لعل مقولة: "الشعر ديوان العرب"، حملت قيمة الشعر عند العرب بما حمله من ذكر لكل تفاصيل حياتهم، فهل مازال الشعر كذلك؟ ومع شبه الإجماع على عدم صلاحية هذه المقولة في أيامنا هذه، ها نحن نرى مبادرات تحاول أن تعيد إلى الشعر ألقه بطرق شتى.

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 كانون الأول 2013 التقت الشاعر "أحمد علاء الدين"، أحد الشعراء المؤسسين للقاء "ثلاثاء شعر"، ليبيّن أنه حافز للكاتب على أن يعطي كل ما لديه لقصيدته، كما يخلق نوعاً من المنافسة الإيجابية بين المشاركين، وقال: «"ثلاثاء شعر" وضعنا فجأة في معاقل البحث عن نص جديد، وحمّلنا مسؤولية لم نكن لنحملها لولاه، ألا وهي أخذ الشعر كأداة للعيش، وبالنسبة لي فقد تم توظيف نصي بشكل واضح، وتم استجلاء شكله الراهن بعد العديد من الجلسات والنقاشات حول صيغ النص الشعري الحديث وأشكاله، كما أنه من جهة أخرى لم يكن تحت سيطرتي وحتى أنا ما كنتُ تحت سيطرته، إنما وُجدت في علاقة تفكيرية أدبية ثقافية مشتركة، فأرى أنه على هذا النشاط النوعي أن يحمل عبء بعث الشعر الذهبي من جديد، ومن الممكن أن يُطرح بعد حقبةٍ من الزمن فكرة (ما قبل ثلاثاء شعر، وما بعده)».

من الضرورة أن يكون لـ"دمشق" وجهها الحضاري البعيد عن العنف والتعصب والإلغاء، فكان الشعر السبيل الأخير لفتح مجموعة من النوافذ التي يمكن أن تشكل طريقاً لاقتفاء النص السوري الراهن الذي بدأ بكتابته الشعراء الشباب مستخدمين حساسيتهم الخاصة ومعجمهم الخاص والجديد، في هذا الجو ظهرت المسؤوليات الثقافية والوطنية وهي أكبر من أن تحصى، فهي إرادة الحياة ضد الموت وإرادة الإبداع ضد التقليد، والإصرار على التجديد والانطلاق إلى الأمام رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد

إن ما يدور من النقاشات والحوارات يجعل من الشاعر مطوراً لأدواته الشعرية، وفق ما ذكر الشاعر "زيد قطريب" مدير حوار "ثلاثاء شعر"، وتابع قائلاً: «ما يمكن ملاحظته هو التطور الكبير في نصوص الشعراء خلال اللقاءات المتتابعة، ومرد ذلك إلى موضوع الحوار الذي يعقب إلقاء القصائد، إضافة إلى موضوع التركيز على القراءات الشعرية والنقدية وقيام الشعراء بالتحضير للحوارات التي تتم من خلالها استضافة شعراء لهم تجارب مهمة في الكتابة، من جهة الأساليب والتقنيات التي تتميز بها تجارب الشعراء في اللقاء، فهي تختلف بين النثر والتفعيلة والمزج بينهما، فنحن لا نهدف إلى بناء مساطر إبداعية أو نقدية بل نعمل على إبقاء النوافذ مفتوحة أمام الاحتمالات على اعتبار أن الذائقة الجديدة ستجد شخصيتها دون حاجة إلى إرشادات مسبقة سوى القراءات وضرورات الاطلاع على التجارب والعناية باللغة وهي من مسلمات العمليات الإبداعية، نستطيع اليوم أن نقرأ الكثير من القصائد الجديدة التي يمكن أن تشكل تباشير مبكرة لنصوص "سورية" مختلفة ومغايرة تولد في أفق الأزمة، ونستطيع أن نكتشف معجماً سورياً خاصاً بمفرداته وعواطفه وانفعالاته الحادة والهادئة على حد سواء، حتى مفهوم الحب والأرض والمكان اختلف بشكل كبير في هذه المرحلة، لذلك فإن الأثر المنتظر الذي نأمله من هذا اللقاء هو كبير جداً وهذا سيظهر واضحاً من خلال الكتب التي ستبدأ الدار في نشرها وأولها أصبح في المطبعة الآن».

زيد قطريب

دائماً وفي كل لقاء في هذه الفعالية هناك نصوص طازجة من المشاركين، يأتي كل واحد منهم وبيده قصيدة جديدة، يقرؤها ويناقشها مع الآخرين، يقول "قطريب": «في اللقاء أيضاً فقرة ثابتة هي "نص الأسبوع" ويقدم الشعراء فيها آخر النصوص التي كتبوها بين اللقاءين وذلك بهدف متابعة التطورات التي تطرأ على كتاباتهم وتحفيزهم من أجل الاستمرار في الكتابة والتواصل مع الشعر بشكل يومي، كما يعمد اللقاء إلى تحديد عناوين مجردة يتم تحديدها مع الشعراء الشباب من أجل العبور إليها شعرياً أو عبر نصوص نثرية يمكن أن تحرض لديهم تناولها عبر القصيدة، في هذا الإطار تبدو الأهداف كبيرة جداً نتمنى أن يتسع الوقت والإمكانات لتحقيقها، فنحن الآن بصدد إصدار الديوان الأول وهو بعنوان "كريستال طائش" ويضم قصائد لخمسة شعراء من لقاء "ثلاثاء شعر" وهم: "أحمد علاء الدين، معاذ زمريق، أحمد ودعة، أحمد سبيناتي، جوزيف حداد"، ونأمل أن يكون هذا الديوان هو الرقم واحد في سلسلة سيتم إصدارها عن لقاء "ثلاثاء شعر" وعن دار "سرجون" للنشر والثقافة والفنون».

هيكيلية "ثلاثاء شعر" يختلف عن باقي الصالونات واللقاءات الأدبية التي تواجد العديد منها في الآونة الأخيرة، يقول "قطريب": «هي فكرة نحاول من خلالها إيصال الصوت المختلف والحضاري والمبدع الذي اشتهر به الإنسان السوري عبر العصور، فاللقاء ورشة عمل إبداعية تختص بالشعراء الشباب بالدرجة الأولى، في محاولة للإضاءة على نصوصهم والبحث عن مكامن الاختلاف والتجديد فيها، وهنا ربما يختلف اللقاء عن سائر اللقاءات الأدبية الأخرى بأنه لا يستقبل الجمهور وليس موجهاً نحو الجمهور، فهو ليس أمسية شعرية أو احتفالاً يهدف إلى إلقاء الشعر، بل يحتوي على جانب نقدي مهم جداً حيث تجري مناقشة النصوص والحوار حول عثراتها ونجاحاتها، كما يتضمن فقرات تختص باستضافة شعراء لهم تجارب مكتملة ومعروفة إما باستضافتهم شخصياً من أجل النقاش المباشر، أو بالعودة إلى مؤلفاتهم وقراءتها ومن ثم تخصيص فقرة من اللقاء للحوار حولها، وفي هذا الباب استضاف اللقاء في حوار عبر الفيسبوك الشاعر "منذر مصري" من "اللاذقية"، كما استضاف الشاعر "محمد عضيمة" من "اليابان" عبر خدمة سكايب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى فنان الكاريكاتير "هاني عباس" الذي تمت استضافته خلال حوار عبر الفيسبوك من "لبنان" وكان الهدف حينها البحث عن شعرية الفنون الأخرى وعلاقة فن الكاريكاتير بالشعر؛ حيث قام الفنان "هاني عباس" بإهداء اللقاء لوحة الغلاف الخاصة به، أيضاً في الإطار نفسه استضاف اللقاء الفنان التشكيلي "نبيل السمان" في حوار حول تجربته الفنية والصلة بين النص والقصيدة وفرد مساحات لقراءة تجربة "أدونيس" و"فاتح المدرس" وعلاقتها مع الشعر والرسم».

من جلسات "ثلاثاء شعر"

ويوضح "قطريب" تفاصيل هذا المشروع، بقوله: «من الضرورة أن يكون لـ"دمشق" وجهها الحضاري البعيد عن العنف والتعصب والإلغاء، فكان الشعر السبيل الأخير لفتح مجموعة من النوافذ التي يمكن أن تشكل طريقاً لاقتفاء النص السوري الراهن الذي بدأ بكتابته الشعراء الشباب مستخدمين حساسيتهم الخاصة ومعجمهم الخاص والجديد، في هذا الجو ظهرت المسؤوليات الثقافية والوطنية وهي أكبر من أن تحصى، فهي إرادة الحياة ضد الموت وإرادة الإبداع ضد التقليد، والإصرار على التجديد والانطلاق إلى الأمام رغم كل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد».

بقي أن نذكر أن "ثلاثاء شعر" لقاء ثقافي أهلي يقام في "دمشق"، انطلق في الثلاثين من نيسان 2013 في كافيه "مملوكة" بـ"باب توما"، وتستمر هذه الفعالية بدعوة من دار "سرجون" للنشر والثقافة والفنون، حيث يديرها الشاعر "زيد قطريب" مع مجموعة من الشعراء الشباب الذين أرادوا أن يكون لهم صوتهم في هذه المرحلة التي تبدو فيها الثقافة أضعف الأطراف، و"ثلاثاء شعر" ينعقد كل ثلاثاء من كل أسبوع بنصوصه الجديدة وأقلامه الشابة في مقر جريدة "النهضة" "مزرعة - دمشق".

أحمد علاء الدين