يظهر العدوان أو الأذى في حياتنا اليومية بأشكال مختلفة، وهو كامن في داخل الشخصية لإثبات غاية أو مصلحة، ويبدو أحياناً أنه مولود مع المرء لارتباطه بالبقاء.

حول الأذى وانعكاسه على طبيعة الفرد والمجتمع وتأثيراته السلوكية الاجتماعية، بيّن الأستاذ الدكتور "أديب عقيل" رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق لموقع eSyria بتاريخ 28/12/2011 قائلاً: «الأذى أو العدوان، سمة تظهر عند الإنسان من خلال التربية والتنشئة الاجتماعية التي يتربى عليها الطفل، فهناك خلاف بين الباحثين حول هل الأذى والعدوان جزء من طبيعة الإنسان؟ لقد اعتبر العالم "هوبز" الإنسان ذئباً لأخيه الإنسان ومن طبع الإنسان الأذى وأكد "هوبز" هذا الأمر، بينما هناك باحثون كثر خالفوا "هوبز" واعتبروا الإنسان كائناً اجتماعياً بطبعه مثل "ابن خلدون، والفارابي"، لكن الإنسان لا يمكن ان يولد وبطبعه الأذى وإنما الصراع أو التنافس على المصالح، يجعل الإنسان حاقداً ومؤذياً، ومخرباً، فالدراسات الاجتماعية في أغلبيتها تشير إلى فقد المصالح وكبر المجتمعات وزيادة التنافس والدفع بالمجتمعات إلى تأكيد أهمية العقد الاجتماعي لحماية الإنسان، والمجتمع، فلذلك تنتشر "الأذية" أو العدوانية في المجتمعات التي تغيب فيها السلطة أو تضعف هيبة الدولة، ولهذا يسود النظام البلطجة والحصول على الحقوق عن طريق العنف وأذى الآخرين، لذلك مع الأسف تسود هذه الظاهرة في المجتمعات التي ليس فيها قانون ولا ضبط اجتماعي ولا احترام للعادات والتقاليد والأعراف، لذلك تنتشر وتسيطر ثقافة الأذى في غياب سيطرة القانون، وغياب النظام، لذلك الحفاظ على أمن الفرد وامن المجتمع، لابد من التأكيد على أهمية السلطة التي تحفظ حقوق جميع المواطنين، السلطة القائمة على العدل والمساواة، وفي حال الاستئثار بالسلطة أو بالمال وغياب العدالة الاجتماعية يؤدي على انتشار سلوك غير سوي ومنافي للقيم والأخلاق، ليصبح ثقافة مجتمعية عندها القوي يأكل الضعيف، وهنا لابد من ثقافة بديلة قائمة على احترام الفرد، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة وإشراف كافة المواطنين بالمساهمة بالسلطة لأنهم هم أصحاب المصلحة الحقيقية، وفي التأكيد على أهمية العقد الاجتماعي الذي تحميه السلطة القوية لحماية المواطنين والحد من ظاهرة العنف».

الثقافة الجديدة، التي تتشكل تحت ضغط الحملات الإعلامية المضللة الموجهة والمنفذة من عدة دول عربية وغربية، تقوم على ثلاث ركائز أساسية هي نشر مشاعر الكراهية والفرقة بين أبناء الشعب الواحد، عبر ترويج معلومات تتضمن قدراً هائلاً من البيانات والأفكار والآراء غير الصحيحة لتحقيق أهداف معينة، وإلغاء الآخر واعتبار وجوده بمنزلة تهديد يجب إزالته بأي طريقة كانت، فالرأي الآخر لا مكان له في مشروع يقوم على بسط نفوذ الفوضى وإلغاء دولة المؤسسات والقانون، بتغذية فكرة الانتقام عند شريحة معينة تحت حجج تغلف بعناوين تدغدغ مشاعرها وعواطفها

وعن مكونات سلوك وثقافة الطفل في الأذى أوضح الأستاذ الدكتور "أديب عقيل" بالقول: «إن مكونات الشخصية والسلوك والثقافة عند الطفل يقوم بتشكيلها عوامل داخلية والتي هي فيزيولوجيا، مأخوذة بالوراثة التي هي الصبغيات وزمرة الدم، العواطف، الانفعالات، وقوة الغدد المنشطة التي تحافظ على توازن الإنسان وتؤثر بالسلوك، وهناك عامل آخر هو العامل النفسي القائم على التربية، منذ الصغر تساهم في كبت الانفعالات وتظهر هذه الانفعالات عند الإثارة أو وجود مؤثر خارجي، فينفجر الإنسان ويتحول إلى بركان منفجر، وهذا يكون بسبب العلاقة بين الأنا الأعلى، والأنا الأدنى، ومعوقات المجتمع التي تكبت الأنا الأعلى الذي هو الضمير، ولكن هذا الكبت له حدود فيتحول الإنسان من إنسان ودود، طيب، إلى إنسان عدواني، وقد يكون قاتلاً، وهناك عامل ثالث وهو العامل الخارجي الذي يساهم في جعل الأذية ظاهرة اجتماعية عند الأطفال والشباب قائمة على العوامل الاقتصادية من فقر وانخفاض مستوى المعيشية والدخل وغيرها، وعوامل اجتماعية منها البيئة الذكرية الدينية، الأسرة والتفكك الأسري، الطلاق وغيرها، وأيضاً هناك عوامل إعلامية كظهور مسلسلات العنف والتي من شأنها أن تؤثر على الطفل وسلوكه، وكذلك القصص البوليسية، والانترنت، والفضائيات بأنواعها المختلفة، كما توجد عوامل ايكولوجية التي هي الطبيعة التي تعج بالضجيج وأماكن المكتظة بالسكان، والمساكن العشوائية والشقق غير صحية، جميع تلك العوامل إذا ما تم السيطرة عليها وتوجيهها وتسخيرها لخدمة الإنسان منذ الصغر تصبح مع الزمن عادة وتتحول إلى ثقافة، وهي ثقافة الأذى التي تعود بالويلات على المجتمع والأفراد والأسرة».

الأستاذ الدكتور كمال بلان

وعن الأذى أو العدوان من الناحية التربوية والصحية النفسية بين الأستاذ الدكتور "كمال بلان" رئيس قسم الإرشاد النفسي في جامعة دمشق- كلية التربية بالقول: «يظهر العدوان أو الأذى في حياتنا اليومية، فقد يضرب طفل زميله لسبب بسيط وقد يقع عراك بين شخصين أو أكثر لأسباب واهية، وقد يعتدي قوي على ضعيف لإثبات ذاته وإرضاء نزعاته، وقد تشن دولة الحرب على أخرى معتدية ومتذرعة بحجج متعددة، ويبدو الأذى تارة وكأنه ولد مع الإنسان لشدة ارتباطه بسعي الإنسان إلى المحافظة على بقائه، ويبدو أنه نامياً مع الشروط الاجتماعية الخاصة التي تحيط بالفرد، ومنها شروط البيئة الأسرية، أو المدرسية، أو المجتمعية بشكل عام، وينبئنا علم الحياة أن الأذى أو العدوان أساسي لدى كل كائن حي، ويبين أنه وثيق الصلة بالغريزة لدى الحيوان وينسحب ذلك على الإنسان، حتى إن بعضهم اعتبر أن الطفل عدواني بطبعه، وهذا العدوان يتيح للعضوية أن تستخدم كل ما يحيط بها لإشباع الحاجات الأساسية للحياة، ورأى آخرون أن الأذى أو العدوان عادة مكتسبة تؤثر فيها الظروف الاجتماعية المحيطة بالفرد، وقد عرف الأذى أو العدوان بأنه سلوك هجومي منطوٍ على الإكراه والإيذاء، وبهذا المعنى يكون اندفاعاً هجومياً، يصبح معه ضبط الشخص لنوازعه الداخلية ضعيفاً وهو اندفاع نحو إكراه الآخر أو سلب خير منه أو إيقاع أذى فيه، أو مس شيء بالتخريب والتعطيل».

ويتابع الأستاذ الدكتور "كمال بلان" تحليل الأذى أو العدوان بالقول: «إن إنزال الأذى بالآخرين هو في النهاية نوع من الانتقام، والانتقام نفسه هو في النهاية نوع من دفاع الذات عن نفسها أمام تهديد يواجه الآن أو وُجّه من قبل، ولكن ثمة سؤال ما أسبابه؟ هناك عدة أسباب في نشأته وظهوره لدى الإنسان أهمها جسمية والتي تبدو في شعور الإنسان وخاصة الطفل ببعض أوجه الإعاقة الجسمية أو العقلية وبعض الأمراض الأخرى، وهناك أسباب نفسية كشعور المرء بالحرمان العاطفي أو المادي ما يؤدي إلى الأذى أو العدوان لتأكيد الذات، وأسباب اجتماعية حيث نجد بعض المجتمعات تغيب فيها العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص بين الأفراد، وأسباب أسرية، ومدرسية، ووسائل الإعلام، والأصدقاء، وله أشكال متعددة منها الأذى الجسدي كالضرب والقتل، والكلامي كالشتائم والقذف والتهديد، والرمزي من خلال ممارسة سلوك يرمز إلى احتقار الآخر، والأذى أو العدوان قد يكون فردياً أو جماعياً، ولكن بالنهاية يبلغ الأذى درجة من المرض أو الشذوذ حيث يتم بصورة لا إرادية دون وعي أو إدراك ودون تقدير من الفرد لعواقبه، وبالتالي يجنح ليكون الأذى نحو الذات كالانتحار، والضرب وهو الأذى نحو الغير وبدوره يسيء للمجتمع وللقيم الأخلاقية والإنسانية».

الأستاذ الدكتور أديب عقيل

الإعلامي "زياد غصن" رئيس تحرير صحيفة تشرين في افتتاحية كتبها بعنوان "ثقافة القتل" يقول: «الثقافة الجديدة، التي تتشكل تحت ضغط الحملات الإعلامية المضللة الموجهة والمنفذة من عدة دول عربية وغربية، تقوم على ثلاث ركائز أساسية هي نشر مشاعر الكراهية والفرقة بين أبناء الشعب الواحد، عبر ترويج معلومات تتضمن قدراً هائلاً من البيانات والأفكار والآراء غير الصحيحة لتحقيق أهداف معينة، وإلغاء الآخر واعتبار وجوده بمنزلة تهديد يجب إزالته بأي طريقة كانت، فالرأي الآخر لا مكان له في مشروع يقوم على بسط نفوذ الفوضى وإلغاء دولة المؤسسات والقانون، بتغذية فكرة الانتقام عند شريحة معينة تحت حجج تغلف بعناوين تدغدغ مشاعرها وعواطفها».

الدكتور كمال بلان