. وأعقبتها "الآرامية الإمبراطورية" التي عاصرت زمن الإمبراطورية "الفارسية الأخمينية" سنة 530 ـ 330 ق.م. ودخلت اللغة "الآرامية" في مرحلة جديدة من مراحل تطورها من عهد "المكابيين" عام 195 أو 164ق.م».

إلى هذه المرحلة المتأخرة تعود اللغة "الآرامية" مستعملة في "معلولا" والمنطقة المجاورة لها، يتحدثون بها، كما يوجد معهد خاص لتعليم هذه اللغة القديمة، قدم التاريخ.