يرى الكثيرون من النقاد والباحثين أن رواية "نهم" لصاحبها "شكيب الجابري" هي أول رواية سورية استكملت الشروط الفنيّة الخاصة بهذا الجنس الأدبي، ومنها كانت بداية النهضة للرواية السورية.

مدونة وطن eSyria التقت الناقد والشاعر "عمر كوجري" بتاريخ 20/3/2013 فتحدث عن هذه الرواية: «رواية "نهم" تقع في مئتي صفحة ويدور زمنها بثمانية عشر يوماً، وقد أرادها "الجابري" وسيلة لجلب الأنظار إليه كما قال، وكان له ذلك، فقد أعيد طبع الرواية مرة ثانية بعد شهر ونصف، وقامت حولها ضجة كبرى في صحف سورية ولبنان ومصر، واختلف الناس فيها، منهم من وصف صاحبها بالفجور، ومنهم من حفظها كلمة كلمة، كأنها قصيدة شعر، ووصفها "طه حسين" قائلاً: ما كنت أنتظر أن يكتب مثلها في العالم العربي قبل خمس عشرة سنة».

رواية "نهم" تقع في مئتي صفحة ويدور زمنها بثمانية عشر يوماً، وقد أرادها "الجابري" وسيلة لجلب الأنظار إليه كما قال، وكان له ذلك، فقد أعيد طبع الرواية مرة ثانية بعد شهر ونصف، وقامت حولها ضجة كبرى في صحف سورية ولبنان ومصر، واختلف الناس فيها، منهم من وصف صاحبها بالفجور، ومنهم من حفظها كلمة كلمة، كأنها قصيدة شعر، ووصفها "طه حسين" قائلاً: ما كنت أنتظر أن يكتب مثلها في العالم العربي قبل خمس عشرة سنة

وتابع حديثه قائلاً: «تبدأ الرواية بسبع رسائل موجهة إلى "إيفان كوزاروف" من "إيفلين" وغرتيل" و"هيرتاه" وغيرهن من الفتيات اللواتي يقصدن حبه ويعاتبنه في حبه، و"إيفان" هذا قبل سنين كان فتى مهملاً وخجولاً لا يعتقد أن له أي حظوة لدى النساء، وتنتهي الرواية بعيداً عن "برلين" وعن جو القصة في "اسبانيا" أيام الحرب الأهلية. لقد وضع "الجابري" شخصيته ضمن سبع مرايا مختلفة أو وجهات نظر مختلفة فأعطاها ابعادها الكاملة، مصوراً تطوع "كوزاروف" في الثورة الإسبانية كهروب من الضعف الذاتي الخاص في هذه الشخصية، وليست شخصية "كوزاروف" بعيدة عن شخصية "الجابري" نفسه، واحسبه اختار الاسم ليعطي روايته طابع القصص الأوروبية العظيمة كما يقول الأديب "شاكر مصطفى".

شكيب الجابري

وأنهى "كوجري" حديثه قائلاً: «يمكن اعتبار "نهم" رواية غربية كتبت بالعربية، إذ يسيطر عليها العنصر الغربي سيطرة كاملة، وهي تدور في جو غربي، وابطالها اوروبيون، ومفهوم الحب الذي تحاول أن تعالجه أيضاً ملون بلون أوروبي، وتحاول أن تعالج مقولة "غوتة" المشهورة "الانوثة الخالدة تجذبنا إليها" وتتصدر هذه العبارة غلاف الرواية، ولعلها ما يقوي مركز "الجابري" بوصفه رائداً للرواية السورية، أنه استمر في كتابة الرواية الرومانسية في الأدب العربي في "سورية"».

أما الشاعرة والناقدة "نورا محمد علي" فتربط نشوء الرواية السورية عموماً ورواية "نهم" خصوصاً بالأوضاع السائدة وقتذاك حيث تقول: «ان متابعتنا لنشوء وتطور القصة في "سورية" سيجعلنا نلاحظ الطريق الموازي لتطور الوعي الاجتماعي والفكري والاقتصادي في "سورية"، ولو شئنا أن نتتبع الخط البياني للقصة والرواية "السورية" لوجدنا أن المجتمع السوري قد تألم في الحرب العالمية الأولى، ثم تألم حين قاتل الاستعمار العثماني في سبيل الاستقلال، وأتاه استعمار جديد من طراز آخر، وهو الاستعمار الفرنسي، ومع صبر السوريين ومحاولة تلاؤمهم مع الواقع الاستعماري الجديد مكرهين ومرغمين، ثارت ثورتهم الكبرى سنة 1925 تارة ثم مفاوضات وهدنة تارة أخرى ثم ثورات ومفاوضات، وكان لابد لهم أن يستنجدوا بالتاريخ العربي تعويضاً عن الواقع المؤلم، وكان سبب ظهور القصة التاريخية، وتزعمت البرجوازية الصغيرة في المدن نضال الناس، وأسست بعض المشاريع الصناعية بين 1930 و1936، ودعا الشعب شيئاً فشيئاً نفسه والفروق التي بينه وبين الغرب، وإذا تذكرنا فقط خيبة آمال الناس في المواثيق الفرنسية، الذين قرؤوا مبادىء الثورة الفرنسية دون أن يشهدوا تطبيقها، لعرفنا كيف عبر المجتمع عن أول تحسس لآلامه بشكل رومانسي، كان يبكي ثم هرب إلى التاريخ يستمد منه مبادئ الاعتزاز، ثم اتجه إلى الواقع يعالجه على ضوء المثل الحديثة، والحقيقة أن الدلالة الاجتماعية في القصص لم تكن مقصودة لذاتها فإذا عبرت عن ألم أو يأس أو ثورة أو نقمة مبهمة، فإنما كان ذلك نتيجة صدق الكتّاب وانفعالهم بشكل عفوي أمام تطور مجتمعهم القديم ودخول الآلة والفكر الحديث عليه».

عمر كوجري

وأضافت: «ضمن هذا الوسط الاجتماعي والسياسي والأدبي ظهرت للناس فجأة رواية "نهم" وبرز اسم صاحبها "شكيب الجابري"، وقد كتب "الجابري" روايته هذه وكان عمره خمساً وعشرين سنة، ويزعم أنه لجأ إلى تجاربه الشخصية في تكوين قصصه عندما يقول: "لا استطيع أن أخرج في رواياتي عن حياتي مهما أخذت، ففي حياتي الواقعية ما يكفي من المادة لتغذية خيالي وأكسل في التفتيش عن مواضيع خارج حياتي. وفيم أفعل؟، عدت إلى "سورية" كسياسي وبدأت أكتب لملء الوقت، كان لي آمال سياسية واجتماعية أريد أن أدعو إليها بقوة، أن أقود وأجند لها الناس، كنت احتاج إلى جمهور فيجب إذاً أن أبدأ بقوة، وما أردت من كتاب "نهم" سوى أن يخلق لي قراء وجمهوراً. كنت أريده قنبلة تهز العالم العربي ليلتفت إلي العدد الاكبر من كل قطر لتؤمن بي النفوس الناشئة فأسير بها في الفكر حيث أرجو".

وإذا أمعنا في هذا القول نستنتج التأثيرات التي ذكرتها واضحة في فكر وكتابة رواية "نهم" التي بدورها هزت البلاد العربية بين موافق ومعارض لها، ولكن الجميع يتفق بأن رواية "نهم" بداية النهضة الروائية في "سورية" وربما في الوطن العربي.

نورا محمد علي

يشار أن للروائي "شكيب الجابري" صاحب رواية "نهم" ثلاث روايات أخرى وهي "قدر يلهو، قوس قزح، وداعاً يا أفاميا".