ضمن المناهج النقدية الحديثة التي تقوم على التطبيق والرؤية المتجددة، يعتمد كل ناقد طريقة في رؤيته النقدية على قراءة النصوص الأدبية وفقا للمدرسة المنهجية التي تتبعها.

«ليست القضية أن تسمع وترى وتقرأ وتحس، بل أن تميّز ما تسمع، وتفرّق بين ما ترى، وتستقرئ ما وراء السطور وفي ظلال الكلمات، وتستنبط ما سبّب الإحساس، لتتكوّن لديك صورة أو فكرة، تتم معالجتها في مختبرك النفسي والمعرفي، ما يؤدي إلى رأي لك وموقف»، الحديث كان للأديب "غسان كامل ونوس" عضو المكتب التنفيذي في اتحاد الكتاب العرب لموقع eSyria وتابع بالقول: «صحيح أن للانطباع الأول دوراً في التشكيل الأولي للمشهد أو الحالة، لكنه يحتاج إلى استيثاق لتعديل أو تأكيد وإثبات، وتصحّ تسمية هذا الكائن العاقل الذي خلقه الله على مثال صورته، بقدر ما يستخدم إمكانياته وملكاته في التحليل والربط والاستنتاج. ويكون مميزاً إذا ما قادته موهبته إلى أبعاد وأعماق وآفاق، قد تسبق التوقعات، وتتجاوز الآمال، وتفتح التخوم أمام البشرية، التي تحتاج إلى مثل هذه الفتوحات المشرقة في مختلف المجالات؛ ولكنها تحتاج إليها أكثر في القضايا الإنسانية التي يمثل فيها الإبداع الفكري والأدبي الروح في المنطلق والمتن وصولاً إلى الغاية المثلى سعادة ورضاً وأماناً، لا شك في أن البشرية توصلت إلى اكتشافات مذهلة واختراعات مثيرة داخل النفس والطبيعة، وخارج الجسد والأرض التي تجري إلى لا مستقر لها، ولكن استخداماتها تحتاج إلى نوايا طيبة، ورغبات مضبوطة، ووعي وحكمة ورأفة، بدل تجريبها الكارثي على الكائنات التي تدب وتسعى وتطير وتحس وتفكر، واستثمارها الأحمق، وتطويرها المجنون على حساب ما تبقى من عناصر الحياة وأسبابها وأحيائها».

ليست القضية أن تسمع وترى وتقرأ وتحس، بل أن تميّز ما تسمع، وتفرّق بين ما ترى، وتستقرئ ما وراء السطور وفي ظلال الكلمات، وتستنبط ما سبّب الإحساس، لتتكوّن لديك صورة أو فكرة، تتم معالجتها في مختبرك النفسي والمعرفي، ما يؤدي إلى رأي لك وموقف

وعن النقد السردي بين الأديب "غسان كامل ونوس" بالقول: «إن السرد، بقدر ما يعبر عن الشخصية في النص وخبرتها وأفكارها وغاياتها وحالاتها ونشاطها وبيئتها في زمان ومكان محددين، فهو يمثل إحدى أهم سمات القاص، تظهر من خلاله زوادته اللغوية، وثقافته ورصيده المعرفي، والأهم من هذا وذاك مقدرته في توظيف ذلك لخدمة الإبداع إشعاعات ومرامي، من دون المبالغة في إظهار الثراء المنفر والنبرة الفوقية، أو الإجحاف في الإطراء ما يعثر سيالة الموضوع، أو يخفف من حضوره المناسب».

الأديب غسان كامل ونوس

وعن دور الناقد في قراءة النص وتفكيكه وتحليله أوضح الناقد الدكتور "غسان غنيم" أستاذ الأدب الحديث العاصر في جامعة دمشق، وعضو اتحاد الكتاب العرب قائلاً: «يقوم الناقد الأدبي بوضع النصوص تحت عدسة مكبرة للفحص بدقة كبيرة ما قاله المبدع، وكيف قاله؟، ولتسجيل ما خفي من دقائق ودلالات، سعى مبدع العمل أو لم يسع إلى سترها وتعميتها، وهذا ما يعطي لكل نص عالٍ قراءات متعددة، يسعى الناقد بما يمتلك من معطيات ومناهج إلى تأويلات وتحليلات من زوايا مختلفة، تجدد النص وتعطيه حياة جديدة، فالنقد بهذه المثابة إجراء تقني يحاول تأويل النصوص، وتثبيت ما لم يقله، وخبأه خلف أبنية وسطور، كما يحاول الكشف عن جماليات هذه النصوص، والنصوص الأدبية زلقة عصية على الاصطياد السهل حيرت الدارسين والفلاسفة، ممن تصدوا لها بالدرس والفحص، منذ زمن بعيد، وهذا ما جعل بعض الفلاسفة "أفلاطون" يقفون موقفاً عدائياً تجاه الكتابة الأدبية، لما وجدوا فيها من نشوز على القوننة والتنميط والتصنيف، وهي إجراءات أولع بها الفلاسفة على مر العصور، فتصدى النقاد لهذه المهمة وكانوا أنفسهم يظلمون، فالنصوص الأدبية بشكل عام تغيب عن كثير منها المباشرة، والوضوح، بل تكاد تكون في الطرف الآخر من هذين المفهومين، فتحمل سطورها أشياء لا تقال، أو تقال بأشكال غير مألوفة، وتميل لغتها في نماذجها العليا نحو الانزياح، والإدهاش، والجدة والطزاجة، ما يجعلها عرضة للقراءات المتعددة، والتأويلات المتجددة، وهذا بعض من مهمة النقد والنقاد، أن يبحثوا عن اللامحدود من الدلالات التي جهلها المؤلف، البحث عن مقصدية القاص وعن مقصودية النص، عما كان المؤلف يريد قوله أو عما قاله فعلاً كل ذلك بالإحالة على نسقه السياقي، دونما إغفال للأنساق الحضارية والحياتية والمعرفية التي أنتجت النص، ومن هنا يمكن قراءة النص على أنه قابل للتأويل بشكل غير محدود، بينما قد يقدمه مؤلفه، على أنه ذو دلالة واحدة أرادها، وليس هذا بملزم للناقد، ولا ينبغي له الالتزام، فالقراءة الأدبية ليس لها حدود معينة تنتهي عندها، ولا ينبغي الوقوف عند احتمال واحد حول النص المقروء، فالنص احتمال متعدد يحكم قراءته الاتساق النصي، وتماسكه، بحيث لا يدفع القراءة إلى مجازفة تأويلية بعيدة».

وحول المناهج النقدية الحديثة بين الناقد الدكتور "غسان غنيم" بالقول: «هي أدوات إجرائية مهمة في التعامل مع النصوص الأدبية، لكن يجب ألا ننسى أبداً أن هذه النظريات والمناهج والأسس بنت سياقاً فلسفياً وحضارياً ومعرفياً، لا ينفصم عن سياق حياة منتجيها وعن نسقهم المعرفي والحضاري، وقديماً أشار الناقد الدكتور "محمد مندور" وهو الذي درس في الغرب وحمل معطيات الحضارة الغربية في جانبها الأدبي، إلى ضرورة لأن نكون من الفطنة بحيث لا نحاول أن نطبق على أدبنا».

الناقد الدكتور غسان غنيم

وأضاف الناقد الدكتور "أحمد علي محمد" عضو اتحاد الكتاب العرب رأياً حول تقنية السرد في المدارس النقدية الحديثة بالقول: «السرد في حقيقة أمره نقل أحداث متخيلة إلى حيز اللغة، بيد أن القارئ عادة لا يتعامل مع أحداث القصة ضمن فضائها اللغوي، وإنما يتعامل مع أحداث قصصية منقولة بوساطة اللغة، يضاف إلى ذلك أن وسائل السرد وتقنياته تصرف القارئ عادة عن تأمل اللغة ليتواصل مع أحداث وشخصيات يظن كل الظن أنها تتحرك في عالمه بوصفها حقيقة واقعة، وهذا إنما يشي بأن السرد خادع ومضلل، لأنه لا يعبر عن حقيقة القصة التي تدور أحداثها في اللغة، والحق أن السرد نفسه عمل لغوي متقن قد يسهم في يقظة اللغة الأدبية، في وجدان القارئ لهذا نجد أن فتنة السرد في الرواية تتمثل عادة بالمقومات الأدبية قبل شيء، والسرد من جهة أخرى خديعة فنية، تفترضها لعبة الكتابة التي تتم في آخر الأمر على قصدية مبنية في الأساس على ضرب من التصارع، ذلك لأن الكتابة في واقع أمرها صراع بين القصد والإنجاز، والسرد هو أحد أهم مقومات النقد في المدارس المنهجية التي يجب أن تتمثل في تطوير نظريات السرد وتقنياته».

الناقد الدكتور أحمد علي محمد