لعلنا اليوم أمام تحد في مواجهة دستور جديد للبلاد يهدف إلى تحقيق التنمية ويعالج قضايا ثقافية واجتماعية وقضائية، ولهذا حمل أصحاب الاختصاص كل وفق رؤيته الدستور الجديد.

وحول وقفة مع الشؤون الثقافية والاجتماعية في الدستور الجديد بين الأستاذ الدكتور "محمد ياسر شرف" مدير الدراسات العربية في أكاديمية يونيفرسال، عضو اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria بتاريخ 20/2/2012 بالقول: «أرسى الدستور السوري الجديد مبدأ مهماً في الحياة العامة الحرّة للجمهوريات المرموقة، حينما قرّر قيام النظام السياسي للدولة على مبدأ التعدّدية السياسية، ونصّ بصورة واضحة على أن تتمّ ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع. إذ يشكل هذا استبعاداً لسيطرة نخبة واحدة على توجيه مجريات الأحداث في البلاد، ولاسيما حين يُضم إلى النص الواضح على أن تسهم الأحزاب والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، وأنّ عليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية، وتجد نقطة الارتكاز القوية في هذه المسألة الدستورية دعماً واضحاً على المستويين الثقافي والأنثروبولوجي في النص أيضاً على تقديم معطى الأنسنة واحترام الذات البشرية من خلال فاعليته الوجودية نفسها، والاعتراف التكافئي بوجود الآخر، عبر التصريح بأنه لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني، أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون، فهذه المنطلقات تشكل الهيكل العظمي لقيام شرعة حقوق الإنسان وتعبّر عن أرقى صياغة توصّلت إليها دول العالم، من خلال نصوص القوانين والأعراف الدولية التي لا شكّ أنها يجب أن تلعب دوراً فاعلاً في تقريب الحضارات والقيم العليا التي تنتظم العلاقات بين الشعوب، التي تتخذ من وجودها نقطة انطلاق لتحقيق مصالحها وأغراضها ضمن المنظومة البشرية، ويجسّد هذا على المستوى الواقعي الوطني ما جاء من نص حول كفالة الدستور مسألة حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدّد روافده، باعتبار هذا التنوّع تراثاً مشتركاً يعزّز الوحدة الوطنية في إطار الوحدة بين الأطياف كافة، وجعله التعليم حقاً تكفله الدولة ومجانياً في مراحله جميعاً».

الحرية لدى أي مواطن مقدسة أي محمية ومصونة على أعلى درجات الحماية وقد كفلت للمواطنين حريتهم الشخصية وحافظت على كرامتهم وأمنهم وهذا يحتاج إلى التخفيف من القبضة الحديدية لرجال الأمن على مختلف أنواعهم وفروعهم المسلطة على رقاب وجيوب العباد ويتطلب أيضاً مساءلتهم قانوناً عن أي خرق يقومون به يخدش حياء أو كرامة أي مواطن، وكان الدستور بمنتهى الرقة واللطافة والحنان عندما حفظ كرامة المواطن سواء إن كان في شخصه أو بيته أو عمله، عندما جعل لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون وأن كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم وفق محاكمة عادلة مادة 50، وحسن فعل في عدم تحصينه أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، إلا أننا كنا نتمنى ألا يذكر دين رئيس الجمهورية وحصره بدين معين لأن هناك شرائح كبيرة وعريضة بالمجتمع العربي السوري لها حضورها ولها تاريخها العريق في المساهمة بنهضة الوطن والدفاع عن حياضه وإن كفل الحرية الدينية للآخرين

وحول المسألة الثقافية الواردة ضمن المبادئ العامة للدستور أوضح الأستاذ الدكتور "محمد ياسر شرف" بالقول: «أعتقد أن هذا التأصيل للمسألة الثقافية على أساس الحرية لا ينفصل في الدستور عن ما تضمّنه حول المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات، إذ عدّها هيئات تضم المواطنين الذين هم أصحاب المصلحة الأولى في وجود كيان المجتمع من أجل تطوير الحياة المشتركة وتحقيق مصالح أعضائها، على النحو الذي تضمن فيه الدولة استقلالها وممارسة رقابتها الشعبية ومشاركتها في مختلف القطاعات والمجالس المحددة في القوانين، وذلك في المجالات التي تحقق أهدافها، وفقاً لشروط وأوضاع محدّدة بموجب قوانين خاصة، وهذا أحد المعطيات التي يرى علماء الاجتماع أنها تحقق أفضل نتائج الإنجاز الحضاري الجمعي، ولاسيما إذا أخذنا بالتقدير ما جاء من نصّ على أنّ المجالس المنتخبة ديمقراطياً على الصعيد الوطني أو المحلي هي مؤسسات يمارس المواطنون عبرها دورهم في السيادة وبناء الدولة وقيادة المجتمع، فهكذا يبدو أنّ العلاقة بين الجانبين الفردي والفئوي تجد تلبية للحاجات والتطلّعات على مستوى جعل ثقافة المجتمع طريقاً للتعاون والعمل الجمعي، كما أنها تشكل أساساً في تنمية الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، بغرض تحقيق النمو المتكامل والعدالة في أوسع مدى ممكن، وتؤكد هذه الخطوة صواب اتجاه المشرّع إلى اعتبار مجتمع الدولة قائماً على أساس التضامن والتكافل واحترام مبادئ العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة وصيانة الكرامة الإنسانية لكل فرد، وهو الأمر الذي سوّغ بصورة ملزمة اعتبار الأسرة نواة المجتمع، التي جعل من مهمات القوانين النافذة أن تتجّه لتشجيع تأسيسها وأن تحافظ على كيانها وتقوّي أواصرها».

الاستاذ الدكتور محمد ياسر شرف

وتابع الدكتور "محمد ياسر شرف" بالقول: «يتضح عبر هذا اتجاهٌ قصدي في الدستور إلى تقوية الروابط بين المواطنين على أكثر من مستوى، ولاسيما من خلال إرسائه تقدير الوطن الخاص لما يقدمه المضحّون في سبيله، فيبذلون أرواحهم من أجله، إذ نصّ أنّ الشهادة في سبيل الوطن قيمة عليا، وجعل من مهمات الدولة أن تكفل ذوي الشهداء، ودعم هذا الموقف الأخلاقي النبيل من بعض شرائح المواطنين القادرين بموقف اجتماعي نبيل آخر، حينما نصّ على كفالة الدولة لكل مواطن وأسرته في حالات الطوارئ والمرض والعجز واليُتم والشيخوخة، وحمايتها صحة المواطنين جميعاً وتوفير وسائل الوقاية والمعالجة والتداوي والتغلب على نتائج الكوارث الطبيعية، وربما يكون إفراد الدستور نصاً خاصاً حول توفير جميع الفرص التي تتيح للمرأة أن تساهم بصورة فاعلة وكاملة في الحياة المجتمعية واحداً من المؤشرات الواضحة على أنّ المجتمع السوري ممثلاً ببوصلته التشريعية ماضٍ في العمل على إزالة القيود التي تمنع تحسين أوضاع المرأة وتوسيع مشاركتها في بناء المجتمع، هنا لا بدّ من إشارة إلى ضرورة أن تحقق القوانين المنتظر صدورها ما وضع الدستور الجديد أسسه وتوجهاته، وتحويلها إلى وقائع وأعمال تنقلنا إلى مرحلة حضارية حديثة، فلا تأتي دون طموح المواطنين في هذا البلد الذي يستحق قيادة الأمة العربية عن جدارة وأن يكون نموذج الفعل الحق».

وبوقفة مع القانون كان للقاضي المستشار "ربيع زهر الدين التنوخي" رئيس محكمة القضاء الإداري- رئيس المحكمة الإدارية- عضو المحكمة العليا- عضو مجلس الدولة، رأياً حول مشروع الدستور الجديد بالقول: «بكلمة بسيطة الدستور هو القانون الأساسي الذي يتضمن مبادئ النظام القانوني من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهو الإطار القانوني العام، الذي يجب أن تدخل في نطاقه وتدور مع مبادئه التشريعات التفصيلية العادية التي تنظم علاقات الدولة وشؤون البلاد، وقد رسم مشروع الدستور الجديد كافة مناحي الحياة ورصد جميع المبادئ الديمقراطية وسلم السلطة للشعب المنبثقة منه والتي تعود إليه، والنظام السياسي للدولة يقوم على مبدأ التعددية السياسية وتتم ممارسة السلطة عبر الاقتراع، وكم نتمنى تطبيق هذا المبدأ بشكل فعلي على أرض الواقع، وعدم إقصاء أي مكون اجتماعي أو سياسي أو ديني، بل يطبق مبدأ الديمقراطية بشفافية مطلقة، وقد عبر الدستور ووضح أن جميع السلطات يجب أن تكون من حق الشعب المتنور والمحرر من رق المحسوبيات والشرنقات والإقليميات وأن جميع هذه السلطات يمارسها بواسطة هيئات ومجالس منتخبة منبثقة عنه، فالمجالس المنتخبة ديمقراطية على صعيد الوطني أو المحلي هي مؤسسات يمارس المواطنون عبرها دورهم في السيادة وبناء الدولة وقيادة المجتمع وهذا ما ورد في المادة 12».

المستشار القاضي ربيع زهر الدين

وكان للقضاء الإداري رؤية في الناحية الاقتصادي إذ بين المستشار القاضي "ربيع زهر الدين" بالقول: «من الناحية الاقتصادية فحسناً فعل عندما لم يعتمد على الاقتصاد الحر والمنفتح، وإنما على تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول للتنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة، المادة 13 فقرة 2، وقد أقام الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية الاجتماعية الهادفة إلى زيادة الدخل الوطني وتطوير الإنتاج ورفع مستوى معيشة الفرد وتوفير فرص العمل، وحمى الدستور الجديد الملكية الخاصة سواء أكان جمعياً أم فردياً وحظر نزع الملكية إلا لضرورات الحرب والكوارث العامة بقانون وذلك لقاء تعويض عادل، إلا أن هذه المادة متعلقة بقوانين أخرى تحتاج إلى إلغاء، بتعديل قانون المصادرة والاستيلاء، وقانون الاستملاك فيما يتعلق بالتعويض العادل والاستملاك للضرورات، أما فيما يتعلق بالضرائب والرسوم فأقامها على أسس عادلة وراقية بأن جعلها تصاعدية حسب الدخل والموقع والصفة بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية وهذا أيضاً يحتاج إلى تعديل للتشريع الضريبي في سورية ليواكب الفكر النير الذي أقيم عليه الدستور الجديد فيما يتعلق بالضرائب والرسوم».

وعن الحقوق والحريات وسيادة القانون بين القاضي "ربيع زهر الدين" قائلاً: «الحرية لدى أي مواطن مقدسة أي محمية ومصونة على أعلى درجات الحماية وقد كفلت للمواطنين حريتهم الشخصية وحافظت على كرامتهم وأمنهم وهذا يحتاج إلى التخفيف من القبضة الحديدية لرجال الأمن على مختلف أنواعهم وفروعهم المسلطة على رقاب وجيوب العباد ويتطلب أيضاً مساءلتهم قانوناً عن أي خرق يقومون به يخدش حياء أو كرامة أي مواطن، وكان الدستور بمنتهى الرقة واللطافة والحنان عندما حفظ كرامة المواطن سواء إن كان في شخصه أو بيته أو عمله، عندما جعل لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون وأن كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي مبرم وفق محاكمة عادلة مادة 50، وحسن فعل في عدم تحصينه أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، إلا أننا كنا نتمنى ألا يذكر دين رئيس الجمهورية وحصره بدين معين لأن هناك شرائح كبيرة وعريضة بالمجتمع العربي السوري لها حضورها ولها تاريخها العريق في المساهمة بنهضة الوطن والدفاع عن حياضه وإن كفل الحرية الدينية للآخرين».

الدكتور محمد ياسر شرف