يعتبرالأديب "غسان ونوس" من الكتّاب المتنوعي الإبداع، فهو روائي، وشاعر، ويكتب في دراسات منوعة، وروايته الأخيرة "المآب" لاقت استحساناً من القراء ومن النقاد ومن الكتّاب أيضاً.

eSyria تابع بعض آراء هؤلاء الروائيين عنها، وكانت البداية مع الناقد والكاتب "باسم عبدو" حيث قال: «ترصد "المآب" مرحلة هامة من تاريخ "سورية" المعاصر في أحد عشر فصلا ومئتي صفحة عبر محطات مكانية ثابتة ومتحركة وموكب يسير خلف سيارة الإسعاف، وأزمنة تتداخل من خلال استقدام الماضي وتشخيص المرحلة بكل ما فيها من تناقضات فردية وجمعية، هناك من يعمل بإخلاص وهناك من ينمي الفساد ويمارسه.. من يعمل من أجل تطور الوطن ومن يعمل من أجل تخريبه، ويكشف السرد الذي يطول أحياناً ويتشعب في دروب فرعية بدءاً من المستشفى في موكب سيارات طويل إلى محطة الوقود في منطقة مزدحمة والوصول إلى المقبرة، يتفاعل الصراع في "الرواية" بين اتجاهين الأول يمثله "أبو نضال" الرجل المناضل الذي وقف ضد الفساد والرشوة والمحسوبيات، هو الحزبي النظيف الذي لا يؤمن بحرق المراحل كحل للمشكلات التي برزت فوق سطح الأحداث ولا بالولاءات، انتسب إلى الحزب الحاكم عن قناعة وإيمان ومن أجل تطور "سورية" والنهوض بها وتقدمها، والثاني الذي يعمل في الاتجاه المعاكس لخط التطور، عمل من أجل جمع المال وسار في دروب الفساد.. وتسير الأحداث في تعرجات ومنحنيات في مرحلة معقدة والوصول إلى حالة من النزيف وانقسام المجتمع إلى أغنياء ازدادوا غنى، وفقراء ومهمشين انحدروا إلى مستوى خط الفقر وتحت هذا الخط».

ويطمح الروائي في هذه التفاصيل في مرحلة هامة وحرجة ومعقدة من تاريخ "سورية" إلى تصحيح المسار في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية

ويتابع "عبدو" حديثه قائلاً: «إن نماذج الشخوص التي عبرت عن مواقف متناقضة أعطت سرد الأحداث حركة تفاعلية، "نضال" كان يعلق صورة "غيفارا" في الغرفة في حين لم يتفق "عماد" مع أفكار الابن الثاني ومواقفه أما "ثائر وثورة" فكانا يتذمران من الحياة وقسوتها لم يوفر والدهما لهما وظيفة دائمة وهو مسؤول التنظيم يجلس في البيت يراقب ما يجري بألم وغير قادر على التصحيح والتغيير ولم يقدر أن يحافظ على البوصلة التي سقطت من يده وربما تكسرت، وتنمو أيضاً علاقة حب بين "عماد وبتول" ولكن هذه العلاقة ظلت علاقة باردة لم تتوهج على هامش الأحداث دون إن تدخل إلى أعماقها وهي التي يمكن إن ينتج عنها تمتين الروابط أكثر وأن تكون عاملاً مساعداً على شد الأحداث وتماسكها وتحقيق التوازن بين العاطفة والروح من جهة وما يجري في الواقع من خلل من جهة ثانية، أي أن تكون أشبه بالندى الذي يرطب الأوراق اليابسة لا أن يزيدها جفافاً وقسوة، حققت "الرواية" اتجاهاً سردياً تعددياً بني على تعدد العلاقات وتنوعها بين "عماد" الباحث عن عمل بعد الانتهاء من الخدمة العسكرة و"أبي نضال" وبين "عماد" وأسرة "أبي نضال"، في داخل البنية الاجتماعية التي تشكل الأسرة نموذجها والتي تعبر عن حياة الناس والحفاظ على خط السرد الرئيس بدءا من المستشفى حتى الحفرة في المقبرة وما يعكسه الجمهور المرافق من تهكم وسخرية وثرثرة وتعليقات، وشكلت هذه الأحداث مجتمعة مشهداً بانورامياً يحيط إحاطة شاملة بكل تفاصيلها وجزئياتها وتفرعاتها رغم حاجة المتلقي الملحة إلى التكثيف فالراوي كان يسهب في الشرح والمقدمات الطويلة ويحاول من خلالها ترويض القارئ، لكن المتلقي كان يلهث للوصول إلى النهايات والخواتيم بسرعة أكثر، وفي الرواية مفصل تاريخي حديث يكشف عن الأحداث التي جرت في عقد الثمانينيات عندما فقد حليب الأطفال والمناديل الورقية والخبز والأسمنت والعديد من المواد الاستهلاكية، أي في زمن الأزمة التي تراجعت بعض مكوناتها السلبية نسبيا في العقود اللاحقة رغم تراكم الفساد وزيادة عدد الفاسدين والمفسدين، ويتطرق السارد إلى أمور معروفة ومشكوكة للقارئ أو المواطن العادي، ويقول في ذلك: «المسؤول قبله كان وصياً على جميع المؤسسات يأمر وينهي ولا أحد يرفض له طلبا».

الناقد والكاتب باسم عبدو

وينهي "باسم عبد" حديثه قائلاً: «ويطمح الروائي في هذه التفاصيل في مرحلة هامة وحرجة ومعقدة من تاريخ "سورية" إلى تصحيح المسار في جميع مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية».

ومن جانب آخر يقول الكاتب والناقد "أيمن الحسن" عن الرواية: «عادةً يرفع الناس أيديهم إلى السماء داعين في ابتهال "اللهم حسن المآب"، ويعنون النهاية الحسنة أو الختام الجميل، فالمآب هو الرجوع أو خلاصة الرحلة ومنتهاها، إذ طالما هناك ذهاب يقابله مآب، وكما يقال "كل طلعة قبالها نزلة"، فهل طلعنا جبل منزلقات ونحن الآن أمام نزلة حساب الزمن العسير؟، ثم هذه المفردة الوحيدة للعنوان، وغير مغلقة حرف الباء "المآب" أي مغزى لها؟، هل تعني الاستفراد بسلطة النص في استبدادية مطلقة؟، ممتدة امتداد هذا الحرف الأخير، تلاحظ هذه المفردة في كثير من عناوين الكاتب القصصية والروائية "الاحتراق، العائذ، خطايا، المدار ..."، فلكل رواية كما أزعم، مسيرها الخاص في التعبير عما تريد إيصاله للقارئ ، ورؤيتها للعلاقة التي تقوم بين شخوصها، وهنا العلاقة الخاصة بين الشاب المثقف "عماد" و"أبي نضال" المسؤول الذي يشكل حالة نقية لوعي متميز جدير بالاحترام والتقدير، لذلك يحرص "الراوي" على إبقاء ذكر "أبي نضال" حياً وترك روحه تتجسد مراراً وتكراراً دون أن تزوي أو تموت، فنحن كقراء نمضي مع سيرورة هذه العلاقة المتميزة لنكشف ماضينا المملوء بالأشواك خلال هذا الطريق الصعب الذي خاضه "أبو نضال" وسط القيم النبيلة التي آمن بها وعاش من أجلها، ثم أبعد وحورب بسببها».

الناقد والكاتب أيمن الحسن

ويتابع: «إنه زمن امتص أعمارنا ليشكل جزءاً من مسيرة حياة وطننا حركية، هذا الزمن يمتد في "الرواية" منذ خروج "أبي نضال" في صندوق خشبي باتجاه بلدته، وفي أثناء ذلك يعرض "الراوي" مسيرة حياة هذا المناضل الشريف وحوادث أخرى لا تنتهي عبر شخصيات عديدة ولا سيما "الشيخ محمود" الذي يبدل قناعته من النقيض إلى النقيض».

ويضيف: «رواية واقعية دون كثير أحلام، أو تخيّل، مكتوبة بلغة سلسة مناسبة للموضوع الحياتي المعاش، فلا تنميق ولا زخرفة ولا تزدحم بالشخصيات، فهناك "أبو نضال" المعروف بكنيته فقط، ولا يوجد توصيف لملامحه وقسماته "شكله، طوله، عرضه ..."، لكنه "عصامي، ثوري، مؤمن بالمبادئ السامية والقيم النبيلة، يحب الناس ويسعى لمصالحهم"، وهذه الشخصيات واضحة دون ترميز أو دلالة».

الدكتور أحمد الحسن

وينهي حديثه قائلاً: «ثمة شخصيات ثانوية أهمها المسؤولون زملاء "أبي نضال" الذي لا نراهم لكنهم يعرفوننا بأنفسنا من وراء كواليس للحكم علينا والتحكم بنا، مثل "الشيخ محمود" الذي يبرز ظاهرة التحول من العقيدة "الماركسية" إلى التدين معتبراً ذلك هداية من "الله"، إنها بالنتيجة مجموعة علاقات متداخلة تروى ضمن حيز زماني ومكاني لكشف علاقات الحياة المتداخلة، أو هي إعادة ترتيب لمجريات هذه الحياة حسب رؤية "الراوي" فتقرؤها فتساعدك على العيش بشكل أفضل، لأنها تضيف إلى وعيك جديداً وترتقي بذوقك إلى الأعلى، وكأني بالراوي يقرر: «كان لا بد أن أعري التصرفات الخاطئة من خلال هذه الشخصية الإيجابية "أبي نضال" المغلوب على أمره في نهاية المطاف».

أما الدكتور "أحمد الحسن" فقال: «هو عمل روائي يرصد مرحلة تاريخية تمتد لعقود، وكتبت بتقنيات زمنية معينة وبتفاصيل لدرجة كنا نسبق التخيّل كقرّاء، لنكتشف في النهاية أن معظم شخصيات العمل متداخلة. لكن من الوجهة الفنية تعتبر رواية "المآب" من الأعمال الجيدة والقليلة التي تبدأ من نقطة معينة وتعود إلى الوراء، ولاسيما أنه لعب على عنصرين أساسيين في الرواية، اللغة الروائية وتداخل العناصر بحيث تكون إحدى الشخصيات ظل للأخرى إن لم تكن هي فعلاً، وبالتالي كقارئين ممكن أن نفتقد أحياناً إلى المتكلم، وإن كان "الروائي" قد يقصد بذلك أن جيلاً يستنسخ جيلاً آخر، لنصل في النهاية إلى حالة العجز أو اللافعل. الحكاية مضت بأسلوب سردي مشوق وجذاب في بدايتها، لكننا مع الوقت بدأنا نفتقد ذلك مع هذه التفاصيل الكثيرة، وأعتقد بأن تقنية السرد على مستوى اللغة والوصف كانت ناجحة لنجد رواية شعرية بالمعنى المعاصر».